منتدى قوت القلوب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان

    avatar
    فريق العمل
    Admin


    المساهمات : 2671
    تاريخ التسجيل : 22/12/2013

    من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان Empty من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان

    مُساهمة من طرف فريق العمل السبت 17 مايو 2014 - 10:17

    من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان Batota11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    رحلة إبن بطوطة
    الجزء الثانى
    من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان
    من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان 1410
    ● [ ذكر سلطان مالي ] ●

    وهو السلطان منسى سليمان، ومنسى " بفتح الميم وسكون النون وفتح السين المهمل " معناه السلطان، وسليمان اسمه وهو ملك بخيل لا يرجى منه كبير عطاء، واتفق أني أقمت هذه المدة ولم أره بسبب مرضي، ثم إنه صنع له طعاماً برسم عزاء مولانا أبي الحسن رضي الله عنه، واستدعى الأمراء والفقهاء والقاضي والخطيب، وحضرت معهم فأتوا بالربعات وختم القرآن، ودعوا لمولانا أبي الحسن رحمه الله، ودعوا المنسى سليمان، ولما فرغ من ذلك، تقدمت فسلمت على منسى سليمان، وأعلمه القاضي والخطيب وابن الفقيه بحالي، فأجابهم بلسانهم فقالوا لي: يقول لك السلطان: اشكر الله فقلت: الحمد لله، والشكر على كل حال.
    ● [ ذكر ضيافتهم التافهة وتعظيمهم لها ] ●

    ولما انصرفت بعث إلي الضيافة فوجهت إلى دار القاضي، وبعث القاضي بها مع رجاله إلى دار ابن الفقيه. فخرج ابن الفقيه من داره مسرعاً، حافي القدمين، فدخل علي وقال: قم، قد جاءك قماش السلطان وهديته. فقمت، وظننت أنها الخلع والأموال فإذا هي ثلاثة أقراص من الخبز وقطعة لحم بقري مقلو بالغرتي وقرعة فيها لبن رائب، فعندما رأيتها ضحكت، وطال تعجبي من ضعف عقولهم، وتعظيمهم لهذا الشيء الحقير.
    ● [ ذكر كلامي للسلطان بعد ذلك ] ●
    وإحسانه إلي

    وأقمت بعد بعث هذه الضيافة شهرين، لم يصل إلي فيهما شيء من قبل السلطان. ودخل شهر رمضان، وكنت خلال ذلك أتردد إلى المشور، وأسلم عليه، وأقعد مع القاضي والخطيب، فتكلمت مع دوغا الترجمان، فقال: تكلم عنده، وأنا أعبر عنك بما يجب فجلس في أوائل رمضان، وقمت بين يديه، وقلت له إني سافرت بلاد الدنيا، ولقيت ملوكها، ولي ببلادك أربعة أشهر، ولم تضفني، ولا أعطيتني شيئاً. فماذا أقول عنك عند السلاطين ? فقال: إني لم أرك، ولا علمت بك فقام القاضي وابن الفقيه فردا عليه، وقالا: إنه قد سلم عليك، وبعثت إليه الطعام فأمر لي عند ذلك بدار أنزل بها، ونفقة تجري علي ثم فرق على القاضي والخطيب والفقهاء مالاً، ليلة سبع وعشرين من رمضان، يسمونه الزكاة وأعطاني معهم ثلاثة وثلاثين مثقالاً وثلثاً وأحسن إلي عند سفري بمائة مثقال ذهباً.
    ● [ ذكر جلوسه بقبته ] ●

    وله قبة مرتفعة بابها بداخل داره، يقعد فيها أكثر الأوقات ولها من جهة المشور طبقات ثلاث من الخشب، مغطاة بصفائح الفضة، وتحتها ثلاث مغشاة بصفائح الذهب، أو هي فضة مذهبة، وعليها ستور ملف فإذا كان يوم جلوسه بالقبة، رفعت الستور فعلم أنه يجلس. فإذا جلس أخرج من شباك إحدى الطاقات شرابة حرير، قد ربط فيها منديل مصري مرقوم، فإذا رأى الناس المنديل، ضربت الأطبال والأبواق، ثم يخرج من باب القصر نحو ثلاثمائة من العبيد، في أيدي بعضهم القسي، وفي أيدي بعضهم الرماح الصغار والدرق، فيقف أصحاب الرماح منهم ميمنة وميسرة، ويجلس أصحاب القسي كذلك ثم يؤتى بفرسين مسرجين ملجمين، ومعهما كبشان، يذكرون أنهما ينفعان من العين.
    وعند جلوسه يخرج ثلاثة من عبيده مسرعين، فيدعون نائبه قنجاه موسى وتأتي الفرارية " بفتح الفاء "، وهم الأمراء، ويأتي الخطيب والفقهاء، فيقعدون أمام السلحدارية يمنة ويسرة في المشور، ويقف دوغا الترجمان على باب المشور، وعليه الثياب الفاخرة من الزردخانة وغيرها، وعلى رأسه عمامة ذات حواشٍ، لهم في تعميمها صنعة بديعة، وهو متقلد سيفاً غمده من الذهب، وفي رجليه الخف والمهاميز، ولا يلبس أحد ذلك اليوم خفاً غيره. ويكون في يده رمحان صغيران أحدهما من ذهب، والآخر من فضة، وأسنتهما من الحديد.
    ويجلس الأجناد والولاة والفتيان ومسوفة وغيرهم خارج المشور، في شارع هنالك متسع، فيه أشجار وكل فراري بين يديه أصحابه بالرماح والقسي والأطبال والأبواق، بوقاتهم من أنياب الفيلة، وآلات الطرب المصنوعة من القصب والقرع وتضرب بالسطاعة، ولها صوت عجيب وكل فراري له كنانة قد علقها بين كتفيه، وقوسه بيده، وهو راكب فرسه، وأصحابه بين مشاة وركبان ويكون بداخل المشور تحت الطيقان رجل واقف، فمن أراد أن يكلم السلطان كلم دوغا، ويكلم دوغا لذلك الواقف، ويكلم الواقف السلطان.
    ● [ ذكر جلوسه بالمشور ] ●

    ويجلس أيضاً في بعض الأيام بالمشور، وهنالك مصطبة تحت شجرة لها ثلاث درجات، يسمونها البنبي " بفتح الباء المعقودة الأولى وكسر الثانية وسكون النون بينهما "، وتفرش بالحرير، ويجعل المخاد عليها، ويرفع الشطر، وهو شبه قبة من الحرير، وعليه طائر من ذهب على قدر البازي، ويخرج السلطان من باب في ركن القصر، وقوسه بيده، وكنانته بين كتفيه، وعلى رأسه شاشية ذهب، مشدودة بعصابة ذهب، لها أطراف مثل السكاكين رقاق، طولها أزيد من شبر، وأكثر لباسه جبة حمراء موبرة، من الثياب الرومية التي تسمى المطنفس، ويخرج بين يديه المغنون، بأيديهم قنابر الذهب والفضة، وخلفه نحو ثلاثمائة من العبيد أصحاب السلاح. ويمشي مشياً رويداً، ويكثر التأني وربما وقف، فإذا وصل إلى البنبي وقف ينظر في الناس، ثم يصعد برفق، كما يصعد الخطيب المنبر وعند جلوسه تضرب الطبول والأبواق والأنفار، ويخرج ثلاثة من العبيد مسرعين، فيدعون النائب والفرارية، فيدخلون ويجلسون ويؤتى بالفرسين والكبشين معهما، ويقف دوغا على الباب، وسائر الناس في الشارع تحت الأشجار.
    ● [ ذكر تذلل السودان لملكهم ] ●
    وتتريبهم له وغير ذلك من أحوالهم

    والسودان أعظم الناس تواضعاً لملكهم، وأشدهم تذللاً له ويحلفون باسمه فيقولون: منسى سليمان كي، فإذا دعا بأحدهم عند جلوسه بالقبة لتي ذكرناها، نزع المدعو ثيابه، ولبس ثياباً خلقة، ونزع عمامته، وجعل شاشسة وسخة، ودخل رافعاً ثيابه وسراويله إلى نصف ساقه، وتقدم بذلة ومسكنة، وضرب الأرض بمرفقيه ضرباً شديداً، ووقف كالراكع يسمع كلامه.
    وإذا كلم أحدهم السلطان، فرد عليه جوابه، كشف ثيابه عن ظهره، ورمى بالتراب على رأسه وظهره، كما يفعل المغتسل بالماء، وكنت أعجب منهم، كيف لا تعمى أعينهم. وإذا تكلم السلطان في مجلسه بكلام، وضع الحاضرون عمائمهم عن رؤوسهم، وأنصتوا للكلام، وربما قام أحدهم بين يديه، فيذكر أفعاله في خدمته، ويقول: فعلت كذا يوم كذا، وقتلت كذا يوم كذا، فيصدقه من علم ذلك وتصديقهم أن ينزع أحدهم وتر قوسهم، ثم يرسلها، كما يفعل إذا رمى، فإذا قال له السلطان: صدقت، أو شكره، نزع ثيابه وترب وتربع، وذلك عندهم من الأدب. قال ابن جزي، وأخبرني الصاحب العلامة الفقيه أبو القاسم بن رضوان أعزه الله أنه لما قدم الحاج موسى الونجراتي رسولاً من منسى سليمان إلى مولانا أبي الحسن رضي الله عنه، كان إذا دخل المجلس الكريم، حمل بعض ناسه معه قفة تراب فيترب لهما قال له مولاناً كلاماً حسناً، كما يفعل ببلاده.
    ● [ ذكر فعله في صلاة العيد وأيامه ] ●

    وحضرت بمالي عيدي الأضحى والفطر فخرج الناس إلى المصلى، وهو بمقربة من قصر السلطان، وعليهم الثياب البيض الحسان، وركب السلطان، وعلى رأسه الطيلسان والسودان لا يلبسون الطيلسان إلا في العيد، ما عدا القاضي والخطيب والفقهاء، فإنهم يلبسونه في سائر الأيام وكانوا يوم العيد بين يدي السلطان، وهم يهللون ويكبرون، وبين يديه العلامات الحمر من الحرير، ونصب عند المصلى خباء فدخل السلطان إليه وأصلح من شأنه ثم خرج إلى المصلى، فقضيت الصلاة والخطبة، ثم نزل الخطيب، وقعد بين يدي السلطان، وتكلم بكلام كثير وهنالك رجل بيده رمح، يبين للناس بلسانهم كلام الخطيب، وذلك وعظ وتذكير وثناء على السلطان، وتحريض على لزوم طاعته، وأداء حقه. ويجلس السلطان في أيام الهيدين بعد العصر على البنبي ويأتي السلحدارية بالسلاح العجيب من تراكش الذهب والفضة والسيوف المحلاة بالذهب وأغمادها منه ورماح الذهب والفضة ودبابيس البلور، ويقف على رأسه أربعة من الأمراء، يشردون الذباب، وفي أيديهم حلية من الفضة، تشبه ركاب السرج ويجلس الفرارية والقاضي والخطيب على العادة، ويأتي دوغا الترجمان بنسائه الأربع وجواريه، وهن نحو مائة عليهن الملابس الحسان، وعلى رؤوسهن عصائب الذهب والفضة، فيها مفاتيح ذهب وفضة، وينصب لدوغا كرسي يجلس عليه، ويضرب بالآلة التي هي من قصب، وتحتها قريعات ويغني بشعر يمدح السلطان فيه، ويذكر غزواته وأفعاله، ويغني النساء والجواري معه، ويلعبن بالقسي، ويكون معه نحو ثلاثين من غلمانه، عليهم جباب الملف والحمر، وفي رؤوسهم الشواشي البيض وكل واحد منهم متقلد طبله يضربه ثم يأتي أصحابه من الصبيان، فيلعبون ويتقلبون في الهواء كما يفعل السندي، ولهم في ذلك رشاقة وخفة بديعة، ويلعبون بالسيوف أجمل لعبٍ ويلعب دوغا بالسيف لعباً بديعاً. وعند ذلك يأمر السلطان له بالإحسان، فيأتي بصرة فيها مائتا مثقال من التبر، وينثر ما فيها على رؤوس الناس وتقوم الفرارية، فينزعون في قسيهم شكراً للسلطان وبالغد يعطى كل واحد منهم لدوغا عطاء على قدره وفي كل يوم جمعة بعد العصر، يفعل دوغا مثل هذا الترتيب الذي ذكرناه.
    ● [ ذكر الأضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان ] ●

    وإذا كان يوم عيد، وأتم دوغا لعبه، جاء الشعراء، ويسمون الجلا " بضم الجيم "، وأحدهم جالي، وقد دخل كل واحد منهم في جوف صورة مصنوعة من الريش تشبه الشقشاق، وجعل لها رأس من الخشب له منقار أحمر كأنه رأس الشقشاق، ويقفون بين يدي السلطان بتلك الهيئة المضحكة، فينشدون أشعارهم. وذكر لي أن شعرهم نوع من الوعظ، يقولون فيه للسلطان: إن هذا البنبي الذي عليه جلس فوقه من الملوك فلان، وكان من حسن أفعاله كذا، وفلان كان من أفعاله كذا، فافعل أنت من الخير ما يذكر بعدك. ثم يصعد كبير الشعراء على درج البنبي، ويضع رأسه في حجر السلطان، ثم يصعد إلى أعلى البنبي فيضع رأسه على كتف السلطان الأيمن، ثم على كتفه الأيسر، وهو يتكلم بلسانهم، ثم ينزل. وأخبرت أن هذا الفعل لم يزل قديماً عندهم قبل الإسلام، فاستمروا عليه.
    حكاية
    وحضرت مجلس السلطان في بعض الأيام، فأتى أحد فقهائهم، وكان قدم من بلاد بعيدة، وقام بين يدي السلطان، وتكلم كلاماً كثيراً فقام القاضي فصدقه، ثم صدقهما السلطان فوضع كل واحد منهم عمامته عن رأسه، وترب بين يديه وكان إلى جانبي رجل من البيضان، فقال: أتعرف ما قالوه ? فقلت: لا أعرف فقال: إن الفقيه قد أخبر أن الجراد وقع ببلادهم، فخرج أحد صلحائهم إلى موضع الجراد، فهاله أمره، فقال: هذا جراد كثير. فأجابته جرادة منها، وقالت إن البلاد التي يكثر فيها الظلم، يبعثنا الله لفساد زرعها. فصدقه القاضي والسلطان، وقال عند ذلك للأمراء: إني برئ من الظلم، ومن ظلم منكم عاقبته، ومن علم بظالم ولم يعلمني له، فذنوب ذلك الظالم في عنقه، والله حسيبه وسائله. ولما قال هذا الكلام، وضع الفرارية عمائمهم عن رؤوسهم، وتبرأوا من الظلم.
    حكاية
    وحضرت الجمعة يوماً فقام أحد التجار من طلبة مسوفة، ويسمى بأبي حفص، فقال: يا أهل المسجد، أشهدكم أن منسى سليمان في دعوتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال ذلك، خرج إليه جماعة رجال من مقصورة السلطان فقالوا له: من ظلمك ? من أخذ لك شيئاً ? فقال: منشاجو أيوالاتن، يعني مشرفها أخذ مني ما قيمته ستمائة مثقال، وأراد أن يعطيني في مقابلته مائة مثقال خاصة فبعث السلطان إليه عنه للحين فحضر بعد أيام، وصرفها للقاضي، فثبت للتاجر حقه فأخذه، وبعد ذلك عزل المشرف عن عمله.
    حكاية واتفق في يوم إقامتي بمالي أن السلطان غضب على زوجته الكبرى بنت عمه المدعوة بقاسا، ومعنى قاسا عندهم الملكة وهي شريكته في الملك على عادة السودان، ويذكر اسمها مع اسمه على المنبر، وسجنها عند بعض الفرارية، وولى في مكانها زوجته الأخرى بنجو، ولم تكن من بنات الملوك فأكثر الناس الكلام في ذلك، وأنكروا فعله، ودخل بنات عمه على بنجو يهنئنها بالمملكة، فجعلن الرماد على أذرعهن، ولم يتربن رؤوسهن ثم إن السلطان سرح قاسا من ثقافها فدخل عليها بنات عمه يهنئنها بالسراح، وتربن على العادة فشكت بنجو إلى السلطان بذلك. فغضب على بنات عمه فخفن منه، واستجرن بالجامع فعفا عنهن، واستدعاهن، وعادتهن إذا دخلن على السلطان، أن يتجردن عن ثيابهن، ويدخلن عرايا، ففعلن ذلك ورضي عنهن، وصرن يأتين باب السلطان غدواً وعشياً مدة سبعة أيام وكذلك يفعل كل من عفا عنه السلطان. وصارت قاسا تركب كل يوم في جواريها وعبيدها، وعلى رؤوسهم التراب، وتقف عند المشور متنقبة لا يرى وجهها وأكثر الأمراء الكلام في شأنها، فجمعهم السلطان في المشور وقال لهم دوغا على لسانه: إنكم قد أكثرتم الكلام في أمر قاسا، وأنها أذنبت ذنباً كبيراً.
    ثم أتي بجارية من جواريها مقيدة مغلولة، فقيل لها: تكلمي بما عندك. فأخبرت أن قاسا بعثتها إلى جاطل ابن عم السلطان الهارب عنه إلى كنبرني، واستدعته ليخلع السلطان عن ملكه، وقالت له: أنا وجميع العساكر طوع أمرك، فلما سمع الأمراء ذلك قالوا: إن هذا ذنب كبير، وهي تستحق القتل عليه. فخافت قاسا من ذلك واستجارت بدار الخطيب وعادتهم أن يستجيروا هنالك بالمسجد، وإن لم يتمكن فبدار الخطيب وكان السودان يكرهون منسى سليمان لبخله، وكان قبله منسى مغا، وقبل منسى مغا منسى موسى، وكان كريماً فاضلاً يحب البيضان ويحسن إليهم، وهو الذي أعطى لأبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلاف مثقال، وأخبرني بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقوص ثلاثة آلاف مثقال في يوم واحد وكان جده سارق جاطه أسلم على يدي جد مدرك هذا.
    حكاية
    وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلاً من أهل تلمسان، يعرف بابن شيخ اللبن، كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث، وهو يومئذ صبي غير معتبر، ثم اتفق أن جاء إليه في خصومة، وهو سلطان، فعرفه، وأدناه منه، حتى جلس معه على البنبي، ثم قرره على فعله معه، وقال للأمراء: ما جزاء من فعل ما فعله من الخير ? فقالوا له الحسنة بعشر أمثالها، فأعطه سبعين مثقالاً، فأعطاه عند ذلك سبعمائة مثقال وكسوة وعبيداً وخدماً، وأمره أن لا ينقطع عنه، وأخبرني بهذه الحكاية أيضاً ولد ابن شيخ اللبن المذكور، وهو من الطلبة يعلم القرآن بمالي.
    ● [ ذكر ما استحسنته من أفعال السودان ] ●
    وما استقبحته منها

    فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم فهم أبعد الناس عنه، وسلطانهم لا يسامح أحداً في شيء منه. ومنها شمول الأمن في بلادهم، فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاصب. ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان، ولو كان القناطير المقنطرة، إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان، حتى يأخذه مستحقه، ومنها مواظبتهم للصلوات، والتزامهم لها في الجماعات، وضربهم أولادهم عليها، وإذا كان يوم الجمعة، ولم يبكر الإنسان إلى المسجد، لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام. ومن عادتهم أن يبعث كل إنسان غلامه بسجادته، فيبسطها له بموضع يستحقه بها، حتى يذهب إلى المسجد، وسجاداتهم من سعف شجر يشبه النخل، ولا ثمر له، ومنها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة، ولو لم يكن لأحدهم إلا قميص خلق غسله ونظفه وشهد به الجمعة، ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم، وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه، فلا تفك عنهم حتى يحفظوه.
    ولقد دخلت على القاضي يوم العيد، وأولاده مقيدون، فقلت له: ألا تسرحهم ? فقال: لا أفعل حتى يحفظوا القرآن، ومررت يوماً بشاب منهم حسن الصورة، عليه ثياب فاخرة، وفي رجله قيد ثقيل. فقلت لمن كان معي، ما فعل هذا ? أقتل ? ففهم عن الشاب وضحك وقيل لي: إنما قيد حتى يحفظ القرآن. ومن مساوئ أفعالهم كون الخدم والجواري والبنات الصغار يظهرن للناس عرايا باديات العورات. ولقد كنت أرى في رمضان كثيراً منهن على تلك الصورة. فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار السلطان، ويأتي كل واحد منهم بطعامه، تحمله العشرون فما فوقهن من جواريه، وهن عرايا. ومنها دخول النساء على السلطان عرايا غير مستترات، وتعري بناته، ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من قصره عرايا، ومعهن بنتان له ناهدان ليس عليهما ستر، ومنها جعلهم التراب والرماد على رؤوسهم تأدباً ومنها ما ذكرته من الأضحوكة في إنشاد الشعراء، ومنها أن كثيراً منهم يأكلون الجيف والكلاب والحمير.

    من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان Fasel10

    رحلة إبن بطوطة
    الجزء الثانى
    منتدى توتة وحدوتة - البوابة
    من ذكر سلطان مالي الى ذكر أفعال أهل السودان E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 10 نوفمبر 2024 - 22:34