من طرف فريق العمل السبت 17 مايو 2014 - 12:51
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
الأشباه والنظائر للسيوطي
الكتاب الثاني: في قواعد كلية
يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية
القواعد من الأولى الى الرابعة
● [ القاعدة الأولى ] ●
الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد
الأصل في ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم نقله ابن الصباغ وأن أبا بكر حكم في مسائل خالفه عمر فيها ولم ينقض حكمه وحكم عمر في المشركة بعدم المشاركة ثم بالمشاركة وقال ذلك على ما قضينا وهذا على ما قضينا وقضى في الجد قضايا مختلفة وعلته أنه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول فإنه يؤدي إلى أنه لا يستقر حكم وفي ذلك مشقة شديدة فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض وهلم جرا ومن فروع ذلك لو تغير اجتهاده في القبلة عمل بالثاني ولا قضاء حتى لو صلى أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد فلا قضاء.
ومنها لو اجتهد فظن طهارة أحد الإناءين فاستعمله وترك الآخر ثم تغير ظنه لا يعمل بالثاني بل يتيمم ومنها لو شهد الفاسق فردت شهادته فتاب وأعادها لم تقبل لأن قبول شهادته بعد التوبة يتضمن نقض الاجتهاد بالاجتهاد كذا علله في التتمة ومنها لو ألحقه القائف بأحد المتداعيين ثم رجع وألحقه بالآخر لم يقبل ومنها لو ألحقه قائف بأحدهما فجاء قائف آخر فألحقه بالآخر لم يلحق به لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ومنها لو حكم الحاكم بشيء ثم تغير اجتهاده لم ينقض الأول وإن كان الثاني أقوى غير أنه في واقعة جديدة لا يحكم إلا بالثاني بخلاف ما لو تيقن الخطأ ومنها حكم الحاكم في المسائل المجتهد فيها لا ينقض ولذلك أمثلة منها الحكم بحصول الفرقة في اللعان بأكثر الكلمات الخمس وببطلان خيار المجلس والعرايا ومنع القصاص في المثقل وصحة النكاح بلا ولي أو بشهادة فاسقين وبيع أم الولد وثبوت الرضاع بعد حولين وصحة نكاح الشغار والمتعة وأنه لا قصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف ورد الزوائد مع الأصل في الرد بالعيب وجريان التوارث بين المسلم والكافر وقتل الوالد بالولد والحر بالعبد والمسلم بالذمي على ما صححه في أصل الروضة في الجميع وإن كان الصواب في الأخير النقض بمخالفته النص الصحيح الصريح ومنها لو خالع زوجته ثلاثا ثم تزوجها الرابعة بلا محلل لاعتقاده أن الخلع فسخ ثم تغير اجتهاده وهو باق معها بذلك النكاح قال الغزالي إن حكم حاكم بصحته لم تجب عليه مفارقتها وإن تغير اجتهاده لما يلزم في فراقها من تغير حكم الحاكم في المجتهدات قال وإن لم يحكم حاكم ففيه تردد والمختار وجوب المفارقة لما يلزم في إمساكها من الوطء الحرام على معتقده الثاني قالوا وما ذكره في حكم الحاكم مبني على أن حكمه ينفذ باطنا وإلا فلا يلزم من فراقه إياها نقض حكم الحاكم لأن هذا بالنسبة إلى أخذه في خاصة نفسه وامتناع نقض الحكم في المجتهدات لما تقدم ليظهر أثره في المتنازعين وعلى ذلك أيضا نبني ما حكاه ابن أبي الدم في أدب القضاء عن الأصحاب أن الحنفي إذا خلل خمرا فأتلفها عليه شافعي لا يعتقد طهارتها بالتخليل فترافعا إلى حنفي وثبت ذلك عنده بطريقه فقضى على الشافعي بضمانها لزمه ذلك قولا واحدا حتى لو لم يكن للمدعي بينة وطالبه بعد ذلك بأداء ضمانها لم يجز للمدعى عليه أن يحلف أنه لا يلزمه شيء لأنه على خلاف ما حكم به الحاكم والاعتبار في الحكم باعتقاد القاضي دون اعتقاده وكأن هذا مفرع على نفوذ الحكم باطنا وإلا فيسوغ له الحلف ويؤيده الخلاف فيما إذا حكم الحنفي للشافعي بشفعة الجوار هل تحل له.
تنبيهات :
الأول وقع في فتاوي السبكي أن امرأة وقفت دارا ذكرت أنها بيدها وملكها وتصرفها على ذريتها وشرطت النظر لنفسها ثم لولدها وأشهد حاكم شافعي على نفسه بالحكم بموجب الإقرار المذكور وبثبوت ذلك عنده وبالحكم به وبعده شافعي آخر فأراد حاكم مالكي إبطال هذا الوقف بمقتضى شرطها النظر لنفسها واستمرار يدها عليه وبمقتضى كون الحاكم لم يحكم بصحته وأن حكمه بالموجب لا يمنع النقض وأفتاه بعض الشافعية بذلك تعلقا بما ذكره الرافعي عن أبي سعيد الهروي في قول الحاكم صح ورود هذا الكتاب على فقبلته قبول مثله وألزمت العمل بموجبه أنه ليس بحكم وتصويب الرافعي ذلك قال السبكي والصواب عندي أنه لا يجوز نقضه سواء اقتصر على الحكم بالموجب أم لا لأن كل شيء حكم فيه حاكم حكما صحيحا لا ينقض حكمه وأما من خص ذلك في الحكم بالصحة فلا وليس هذا اللفظ في شيء من كتب العلم فليس من شرط امتناع النقض أن يأتي الحاكم بلفظ الحكم بالصحة قال ولأن الحكم بموجب الإقرار مستلزم للحكم بصح الإقرار وصحة المقر به في حق المقر فإذا حكم المالكي ببطلان الوقف استلزم الحكم ببطلان الإقرار وببطلان المقر به في حق المقر قال ولأن الاختلاف بين الحكم بالصحة والموجب إنما يظهر فيما يكون الحكم فيه بالصحة مطلقا عل كل أحد أما الإقرار فالحكم بصحته إنما هو على المقر والحكم بموجبه كذلك قال وأما ما نقله الرافعي عن الهروي فالضمير في قوله بموجبه عائد على الكتاب وموجب الكتاب صدور ما تضمنه من إقرار أو تصرف أو غير ذلك وقبوله وإلزام العمل به هو أنه ليس بزور وأنه مثبت الحجة غير مردود ثم يتوقف الحكم بها على أمور أخر منها عدم معارضة بينة أخرى كما صرح به الهروي في بقية كلامه وغير ذلك ولذلك قال الرافعي الصواب أنه ليس بحكم ونحن نوافقه على ذلك في تلك المسألة أما مسألتنا هذه فالحكم بموجب الإقرار الذي هو مضمون الكتاب ولم يتكلم الرافعي ولا الهروي فيه بشيء فزال التعلق بكلامهما انتهى.
الثاني معنى قولهم الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد أي في الماضي ولكن يغير الحكم في المستقبل لانتفاء الترجيح الآن ولهذا يعمل بالاجتهاد الثاني في القبلة ولا ينقض ما مضى وفي المطلب ما قاله الأصحاب في الخنثى إذا تعارض البول مع الحيض فلا دلالة تقتضي أنه لو بال من فرج الرجل وحكمنا بذكورته ثم حاض في أوانه حكمنا بإشكاله إذ البول يتقدم إمكان الحيض قال وما اقتضاه كلامهم مشكل لأنه نقض للاجتهاد بالاجتهاد قال الأسنوي والجواب عنه أن النقض الممتنع إنما هو في الأحكام الماضية ونحن لا نتعرض لها وإنما غيرنا الحكم لانتفاء المرجح الآن وصار كالمجتهد في القبلة وغيرها إذا غلب على ظنه دليل فأخذ به ثم عارضه دليل آخر فإنه يتوقف عن الأخذ به في المستقبل ولا ينقض ما مضى.
الثالث استثنى من القاعدة صور الأولى للإمام الحمي ولو أراد من بعده نقضه فله ذلك في الأصح لأنه للمصلحة وقد تتغير ومنع الإمام الاستثناء وقال ليس مأخذ التجويز هذا ولكن حمى الأول كان للمصلحة وهي المتبع في كل عصر.
الثانية لو قسم في قسمة إجبار ثم قامت بينة بغلط القاسم أو حيفه نقضت مع أن القاسم قسم باجتهاده فنقض القسمة بقول مثله والمشهود به مجتهد فيه مشكل وقد استشكله صاحب المطلب لذلك.
الثالثة إذا قوم المقومون ثم اطلع على صفة زيادة أو نقص بطل تقويم الأول لكن هذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص لا بالاجتهاد.
الرابعة لو أقام الخارج بينة وحكم له بها وصارت الدار في يده ثم أقام الداخل بينة حكم له بها ونقض الحكم الأول لأنه إنما قضى للخارج لعدم حجة صاحب اليد هذا هو الأصح في الرافعي وقال الهروي في الإشراف قال القاضي حسين أشكلت علي هذه المسألة منذ نيف وعشرين سنة لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد وتردد جوابي ثم استقر رأيي على أنه لا ينقض فائدة قال السبكي إذا كان للحاكم أهلية الترجيح ورجح قولا منقولا بدليل جيد جاز ونفذ حكمه وإن كان مرجوحا عند أكثر الأصحاب ما لم يخرج عن مذهبه وليس له أن يحكم بالشاذ الغريب في مذهبه وإن ترجح عنده لأنه كالخارج عن مذهبه فلو حكم بقول خارج عن مذهبه وقد ظهر له رجحانه فإن لم يشرط عليه الإمام في التولية التزام مذهب جاز وإن شرط عليه باللفظ أو العرف كقوله على قاعدة من تقدمه ونحو ذلك لم يصح الحكم لأن التولية لم تشمله وأفتى ابن عبد السلام بأن الحاكم المعلوم المذهب إذا حكم بخلاف مذهبه وكان له رتبة الاجتهاد أو وقع الشك فيه فالظاهر أنه لا يحكم بخلاف مذهبه فينقض حكمه وقال الماوردي إذا كان الحاكم شافعيا وأداه اجتهاده في قضية أن يحكم بمذهب أبي حنيفة جاز ومنع منه بعض أصحابنا لتوجه التهمة إليه ولأن السياسة تقتضي مدافعة استقرار المذاهب وتمييز أهلها وقال ابن الصلاح لا يجوز لأحد أن يحكم في هذا الزمان بغير مذهبه فإن فعل نقض لفقد الاجتهاد في أهل هذا الزمان.
خاتمة ينقض قضاء القاضي إذا خالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا قال القرافي أو خالف القواعد الكلية قال الحنفية أو كان حكما لا دليل عليه نقله السبكي في فتاويه قال وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا قال وما خالف المذاهب الأربعة فهو كالمخالف للإجماع قال وإنما ينقض حكم الحاكم لتبين خطئه والخطأ قد يكون في نفس الحكم بكونه خالف نصا أو شيئا مما تقدم وقد يكون الخطأ في السبب كأن يحكم ببينة مزورة ثم يتبين خلافه فيكون الخطأ في السبب لا في الحكم وقد يكون الخطأ في الطريق كما إذا حكم ببينة ثم بان فسقها وفي هذه الثلاثة ينقض الحكم بمعنى أنا تبينا بطلانه فلو لم يتعين الخطأ بل حصل مجرد التعارض كقيام بينة بعد الحكم بخلاف البينة التي ترتب الحكم عليها فلا نقل في المسألة والذي يترجح أنه لا ينقض لعدم تبين الخطأ.
● [ القاعدة الثانية ] ●
إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام
وأورده جماعة حديثا بلفظ ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال قال الحافظ أبو الفضل العراقي ولا أصل له وقال السبكي: في الأشباه والنظائر نقلا عن البيهقي هو حديث رواه جابر الجعفي رجل ضعيف عن الشعبي عن ابن مسعود وهو منقطع قلت وأخرجه من هذا الطريق عبدالرزاق في مصنفه وهو موقوف على ابن مسعود لا مرفوع ثم قال ابن السبكي غير أن القاعدة في نفسها صحيحة قال الجويني في السلسلة لم يخرج عنها إلا ما ندر فمن فروعها إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضي التحريم والآخر الإباحة قدم التحريم في الأصح ومن ثم قال عثمان لما سئل عن الجمع بين أختين بملك اليمين أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحريم أحب إلينا وكذلك تعارض حديث لك من الحائض ما فوق الإزار وحديث اصنعوا كل شيء إلا النكاح فإن الأول يقتضي تحريم ما بين السرة والركبة والثاني يقتضي إباحة ما عدا الوطء فيرجح التحريم احتياطا قال الأئمة وإنما كان التحريم أحب لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم وذلك أولى من عكسه ومنها لو اشتبهت محرم بأجنبيات محصورات لم تحل ومنها قاعدة مد عجوة ودرهم ومنها من أحد أبويها كتابي والآخر مجوسي أو وثني لا يحل نكاحها ولا ذبيحتها ولو كان الكتابي الأب في الأظهر تغليبا لجانب التحريم ومنها من أحد أبويه مأكول والآخر غير مأكول لا يحل أكله ولو قتله محرم ففيه الجزاء تغليبا للتحريم في الجانبين ومنها لو كان بعض الضبة للحاجة وبعضها للزينة حرمت ومنها لو كان بعض الشجرة في الحل وبعضها في الحرم حرم قطعها ومنها لو اشترك في الذبح مسلم ومجوسي أو في قتل الصيد سهم وبندقة لم يحل ومنها عدم جواز وطء الجارية المشتركة ومنها لو اشتبه مذكي بميتة أو لبن بقر بلبن أتان أو ماء وبول لم يجز تناول شيء.
منها ولا بالاجتهاد مالم تكثر الأواني كاشتباه المحرم ومنها لو اختلطت زوجته بغيرها فليس له الوطء ولا باجتهاد سواء كن محصورات أم لا بلا خلاف قاله في شرح المهذب ومن صوره أن يطلق إحدى زوجتيه مبهما فيحرم الوطء قبل التعيين أو يسلم على أكثر من أربع فيحرم قبل الاختيار
ومنها ما ذكره النووي في فتاويه إذا أخذ المكاس من إنسان دراهم فخلطها بدراهم المكس ثم رد عليه قدر درهمه من ذلك المختلط لا يحل له إلا أن يقسم بينه وبين الذي أخذت منهم وفي فتاوى ابن الصلاح لو اختلط درهم حلال بدراهم حرام ولم يتميز فطريقه أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة ويتصرف في الباقي والذي عزله إن علم صاحبه سلمه إليه وإلا تصدق به عنه وذكر مثله النووي وقال اتفق أصحابنا ونصوص الشافعي على مثله فيما إذا غصب زيتا أو حنطة وخلط بمثله قالوا يدفع إليه من المختلط قدر حقه ويحل الباقي للغاصب قال فأما ما يقوله العوام إن اختلاط ماله بغيره يحرمه فباطل لا أصل له.
ومنها لو انتشر الخارج فوق العادة وجاوز الحشفة أو الصفحة فإنه لا يجزي الحجر في غير المجاوز أيضا ومنها لو تلفظ الجنب بالقرآن بقصد القراءة والذكر معا فإنه يحرم.
ومنها لو وقف جزءا من أرض مشاعا مسجدا صح ووجب القسمة ولا يجوز قبل القسمة للجنب المكث في شيء من أجزائها ولا الاعتكاف تغليبا للتحريم في الجانبين ذكره ابن الصلاح في فتاويه.
ومنها لو رمى الصيد فوقع بأرض أو جبل ثم سقط منه حرم لحصول الموت بالسهم والسقطة وخرج عن هذه القاعدة فروع منها الاجتهاد في الأواني والثياب والثوب المنسوج من حرير وغيره يحل إن كان الحرير أقل وزنا وكذا إن استويا في الأصح بخلاف ما إذا زاد وزنا ونظيره التفسير يجوز مسه للمحديث إن كان أكثر من القرآن وكذا إن استويا في الأصح إلا إن كان القرآن أكثر.
ومنها لو رمى سهما إلى طائر فجرحه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض لأن ذلك لا بد منه فعفى عنه ومنها معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عينه لا يحرم في الأصح لكن يكره وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام في يده كما قال في شرح المهذب إن المشهور فيه الكراهة لا التحريم خلافا للغزالي.
ومنها لو اعتلفت الشاة علفا حراما لم يحرم لبنها ولحمها ولكن تركه أورع نقله في شرح المهذب عن الغزالي.
ومنها أن يكون الحرام مستهلكا أو قريبا منه فلو أكل المحرم شيئا قد استهلك فيه الطيب فلا فدية ولو خالط المائع الماء بحيث استهلك فيه جاز استعماله كله في الطهارة ولو مزج لبن المرأة بماء بحيث استهلك فيه لم يحرم وكذا لو لم يستهلك ولكن يشرب الكل ولا يجوز القراض على المغشوش قال الجرجاني مالم يكن مستهلكا.
ومنها لو اختلطت محرمة بنسوة قريبة كبيرة فله النكاح منهن ولو اختلط حمام مملوك بمباح لا ينحصر جاز الصيد ولو كان المملوك غير محصور أيضا في الأصح قال في زوائد الروضة ومن المهم ضبط العدد المحصور فإنه يتكرر في أبواب الفقه وقل من بينه قال الغزالي وإنما يضبط بالتقريب فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظرين عده بمجرد النظر كالألف ونحوه فهو غير محصور وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن وما وقع فيه الشك استفتي فيه القلب ولو ملك الماء بالاستسقاء ثم انصب في نهر لم يزل ملكه عنه ولا يمنع الناس من الاستقاء وهو في حكم الاختلاط بغير المحصور قال في الإحياء ولو اختلط في البلد حرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه بل يجوز الأخذ منه إلا أن يقترن به علامة على أنه من الحرام فصل يدخل في هذه القاعدة تفريق الصفقة وهي أن يجمع في عقدين حرام وحلال ويجري في أبواب وفيها غالبا قولان أو وجهان أصحهما الصحة في الحلال والثاني البطلان في الكل وادعى في المهمات أنه المذهب واختلف في علته فالصحيح أنها الجمع بين الحلال والحرام فغلب الحرام وقيل الجهالة بما يخص الملك من العوض ومن أمثلة ذلك في البيع أن يبيع خلا وخمرا أو شاة وخنزيرا أو عبدا وحرا أو عبده وعبد غيره أو مشتركا بغير إذن شريكه أو مال الزكاة قبل إخراجها أو الماء الجاري مع قراره أو غير الجاري وقلنا الماء لا يملك والأظهر الصحة في القدر المملوك بحصته من المسمى ومنها أن يهب ذلك كما صرح به في التتمة فيما إذا وهب عبدا فخرج بعضه مستحقا أن يرهنه أو يصدقه أو يخالع عليه وفي النكاح أن يجمع من لا تحل له الأمة بين حرة وأمة في عقد فالأظهر صحة النكاح في الحرة وكذا لو جمع في عقد بين مسلمة ووثنية أو أجنبية ومحرم أو خلية ومعتدة أو مزوجة وكذا لو جمع من تحل له الأمة بين أمة وأختين فإنه يبطل في الأختين وفي الأمة القولان وفي الهدنة إذا زادت على القدر الجائز بطلت في الزائد وفي الباقي القولان أظهرهما الصحة وفي المناضلة إذا كانت بين حزبين فظهر في أحدهما من لا يحسن الرمي بطل العقد فيه وسقط من الحزب الآخر مقابله وهل يبطل العقد في الباقي فيه القولان أصحهما لا وفي الضمان والإبراء لو قال ضمنت لك الدراهم التي على فلان أو أبرأتك من الدراهم التي عليك وهو لا يعلم قدرها فهل يصح في ثلاثة لأنها القدر المستيقن وجهان من تفريق الصفقة كذا في الروضة وأصلها في الصداق ومقتضاه الصحة وذكر المسئلة في باب الضمان وقالا وجهان كما لو أجر كل شهر بدرهم وهل يصح في الشهر الأول ومقتضاه تصحيح البطلان فإنه الأصح في مسئلة الإجارة ولو أهدى من له عادة بالإهداء للقاضي وزاد على المعتاد قبل الولاية ففي أصل الروضة صارت هديته كهدية من لم تعهد منه الهدية ومقتضاه تحريم الكل قال في المهمات والقياس تخصيص ذلك بما زاد وتخريج الباقي على تفريق الصفقة وحينئذ فتصير الهدية مشتركة على الصحيح فإن زاد في المعنى كأن أهدى الحرير بعد أن كان يهدي الكتان فهل يبطل في الجميع أو يصح فيها بقدر قيمة العادة فيه نظر والأوجه الأول انتهى وقال البلقيني المعتمد اختصاص التحريم بالزيادة فإن تميزت وإلا حرم الكل وفي إحياء الموات لو تحجر الشخص أكثر مما يقدر على إحيائه فقيل يبطل في الجميع لأنه لا يتميز ما يقدر عليه من غيره وقال المتولي يصح فيما يقدر عليه قال في الروضة وهو قوي وفي الوصية لو أوصى بثلثه لوارث وأجنبي بطلت في الوارث وفي الآخر وجهان أصحهما الصحة وألحق بعضهم بذلك ما إذا أوصى بأكثر من الثلث ولا وارث له فالمعروف فيه الجزم بالصحة في الثلث وفي الشهادات لو جمع في شهادته بين ما يجوز وما لا يجوز هل تبطل في الكل أو فيما لا يجوز خاصة ويقبل فيما يجوز فيه قولا تفريق الصفقة ومن أمثلته لو ادعى بألف فشهد له بألفين بطلت في الزائد وفي الألف المدعى بها قولا تفريق الصفقة أصحهما الصحة.
تنبيه: ذكروا لجريان الخلاف في تفريق الصفقة شروطا:
● الأول: أن لا يكون في العبادات فإن كانت فيها صح فيما يصح فيه قطعا فلو عجل زكاة سنتين صح لسنة قطعا ولو نوى حجتين انعقدت واحدة قطعا ولو نوى في النفل أربع ركعات بتسليمتين انعقدت بركعتين قطعا دون الأخيرتين لأنه لما سلم منهما خرج عن الصلاة فلا يصير شارعا في الأخيرتين إلا بنية وتكبيرة ذكره القاضي حسين في فتاويه ويستثنى صور.
● الأولى: لو نوى في رمضان صوم جميع الشهر بطل فيما عدا اليوم الأول وفيه وجهان أصحهما الصحة.
● الثانية: لو نوى التيمم لفرضين بطل في أحدهما وفي الآخر وجهان أصحهما الصحة وقد انعكست هذه المسئلة على الزركشي فقال في قواعده صح لواحد قطعا وفي الآخر خلاف وهو غلط.
● الثالثة: ادعى على الخارص الغلط بما يبعد لم يقبل فيما زاد على القدر المحتمل وفي المحتمل وجهان أصحهما القبول فيه.
● الرابعة: نوى قطع الوضوء في أثنائه بطل ما صادف النية قطعا وفي الماضي وجهان أصحهما لا قال في الخادم وهي من مسائل تفريق الصفقة في العبادات.
● الخامسة: مسح أعلى الخفين وهو ضعيف ووصل البلل إلى أسفل القوي وقصدهما لم يصح في الأعلى وفي الأسفل وجهان أصحهما الصحة.
● السادسة: صلى على موتى واعتقدهم أحد عشر فبانوا عشرة فوجهان في البحر أصحهما الصحة والثاني البطلان لأن النية قد بطلت في الحادي عشر لكونه معدوما فتبطل في الباقي.
● السابعة: صلى على حي وميت فالذي يظهر أن يكون فيه وجهان من تفريق الصفقة لكن في البحر إن جهل الحال صحت وإلا فلا كمن صلى الظهر قبل الزوال وفيما قاله نظر.
● الثامنة: ولم أر من تعرض لها إذا جاوز الغائط الأليتين أو البول الحشفة وتقطع فإن الماء يتعين في المجاوز قطعا وفي غيره وجهان أصحهما يجزي فيه الحجر ذكره في شرح المهذب وجزم به في الكفاية ونقله القاضي حسين عن النص والروياني عن الأصحاب والثاني يجب غسل الجميع حكاه في الحاوي.
● الشرط الثاني: أن لا يكون مبنيا على السراية والتغليب فإن كان كالطلاق والعتق بأن طلق زوجته وغيرها أو أعتق عبده وغيره أو طلقها أربعا نفذ فيما يملكه إجماعا.
● الشرط الثالث: أن يكون الذي يبطل فيه معينا بالشخص أو الجزئية ليخرج ما إذا اشترط الخيار أربعة أيام فإنه يبطل في الكل ولم يقل أحد بأنه يصح في الثلاثة وغلط البالسي في شرح التنبيه حيث خرجها على القولين وما إذا عقد على خمس نسوة أو أختين معا فإنه يبطل في الجميع ولم يقل أحد بالصحة في البعض لأنه ليست هذه بأولى من هذه وغلط صاحب الذخائر بتخريجها ولو جمع من تحل له الأمة لإعساره بين حرة وأمة في عقد فطريقان أظهرهما عند الإمام وابن القاص أنه على القولين وقال ابن الحداد وأبو زيد وآخرون يبطل قطعا لأنه جمع بين امرأتين يجوز إفراد كل منهما ولا يجوز الجمع فأشبه الأختين والأول فرق بأن الأختين ليس فيهما أقوى والحرة أقوى واستثنى من هذا الشرط مسئلتا المناضلة والتحجر السابقتان فإن الأصح فيهما الصحة تخريجا على القولين مع أنه لا يتعين الذي يبطل فيه.
● الشرط الرابع: إمكان التوزيع ليخرج ما لو باع مجهولا ومعلوما ومن ذلك ما لو باع أرضا مع بذر أو زرع لا يفرد بالبيع فإنه يبطل في الجميع على المذهب وقيل في الأرض القولان واستثنى من ذلك مسئلة بيع الماء مع قراره فإن الماء الجاري مجهول القدر.
● الشرط الخامس: أن لا يخالف الإذن ليخرج ما لو استعار شيئا ليرهنه على عشرة فرهنه بأكثر فالمذهب البطلان في الكل لمخالفة الإذن وقيل يخرج على تفريق الصفقة ولو استأجره لينسج له ثوبا طوله عشرة أذرع في عرض معين فنسج أحد عشر لم يستحق شيئا من الأجرة أو تسعة فإن كان طول السدي عشرة استحق من الأجرة بقدره لأنه لو أراد أن ينسج عشرة لتمكن منه وإن كان طوله تسعة لم يستحق شيئا حكاه الرافعي عن التتمة ولو أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين بطل في الكل على الصحيح وقيل بل في القدر الزائد وفي الباقي قولا تفريق الصفقة واختاره السبكي ونظير ذلك أن يشرط الواقف أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة مثلا فيزاد فأفتى الشيخ ولي الدين العراقي بالبطلان في الكل قياسا على مسئلة الرهن وأفتى قاضي القضاة جلال الدين البلقيني بالصحة في القدر الذي شرطه الواقف قال له الشيخ ولي الدين أنت تقول بقول الماوردي في الرهن قال لا قال فافرق قال حتى أعطي المسئلة كتفا قلت والمسئلة ذكرها الزركشي في قواعده وقال لم أر فيها نقلا والظاهر أنها على خلاف تفريق الصفقة حتى يصح في المشروط وحده وذكرها أيضا الغزي في أدب القضاء وقال لا نقل فيها والمتجه التخريج على تفريق الصفقة انتهى.
فائدة: قال الزركشي مخالفة الإذن على ثلاثة أقسام مخالفة إذن وصفي كمسئلة الإعارة للرهن ومخالفة إذن شرعي كمسئلة إجارة المرهون ومخالفة إذن شرطي كمسئلة إجارة الوقف المذكورة السادس أن لا يبني على الاحتياط فلو زاد في العرايا على القدر الجائز فالمذهب البطلان في الكل وفي المطلب عن الجويني تخريجه على القولين ولو أصدق الولي عن الطفل أو المجنون عينا من ماله أكثر من مهر المثل فالمجزوم به في الصداق في أصل الروضة فساد الصداق والذي في التنبيه أنه يبطل الزائد فقط ويصح في قدر مهر المثل من المسمى وأقره في التصحيح وصححه في أصل الروضة في نكاح السفيه ثم حكي عن ابن الصباغ أن القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل من المسمى وأن الفرق أنه على قوله يجب مهر المثل في الذمة وعلى الأول تستحق الزوجة مهر المثل من المسمى قال ابن الرفعة فهذا تناقض إذ لا فرق بين ولي الطفل وولي السفيه وقال السبكي في تصوير المسألة بين الأصحاب وابن الصباغ نظر فإن الولي إن لم يتعرض للمهر فالعقد إنما يكون على الذمة ولا يصح إلا بمهر المثل لا بمسمى غيره فلا يتحقق الخلاف وإن ذان في عين هي أكثر من مهر المثل فينبغي أن يبطل في الزائد وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة أو هو كبيعه بالإذن عينا من ماله قال ويمكن أن يصور بقوله انكح فلانة وأصدقها من هذا المال فأصدق منه أكثر من مهر مثلها لكن يأتي فيه الخلاف في إذنه في البيع قال وقد تصور بما إذا لم ينص على المهر وعقد على زائد من غير نقد البلد فعند ابن الصباغ يرجع إلى مهر المثل من نقد البلد وعند غيره يصح في قدر مهر المثل مما سمى انتهى السابع أن يورد على الجملة ليخرج ما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم فإنه لا يصح في سائر الشهود قطعا ولا في الشهر الأول على الأصح ولو قال ضمنت نفقة الزوجة فالضمان في الغد وما بعده فاسد وهل يصح في يوم الضمان وجهان أصحهما لا بناء على مسئلة الإجارة الثامن أن يكون المضموم إلى الجائز يقبل العقد في الجملة فلو قال زوجتك بنتي وابني أو وفرسي صح نكاح البنت على المذهب لأن المضموم لا يقبل النكاح فلغا وقيل بطرد القولين تنبيه كما تفرق الصفقة في المثمن تفرق في الثمن ومثاله ما قالوه في الشفعة لو خرج بعض المسمى مستحقا بطل البيع في ذلك القدر وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة في الابتداء فصل ويدخل فيه هذه القاعدة أيضا قاعدة إذا اجتمع في العبادة جانب الحضر وجانب السفر غلب جانب الحضر لأنه اجتمع المبيح والمحرم فغلب المحرم فلو مسح حضرا ثم سافر أو عكس أتم مسح مقيم ولو مسح إحدى الخفين حضرا والأخرى سفرا فكذلك على الأصح عند النووي طردا للقاعدة ولو أحرم قاصرا فبلغت سفينته دار إقامته أتم ولو شرع في الصلاة في دار الإقامة فسافرت سفينته فليس له القصر واستشكل تصويره لأن القصر شرطه النية في الإحرام ولا يصح بنيته في الإقامة فامتناع القصر إذا سافر أثناءها لفقد نيته لا لتغليب حكم الحضر وأجيب بأنا نعلل وجوب الإتمام بعلتين إحداهما اجتماع حكم الحضر والسفر والأخرى فقد نية القصر ولو قضى فائتة سفر في الحضر أو عكسه امتنع القصر ولو أصبح صائما في الإقامة فسافر أثناء النهار أو في السفر فأقام أثناءه حرم الفطر على الصحيح ولو ابتدأ النافلة على الأرض ثم أراد السفر فأراد ترك الاستقبال لم يجز له بلا خلاف قاله في شرح المهذب ولو أقام بين الصلاتين بطل الجمع أو قبل فراغهما في جمع التأخير صارت الأولى قضاء ولو شرع المسافر في الصلاة بالتيمم فرأى الماء لم تبطل فإن نوى الإقامة بعده بطلت على الصحيح ولو نوى الإقامة ولم ير ماء أتمها وهل تجب الإعادة وجهان أحدهما نعم لأنه صار مقيما والمقيم تلزمه الإعادة والثاني لا وبه قطع الروياني واختاره ابن الصباغ قال البغوي ولو اتصلت السفينة التي يصلى فيها بدار الإقامة في أثناء صلاته بالتيمم لم تبطل ولم تجب الإعادة في الأصح كما لو وجد الماء نقل ذلك في شرح المهذب وأقره فعلى ما ذكره الروياني والبغوي يستثنى ذلك من القاعدة فرع ولدته ولم أره منقولا لو أحرم بالجمعة في سفينة بدار الإقامة على الشط بأن اتصلت الصفوف إليه فصلى مع الإمام ركعة ثم نوى المفارقة جاز وصح إتمامه الجمعة فلو سارت السفينة والحالة هذه وفارقت عمران البلد فيحتمل أن يتم الجمعة لأنه أدركها بإدراك ركعة مع الإمام والوقت باق ويحتمل أن تنقلب ظهرا لأن الجمعة شرطها دار الإقامة فلما فارقها أشبه ما لو خرج الوقت في أثنائها ويحتمل أن تبطل الصلاة بالكلية لأنه طرأ مانع من إتمامها جمعة والوقت باق وفرضه الجمعة وهو عاص بمفارقته بلد الجمعة قبل انقضائها ومتمكن من العود إليها لإدراكها ومن فرضه الجمعة لا يصح منه الظهر قبل اليأس منها وهذا الاحتمال أوجه عندي ولم أر المسئلة مسطورة.
فصل: ويدخل في هذه القاعدة أيضا قاعدة إذا تعارض المانع والمقتضي قدم المانع ومن فروعها لو استشهد الجنب فالأصح أنه لا يغسل ولو ضاق الوقت أو الماء عن سنن الطهارة حرم فعلها ولو ارتد الزوجان معا تشطر الصداق في الأصح كما لو ارتد وحده ولو جرحه جرحين عمدا وخطأ أو مضمونا وهدرا ومات بهما لا قصاص ولو كان ابن الجاني ابن ابن عم لم يعقل وفي قول نعم كما يلي النكاح في هذه الصورة وأجاب الأول بأن البنوة في العقل مانعة فلا يعمل معها المقتضي وفي ولاية النكاح ليست بمانعة بل غير مقتضية فإذا وجد مقتض عمل ونظير ذلك ما ذكره ابن المسلم في استحقاق الخنثى السلب إن قلنا المرأة لا تستحقه قال يحتمل وجهين منشؤهما التردد في أن الذكورة مقتضية أم الأنوثة مانعة قال والأظهر الاستحقاق ولو تغير فم الصائم بسبب غير الصوم كأن قام بعد الزوال فهل يكره له السواك قال الزركشي قياس هذه القاعدة الكرهة وصرح المحب الطبري بأنه لا يكره وخرج عن هذه القاعدة صور منها اختلاط موتى المسلمين بالكفار أو الشهداء بغيرهم يوجب غسل الجميع والصلاة وإن كان الصلاة على الكفار والشهداء حراما واحتج له البيهقي بأن النبي مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين فسلم عليهم ومنها يحرم على المرأة ستر جزء من وجهها في الإحرام ويجب ستر جزء منه مع الرأس للصلاة فتجب مراعاة الصلاة ومنها الهجرة على المرأة من بلاد الكفر واجبة وإن كان سفرها وحدها حراما خاتمة لهم قاعدة عكس هذه القاعدة وهي الحرام لا يحرم الحلال وهو لفظ حديث أخرجه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر مرفوعا، قال ابن السبكي وقد عورض به حديث إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام وليس بمعارض لأن المحكوم به ثم إعطاء الحلال حكم الحرام تغليبا واحتياطا لا صيرورته في نفسه حراما ومن فروع ذلك ما تقدم في خلط الدرهم الحرام بالمباح وخلط الحمام المملوك بالمباح غير المحصور وكذا المحرم بالأجانب وغير ذلك ومنها لو ملك أختين فوطئ واحدة حرمت عليه الأخرى فلو وطئ الثانية لم تحرم عليه الأولى لأن الحرام لا يحرم الحلال وفي وجه إذا أحبل الثانية حلت وحرمت الأولى قال في الروضة وهو غريب.
● [ القاعدة الثالثة ] ●
الإيثار في القرب مكروه وفي غيرها محبوب
قال تعالى ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) قال الشيخ عز الدين لا إيثار في القربات فلا إيثار بماء الطهارة ولا بستر العورة ولا بالصف الأول لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال فمن آثر به فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه وقال الإمام لو دخل الوقت ومعه ماء يتوضأ به فوهبه لغيره ليتوضأ به لم يجز لا أعرف فيه خلافا لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات وقال في شرح المهذب في باب الجمعة لا يقام أحد من مجلسه ليجلس في موضعه فإن قام باختياره لم يكره فإن انتقل إلى أبعد من الإمام كره قال أصحابنا لأنه آثر بالقربة وقال الشيخ أبو محمد في الفروق من دخل عليه وقت الصلاة ومعه ما يكفيه لطهارته وهناك من يحتاجه للطهارة لم يجز له الإيثار ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته كان له ذلك وإن خاف فوات مهجته والفرق أن الحق في الطهارة لله فلا يسوغ فيه الإيثار والحق في حال المخمصة لنفسه وقد علم أن المهجتين على شرف التلف إلا واحدة تستدرك بذلك الطعام فحسن إيثار غيره على نفسه قال ويقوي هذا الفرق مسئلة المدافعة وهي أن الرجل إذا قصد قتله ظلما وهو قادر على الدفع غير أنه يعلم أن الدفع ربما يقتل القاصد فله الاستسلام وقال الخطيب في الجامع كره قوم إيثار الطالب غيره بنوبته في القراءة لأن قراءة العلم والمسارعة إليه قربة والإيثار بالقرب مكروه انتهى وقد جزم بذلك النووي في شرح المهذب وقال في شرح مسلم الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى وإنما يستحب في حظوظ النفس وأمور الدنيا قال الزركشي وكلام الإمام ووالده السابق يقتضي أن الإيثار بالقرب حرام فحصل ثلاثة أوجه قلت ليس كذلك بل الإيثار إن أدى إلى ترك واجب فهو حرام كالماء وساتر العورة والمكان في جماعة لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد ولا تنتهي التوبة لآخرهم إلا بعد الوقت وأشباه ذلك وإن أدى إلى ترك سنة أو ارتكاب مكروه فمكروه أو لارتكاب خلاف الأولى مما ليس فيه نهي مخصوص فخلاف الأولى وبهذا يرتفع الخلاف تنبيه من المشكل على هذه القاعدة من جاء ولم يجد في الصف فرجة فإنه يجر شخصا بعد الإحرام ويندب للمجرور أن يساعده فهذا يفوت على نفسه قربة وهو أجر الصف الأول.
● [ القاعدة الرابعة ] ●
التابع تابع
يدخل في هذه العبارة قواعد:
الأولى: أنه لا يفرد بالحكم
لأنه إنما جعل تبعا ومن فروعه لو أحيى شيئا له حريم ملك الحريم في الأصح تبعا فلو باع الحريم دون الملك لم يصح.
ومنها الحمل يدخل في بيع الأم تبعا لها فلا يفرد بالبيع ومنها الدود المتولد في الطعام يجوز أكله معه تبعا لا منفردا في الأصح.
ومنها لو نقض السوقة العهد ولم يعلم الرئيس والأشراف ففي انتقاض العهد في حق السوقة وجهان أحدهما المنع كما لا اعتبار بعهدهم حكاه الرافعي عن ابن كج.
ومنها قولهم صفات الحقوق لا تفرد بالإسقاط لأنها تابعة فلو أسقط من عليه الدين المؤجل الأجل لم يسقط ولا يتمكن المستحق من مطالبته في الحال في الأصح لأنه صفة تابعة والصفة لا تفرد بالإسقاط وكذا لو أسقط الجودة أو الصحة لا تسقط جزم به الرافعي ولو أسقط الرهن أو الكفيل سقط في الأصح وقال الجويني لا كالأجل وفرق غيره بأن شرط القاعدة أن لا يكون الوصف مما يفرد بالعقد كالرهن والكفيل بخلاف الأجل فإنه وصف لازم لا يمكن إنشاؤه بعقد مستقل.
الثانية: التابع يسقط بسقوط المتبوع
ومن فروعه من فاتته صلاة في أيام الجنون لا يستحب قضاء رواتبها لأن الفرض سقط فكذا تابعه ومنها من فاته الحج فتحلل بالطواف والسعي والحلق لا يتحلل بالرمي والمبيت لأنها من توابع الوقوف وقد سقط فيسقط التابع ومنها إذا بطل أمان رجال أو أشراف ففي وجه يبطل الأمان في الصبيان والنساء والسوقة لأنهم إنما دخلوا في الأمان تبعا ولكن الأصح خلافه ومنها لو مات الفارس سقط سهم الفرس لأنه تابع فإذا فات الأصل سقط ولو مات الفرس استحق الفارس سهم الفرس لأنه متبوع ومنها لو مات الغازي ففي قول لا يصرف لأولاده وزوجته من الديوان لأن تبعيتهم زالت بموته والأصح خلافه ترغيبا في الجهاد ومنها لو امتنع غسل الوجه في الوضوء لعلة به وما جاوره صحيح لم يستحب غسله للغرة كما صرح به الإمام ونقله في المطلب وأقره لأنه تابع لغسل الوجه فسقط لسقوطه لكن جزموا بأنه لو قطع من فوق الذراع ندب غسل باقي عضده محافظة على التحجيل قال الجويني وإنما لم يسقط التابع في هذه الصورة لسقوط المتبوع كمن فاتتها صلاة زمن الحيض والجنون فإنها لا تقضي رواتبها كما لا يقضى الفرض لأن سقوط القضاء فيما ذكر رخصة مع إمكانه فإذا سقط الأصل مع إمكانه فالتابع أولى وسقوط الأصل هنا لتعذره والتعذر مختص بالذراع فبقي العضد على ما كان من الاستحباب وصار كالمحرم الذي لا شعر على رأسه يندب إمرار الموسى عليه كذا فرق الجويني وجزم به الشيخان وفرق ابن الرفعة بأن السنة شهدت بأن تلك النوافل مكملة لنقص الفرائض فإذا لم يكن فريضة فلا تكملة وليس تطويل التحجيل مأمورا به لتكملة غسل اليدين والرجلين لأنه كامل بالمشاهدة فتعين أن يكون مطلوبا لنفسه وفي هذا الفرق منع كونه تابعا وإليه مال الأسنوي وفرق بين مسئلة اليد والوجه بأن فرض الراس المسح وهو باق عند تعذر غسل الوجه واستحباب مسح العنق والأذنين باق بحاله فإذا لم يستحب غسل ذلك لم يخل المحل المطلوب عن الطهارة ولا كذلك في مسئلة اليد تنبيه يقرب من ذلك قولهم الفرع يسقط إذا سقط الأصل ومن فروعه إذا برئ الأصيل برئ الضامن لأنه فرعه فإذا سقط الأصيل سقط بخلاف العكس وقد يثبت الفرع وإن لم يثبت الأصل ولذلك صور منها لو قال شخص لزيد على عمرو ألف وأنا ضامن به فأنكر عمرو ففي مطالبة الضامن وجهان أصحهما نعم ومنها ادعى الزوج الخلع وأنكرت ثبتت البينونة وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل ومنها قال بعت عبدي من زيد وأعتقه زيد فأنكر زيد أو قال بعته من نفسه فأنكر العبد عتق فيهما ولم يثبت العوض ومنها قال أحد الابنين فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر ففي حلها للمقر وجهان والمجزوم به في النهاية التحريم وهو المعمول به فقد ثبت الفرع دون الأصل ومنها قال لزوجته أنت أختي من النسب وهي معروفة النسب من غير أبيه ففي تحريمها عليه وجهان أو مجهولة النسب وكذبته انفسخ نكاحها في الأصح ومنها ادعت زوجية رجل فأنكر ففي تحريم النكاح عليها وجهان ومنها ادعت الإصابة قبل الطلاق وأنكر ففي وجوب العدة عليها وجهان الأصح نعم.
الثالثة: التابع لا يتقدم على المتبوع
ومن فروعه المزارعة على البياض بين النخل والعنب جائزة تبعا لها بشروط:
منها أن يتقدم لفظ المساقاة فلو قدم لفظ المزارعة فقال زارعتك على البياض وساقيتك على النخل على كذا لم يصح لأن التابع لا يتقدم على المتبوع ومنها لو باع بشرط الرهن فقدم لفظ الرهن على البيع لم يصح.
ومنها لا يصح تقدم المأموم على إمامه في الموقف ولا في تكبيرة الإحرام والسلام ولا في سائر الأفعال في وجه.
ومنها لو كان بينه وبين الإمام شخص يحصل به الإتصال ولولا هو لم تصح قدوته لم يصح أن يحرم قبله لأنه تابع له كما أنه تابع لإمامه ذكره القاضي حسين.
ومنها ذكر القاضي أيضا أنه لو حضر الجمعة من لا تنعقد به كالمسافر والعبد والمرأة لم يصح إحرامهم بها إلا بعد إحرام اربعين من أهل الكمال لأنهم تبع لهم كما في أهل الكمال مع الإمام.
الرابعة: يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها
وقريب منها يغتفر في الشئ ضمنا ما لا يغتفر فيه قصدا وربما يقال يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل وقد يقال أوائل العقود تؤكد بما لا يؤكد به أواخرها والعبارة الأولى أحسن وأعم ومن فروعها سجود التلاوة في الصلاة يجوز على الراحلة قطعا تبعا وجرى فيه خارجها خلاف لإستقلاله ومنها المستعمل في الوضوء لا يستعمل في الجنابة اتفاقا ويستتبع غسل الجنابة الوضوء على الأصح ويندرج فيه الترتيب والمسح ومنها المستعمل في الحدث لا يستعمل في الخبث وعكسه على الأصح ولو كان على محل نجاسة فغسله عنها وعن الحدث طهرا في الأصح.
ومنها لا يثبت شوال إلا بشهادة إثنين قطعا ولو صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما ولم يرو الهلال أفطروا في الأصح لحصوله ضمنا وتبعا.
ومنها لا يثبت النسب بشهادة النساء فلو شهدن بالولادة على الفراش ثبت النسب تبعا ومنها البيع الضمني يغتفر فيه ترك الإيجاب والقبول ولا يغتفر ذلك في البيع المستقل.
ومنها الصور التي يصح فيها ملك الكافر المسلم لكونه تبعا له ولا يصح استقلالا وستأتي في الكتاب الخامس ومنها لا يصح بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع فان باعه مع الأرض جاز تبعا ومنها لا يجوز تعليق الإبراء ولو علق عتق المكاتب جاز وإن كان متضمنا للإبراء ومنها لا يجوز تعليق الإختيار وله تعليق طلاق أربع منهن مثلا فيقع الإختيار معلقا ضمنا فان الطلاق اختيار للمطلقة ومنها الوقف على نفسه لا يصح ولو وقف على الفقراء ثم صار منهم استحق في الأصح تبعا.
● [ تمت القاعدة الرابعة ] ●
الأشباه والنظائر
تأليف : السيوطي
منتديات الرسالة الخاتمة . البوابة