الحديث الخمسون وهو ختام الكتاب
فريق العمل- Admin
- المساهمات : 2671
تاريخ التسجيل : 22/12/2013
- مساهمة رقم 1
الحديث الخمسون وهو ختام الكتاب
عَنْ عبدِ الله بن بُسْرٍ قال : أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجلٌ ، فقالَ : يا رَسولَ اللهِ إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كَثُرَتْ علينا ، فبَابٌ نَتَمسَّكُ به جامعٌ ؟ قال : ( لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكر الله - عز وجل - ).
الشرح
فريق العمل- Admin
- المساهمات : 2671
تاريخ التسجيل : 22/12/2013
- مساهمة رقم 2
ختام الكتاب
● [ فصل ] ●
في وظائف الذكر الموظفة في اليوم والليلةمعلومٌ أنَّ الله - عز وجل - فرض على المسلمين أنْ يذكروهُ كلَّ يوم وليلة خمس مرَّات ، بإقامة الصلوات الخمس(4) في مواقيتها الموقتة ، وشَرَعَ لهم مع هذه الفرائض الخمس أنْ يذكروه ذكراً يكونُ لهم نافلةً ، والنافلةُ : الزِّيادة ، فيكونُ ذلك زيادةً على الصلوات الخمس ، وهو نوعان :
أحدهما : ما هو من جِنس الصلاة ، فشرع لهم أنْ يُصلُّوا مع الصَّلوات الخمس قبلها ، أو بعدها أو قبلها وبعدها سنناً ، فتكون زيادةً على الفريضة ، فإنْ كان في الفريضة نقصٌ ، جَبَر نقصها بهذه النوافل ، وإلاَّ كانت النَّوافلُ زيادةً على الفرائض .
(4) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأطولُ ما يتخلل بين مواقيت الصلاة مما ليس فيه صلاة مفروضة ما بَينَ صلاة العشاء وصلاة الفجر ، وما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر ، فشرع كلِّ واحدة من هاتين الصَّلاتين صلاة تكون نافلةً ؛ لئلاَّ يطولَ وقتُ الغفلة عن الذِّكر ، فشرع ما بَين صلاةِ العشاء ، وصلاة الفجر صلاةَ الوتر وقيامَ الليل ، وشرع ما بين صلاة الفجرِ ، وصلاة الظهر صلاة الضحى .
وبعضُ هذه الصلوات آكدُ من بعض ، فآكدُها الوتر ، ولذلك اختلفَ العلماءُ في وجوبه ، ثمَّ قيامُ الليل ، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُداومُ عليه حضراً وسفراً ، ثمّ صلاة الضحى ، وقد اختلف الناسُ فيها ، وفي استحباب المدوامة عليها ، وفي الترغيب فيها أحاديث صحيحة (1) ، وورد التَّرغيبُ أيضاً في الصَّلاة عقيبَ زوالِ الشَّمس .
وأما الذكرُ باللسان ، فمشروعٌ في جميع الأوقات ، ويتأكَّدُ في بعضها .
فممَّا يتأكَّد فيه الذكرُ عقيبَ الصَّلوات المفروضات ، وأنْ يُذكر الله عقيبَ كلِّ صلاة منها مئة مرة ما بين تسبيحٍ وتحميدٍ وتكبيرٍ وتهليلٍ .
__________
(1) حديث عائشة عند مسلم 2/157 ( 719 ) ( 78 ) و( 79 ) ، وحديث أم هانيء عند البخاري 2/57 ( 1103 ) و73 ( 1176 ) و5/189 ( 4292 ) ، وعند مسلم 2/157
( 336 ) ( 80 ) و( 81 ) ، وعند الترمذي ( 474 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●ويُستحبُّ - أيضاً - الذِّكرُ بعدَ الصّلاتين اللتين لا تَطوُّعَ بعدهما ، وهما : الفَجرُ والعصرُ ، فيُشرع الذكرُ بعد صلاة الفجر إلى أنْ تطلُع الشَّمسُ ، وبعدَ العصر حتى تغرَب الشمس ، وهذان الوقتان - أعني : وقت الفجر ووقت العصر - هما أفضلُ أوقات النَّهار للذِّكر ، ولهذا أمر الله تعالى بذكره فيهما في مواضع من القرآن كقوله : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (1) ، وقوله : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (2) ، وقوله : { وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ } (3) ، وقوله : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } (4) ، وقوله : { فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } (5) ، وقوله : { وَاسْتَغْفرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ } (6) ، وقوله : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } (7) ، وقوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } (8) ، وقوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } (9) .
وأفضل ما فعل في هذين الوقتين من الذكر : صلاةُ الفجر وصلاةُ العصر ، وهما أفضلُ الصلوات . وقد قيل في كلٍّ منهما : إنَّها الصلاةُ الوسطى (10)
__________
(1) الأحزاب : 42 .
(2) الإنسان : 25 .
(3) آل عمران : 41 .
(4) مريم : 11 .
(5) الروم : 17 .
(6) غافر : 55 .
(7) الأعراف : 205 .
(8) طه : 130 .
(9) ق : 39 .
(10) من قال : إنها صلاة العصر دليله حديث علي بن أبي طالب عند مسلم 2/111 ( 627 ) ( 202 ) - ( 205 ) .
... وحديث عبد الله بن مسعود عنده أيضاً 2/112 ( 628 ) ( 206 ) .
ومن قال : إنها صلاة الفجر دليله حديث ابن عباس الذي أخرجه الطبري في " تفسيره " ( 4264 ) و( 4265 ) و( 4268 ) . وأخرج أيضاً حديث جابر (4270 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وهما البَردَانِ اللذان من حَافَظَ عليهما ، دخلَ الجنة (1) ، ويليهما من أوقات الذكر : الليلُ . ولهذا يُذكر بعد ذكر هذين الوقتين في القرآن تسبيحُ اللَّيلِ وصلاته .
والذكرُ المطلقُ يدخل فيه الصَّلاةُ ، وتلاوة القرآن ، وتعلُّمه ، وتعليمُه ، والعلمُ النافع ، كما يدخلُ فيه التَّسبيحُ والتَّكبير والتَّهليل ، ومِن أصحابنا من رجَّح التلاوة على التَّسبيح ونحوه بعد الفجر والعصر . وسُئلَ الأوزاعيُّ عن ذلك ، فقال : كان هديهُم ذكرَ الله ، فإنْ قرأ ، فحسن . وظاهر هذا أنَّ الذكر في هذا الوقت أفضلُ من التلاوة ، وكذا قال إسحاق في التَّسبيح عقيبَ المكتوبات مئة مرة : إنَّه أفضلُ من التلاوة حينئذٍ.
والأذكارُ والأدعيةُ المأثورةُ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّباح والمساء كثيرة جداً .
ويستحبُّ أيضاً إحياءُ ما بين العشاءين بالصلاة والذِّكر ، وقد تقدَّم حديثُ أنس (2) أنَّه نزل في ذلك قولُه تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } (3) .
ويستحبُّ تأخيرُ صلاة العشاء إلى ثُلث الليلِ ، كما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة (4)
__________
(1) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من صلى البردين دخل الجنة ) .
أخرجه : البخاري 1/150 ( 574 ) ، ومسلم 2/114 ( 635 ) ( 215 ) عن أبي موسى الأشعري .
(2) انظر : الحديث التاسع والعشرين وهو عند الطبري في " تفسيره " ( 21505 )
(3) السجدة : 16 .
(4) حديث ابن عباس عند البخاري 1/149 ( 571 ) ، ومسلم 2/117 ( 642 ) ( 225 ) .
... وحديث ابن عمر عند البخاري 1/149 ( 569 ) ، ومسلم 2/116 ( 639 ) ( 220 ) .
وحديث عائشة عند مسلم 2/115 ( 638 ) ( 219 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●- وهو مذهبُ الإمام أحمد وغيره - حتى يفعل هذه الصَّلاة في أفضل وقتها ، وهو آخرُه ، ويشتغل منتظرُ هذه الصلاة في الجماعة في هذا الثلث الأول مِنَ اللَّيل بالصَّلاة ، أو بالذِّكر وانتظار الصَّلاة في المسجد ، ثمَّ إذا صلّى العشاءَ ، وصلَّى بعدَها ما يتبعُها من سننها الراتبة ، أو أوتَرَ بعدَ ذلك إنْ كان يُريد أنْ يُوتِرَ قبلَ النوم .
فإذا أوى إلى فراشه بعدَ ذلك للنوم ، فإنَّه يُستحبُّ له أنْ لا ينامَ إلا على طهارةٍ وذكرٍ ، فيُسبِّح ويحمد ويكبِّر تمام مئة ، كما علَّم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فاطمةَ وعلياً أنْ يفعلاه عندَ منامهما (1) ويأتي بما قدر عليه من الأذكار الواردة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عندَ النوم ، وهي أنواع متعدِّدةٌ من تلاوة القرآن وذكر الله ، ثم ينام على ذلك .
فإذا استيقظ من الليل ، وتقلَّب على فِراشه ، فليذكر الله كلَّما تقلَّب ، وفي " صحيح البخاري " (2) عن عُبادة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ تعارَّ مِنَ الليلِ (3) ، فقال : لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريك له ، له الملكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، سبحانَ الله ، والحمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، ثم قال : ربِّ اغفر لي - أو قال : ( ثم دعا - استجيب له ، فإن عزم ، فتوضأ ثم صلى قُبِلت صلاته ) .
__________
(1) أخرجه : البخاري 4/102 ( 3113 ) ، ومسلم 8/84 ( 2727 ) ( 80 ) عن علي .
(2) 2/68 ( 1154 ) .
(3) تعارَّ من الليل : أي هبَّ من نومه واستيقظ ، النهاية 1/190 .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " الترمذي " (1) عن أبي أُمامة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من أوى إلى فراشه طاهراً يذكرُ الله حتى يُدرِكَه النُّعاس ، لم يتقلَّبْ ساعةً من الليل يسألُ الله شيئاً من خيرِ الدُّنيا والآخرة ، إلا أعطاه إيَّاه ) .
وخرَّجه أبو داود (2) بمعناه من حديث معاذ ، وخرَّجه النَّسائي (3) من حديث عمرو بن عبسة .
وللإمام أحمد (4) من حديث عمرو بن عبسة في هذا الحديث : ( وكان أوَّل ما يقول إذا استيقظ : سبحانك لا إله إلاّ أنت اغفر لي ، إلا انسلخَ من خطاياه كما تنسلخُ الحية من جلدها ) .
وثبت أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من منامه يقول : ( الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النُّشور ) (5) .
ثم إذا قام إلى الوضوء والتهجد ، أتى بذلك كلِّه على ما ورد عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (6) ،
ويَختِمُ تهجُّده بالاستغفار في السحر ، كما مدح الله المستغفرين بالأسحار ، وإذا طلع الفجر ، صلَّى ركعتي الفجر ، ثمّ صلَّى الفجر ، ويشتغل بعد صلاة الفجر بالذِّكر المأثور إلى أنْ تطلع الشَّمسُ على ما تقدَّم ذكره ، فمن كان حالُه على ما ذكرنا ، لم يزل لسانُه رطباً بذكر الله ، فيستصحبُ الذكر في يقظته حتى ينامَ عليه ، ثم يبدأُ به عندَ استيقاظه ، وذلك من دلائل صدقِ المحبة ، كما قال بعضهم :
__________
(1) "الجامع الكبير" ( 3526 ) ، وقال: ( حسن غريب ) على أن في إسناده شهر بن حوشب ، وهو ضعيف عند التفرد ، وقد تفرد .
(2) في " سننه " ( 5042 ) .
(3) في " عمل اليوم والليلة " ( 807 ) و( 808 ) و( 809 ) .
(4) في " مسنده " 4/113 بدون هذه الزيادة .
(5) أخرجه : البخاري 8/85 ( 6312 ) و88 ( 6324 ) عن حذيفة بن اليمان .
وأخرجه : مسلم 8/78 ( 2711 ) ( 59 ) عن البراء بن عازب .
(6) من حديث ابن عباس عند البخاري 2/60 ( 1120 ) ، ومسلم 2/184 ( 769 ) ( 199 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وآخِرُ شيءٍ أنت في كلِّ هَجعةٍ . وأوَّل شيءٍ أنتَ وقتَ هُبُوبي
وذكرك في قلبي بنومٍ ويقظةٍ . تجافى من اللّين اللبيب جنوب(1)
وأول ما يفعله الإنسان في آناء الليل والنهار من مصالح دينه ودنياه ، فعامَّةُ ذلك يشرع ذكرُ اسم الله عليه ، فيُشرَعُ له ذكرُ اسم الله (2) وحمده على أكلِه وشُربه (3) ولباسه وجماعه لأهله ودخوله منْزله ، وخروجه منه ، ودخوله الخلاء ، وخروجه منه ، وركوبه دابته ، ويُسمِّي على ما يذبحه من نُسكٍ وغيره (4) .
ويُشرع له حمدُ الله تعالى على عُطاسه (5) ، وعند رؤية أهل البلاء في الدِّين أو الدُّنيا (6) ، وعندَ التقاء الإخوان ، وسؤال بعضهم بعضاً عن حاله ، وعندَ تجدُّد ما يحبه الإنسانُ من النِّعَمِ ، واندفاع ما يكرهه من النِّقَمِ ، وأكملُ مِنْ ذلك أنْ يحمد الله على السَّراء والضَّرَّاء والشدَّة والرَّخاء ، ويحمدُه على كلِّ حال .
__________
(1) هذا البيت سقط من ( ج ) .
(2) دليله حديث عمر بن أبي سلمة عند البخاري 7/88 ( 5376 ) ، ومسلم 6/109 ( 2022 ) ( 108 ) .
وحديث أنس الذي ذكره البخاري 7/88 عقيب ( 5376 ) معلقاً .
(3) دليله حديث أنس عند مسلم 8/87 ( 2734 ) ( 89 ) .
(4) دليله حديث ابن مسعود عند البخاري 7/118 ( 5499 ) .
(5) دليله حديث أبي هريرة عند البخاري 8/61 ( 6224 ) ، وأبي داود ( 5033 )
وجاء كذلك عن علي ، وابن مسعود ، وأبي أيوب الأنصاري .
(6) دليله حديث ابن عمر عند ابن ماجه ( 3892 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●ويُشرع له دعاءُ الله تعالى عندَ دخولِ السوق ، وعندَ سماعِ أصواتِ الدِّيَكةِ باللَّيل (1) ، وعندَ سماعِ الرَّعد ، وعند نزولِ المطر (2) ، وعند اشتداد هبوب الرياح (3) ، وعند رؤية الأهلّة (4) ، وعند رؤية باكورة الثِّمار (5) .
ويشرع أيضاً ذكرُ الله ودعاؤه عند نزول الكَرْبِ (6) ، وحدوثِ المصائب الدنيوية ، وعندَ الخروج للسَّفر (7) ، وعند نزول المنازل في السفر (8) ، وعند الرجوع من السفر (9) .
ويُشرع التعوُّذ بالله عند الغضب ، وعندَ رؤية ما يكره في منامه ، وعند سماع أصواتِ الكلاب والحمير بالليل (10) .
وتُشرع استخارة الله عند العزم على مالا يظهر الخيرة فيه (11) .
__________
(1) دليله حديث أبي هريرة عند البخاري 6/155 ( 3303 ) ، ومسلم 8/85 ( 2729 )
( 82 ) .
(2) دليله حديث المطلب بن حنطب عند البيهقي 3/356 وفي " الدعوات الكبير " ، له ( 483 ) .
(3) دليله حديث عمر بن الخطاب في " الأدب المفرد " ( 720 ) و( 906 ) ، و" سنن أبي داود " ( 5097 ) .
(4) دليله حديث قتادة عند أبي داود ( 5092 ) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير " ( 466 ) .
(5) دليله حديث أبي هريرة عند البخاري في " الأدب المفرد " ( 362 ) ، ومسلم 4/116 ( 1373 ) ( 473 ) و4/117 ( 1373 ) ( 474 ) .
(6) دليله حديث ابن عباس عند البخاري 8/93 ( 9345 ) و( 9346 ) و9/153 ( 7426 ) ، ومسلم 8/85 ( 2730 ) ( 83 ) .
(7) دليله حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم 4/104 ( 1343 ) ( 426 ) .
(8) دليله حديث خولة بنت حكيم عند مسلم 8/76 ( 2708 ) ( 55 ) .
(9) دليله حديث ابن عباس عند ابن حبان ( 2716 ) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير " ( 428 ) .
(10) دليله حديث جابر عند أبي داود ( 5103 ) .
(11) دليله حديث جابر عند البخاري 2/70 ( 1162 ) و8/101 ( 6382 ) و9/144 ( 7390 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وتجب التَّوبة إلى الله والاستغفارُ من الذنوب كلِّها صغيرها وكبيرِها ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } (1) ، فمن حافظ على ذلك ، لم يزل لسانه رطباً بذكر الله في كلِّ أحواله .
● [ فصل ] ●قد ذكرنا في أوَّل الكتاب أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ بجوامع الكلم ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يُعجِبُه جوامع الذكر ، ويختاره على غيره من الذكر ، كما في " صحيح مسلم " (2) عن ابن عباس ، عن جُويرية بنت الحارث أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بُكرةً حين صلَّى الصبحَ وهي في مسجدها ، ثمَّ رجع بعد أنْ أضحى وهي جالسةٌ ، فقال : ( مازلتِ على الحال التي فارقتك عليها ؟ ) قالت : نعم ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد قلتُ بعدَك أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرات ، لو وُزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوزَنتهُنَّ : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزِنَةَ عرشه ، ومداد كلماته ) .
وخرَّجه النَّسائي (3) ، ولفظه : ( سبحانَ الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومِداد كلماته ) .
__________
(1) آل عمران : 135 .
(2) 8/83 ( 2726 ) ( 79 ) .
(3) في " المجتبى " 3/77 وفي " الكبرى " ، له ( 1275 ) و( 9992 ) و( 9993 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 164 ) و( 165 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرّج أبو داود ، والترمذي ، والنسائي (1) من حديث سعد بن أبي وقّاص أنَّه دخل مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على امرأةٍ وبَين يديها نوى ، أو قال : حَصى تسبِّح به ، فقال : ( ألا أُخبِرُك بما هو أيسرُ من هذا وأفضل ؟ سبحانَ الله عددَ ما خلق في السماء ، وسبحانَ الله عدد ما خلَق في الأرض ، وسُبحان الله عدد ما بينَ ذلك ، وسبحانَ الله عددَ ما هو خالق ، والله أكبر مثلُ ذلك ، والحمد لله مثلُ ذلك ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله مثل ذلك ) .
وخرَّج الترمذي (2) من حديث صَفيَّة ، قالت : دخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وبَينَ يدي أربعة آلاف نواة أسبح الله بها فقُلتُ : لقد سبَّحت بهذه ، فقال : ( ألا أعلمك بأكثر ممَّا سبَّحت به ؟ ) فقلت : علمني ، فقالَ : ( قولي : سبحان الله عددَ خلقه ) .
__________
(1) أبو داود ( 1500 ) ، والترمذي ( 3568 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " كما في
" تحفة الأشراف " ( 3954 ) ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) مع أن في سنده مجهولاً .
(2) في " جامعه " ( 3554 ) ، وهو ضعيف ، وقال الترمذي : ( غريب لا نعرفه من حديث صفية إلاَّ من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي ، وليس إسناده بمعروف ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج النسائي ، وابنُ حبان في " صحيحه " (1) من حديث أبي أُمامة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ به وهو يحرِّك شفتيه ، فقال : ( ماذا تقولُ يا أبا أمامة ؟ ) قال : أذكر ربي ، قال : ( ألا أخبرك بأكثرَ وأفضلَ من ذكرك اللَّيل مع النَّهار والنهار مع الليل ؟ أنْ تقولَ : سبحان الله عدد ما خلقَ ، وسبحان الله ملءَ ما خلق ، وسُبحان الله عددَ ما في الأرض والسَّماء ، وسُبحان الله ملء ما في الأرض والسماء ، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابُه ، وسبحان الله ملءَ ما أحصى كتابه ، وسبحان الله عدد كلّ شيءٍ ، وسبحان الله ملء كلِّ شيء ، وتقولَ : الحمد لله مثل ذلك ) .
وخرَّج البزار (2) نحوه من حديث أبي الدرداء .
وخرَّج ابن أبي الدنيا بإسناد له أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ : ( يا معاذ ، كم تذكرُ ربَّك كلَّ يوم ؟ تذكره كلَّ يوم عشرة آلاف مرة ؟ ) قال : كلُّ ذلك أفعل ، قال : ( أفلا أدلُّك على كلمات هُنَّ أهونُ عليك من عشرة آلاف وعشرة آلاف أن تقول : لا إله إلا الله عدد ما أحصاه ، لا إله إلا الله عدد كلماتِه ، لا إله إلا الله عدد خلقه ، لا إله إلا الله زِنة عرشه ، لا إله إلا الله مِلء سماواته ، لا إله إلا الله ملء أرضه ، لا إله إلا الله مثل ذلك معه ، والله أكبر مثل ذلك معه ، والحمد لله مثل ذلك معه ) .
وبإسناده أنَّ ابن مسعود ذكر له امرأة تسبح بخيوط معقَّدة ، فقال : ألا أدلُّك على ما هو خير لك منه ؟ سبحان الله ملء البرِّ والبحر ، سبحان الله ملء السماوات والأرض ، سبحان الله عدد خلقه ، ورضا نفسه ، فإذا أنت قد ملأت البرّ والبحر والسماء والأرض .
__________
(1) النسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 166 ) ، وابن حبان ( 830 ) ، وفي إسناده يحيى بن أيوب الغافقي ضعيف .
(2) كما في " كشف الأستار " ( 3080 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وبإسناده عن المعتمر بن سليمان التيمي قال : كان أبي يحدث خمسة أحاديث ثم يقول : امهِلوا ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله عدد ما خلق وعدد ما هو خالق ، وزنة ما خلق وزنة ما هو خالق ، وملء ما خلق ، وملء ما هو خالق ، وملء سماواته ، وملءَ أرضه ، ومثل ذلك وأضعاف ذلك ، وعدد خلقه ، وزنة عرشه ، ومنتهى رحمته ، ومداد كلماته ، ومبلغ رضاه وحتى يرضى وإذا رضي ، وعدد ما ذكره به خلقه في جميع ما مضى ، وعدد ما هم ذاكروه فيما بقي ، في كلِّ سنة وشهر وجمعة ويومٍ وليلة وساعة من الساعات ، وتنسم وتنفس من أبدٍ إلى الأبد أبد الدُّنيا والآخرة أمد من ذلك لا ينقطع أولاه ، ولا ينفد أخراه (1) .
وبإسناده عن المعتمر بن سليمان قال : رأيت عبد الملك بن خالد بعد موته ، فقلت : ما صنعتَ ؟ قال : خيراً ، فقلت : ترجو للخاطئ شيئاً ؟ قال : يلتمس علم تسبيحات أبي المعتمر نعم الشيء .
قال ابن أبي الدنيا : وحدثني محمد بن الحسين ، حدثني بعض البصريين أنَّ يونسَ بن عبيد رأى رجلاً فيما يرى النَّائم كان قد أصيب ببلادِ الرُّوم ، فقال : ما أفضل ما رأيت ثمَّ من الأعمال ؟ قالَ : رأيتُ تسبيحات أبي المعتمر من الله بمكان (2) .
وكذلك كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعجبه من الدعاء جوامعه ، ففي " سنن أبي داود " (3) عن عائشة ، قالت : كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعجبه الجوامع من الدعاء ، ويدع ما بين ذلك .
__________
(1) أخرجه : الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " ( 1001 ) بسنده عن ابن أبي الدنيا ، به .
(2) أخرجه : الخطيب في " جامعه " ( 1002 ) .
(3) رقم ( 1482 ) ، وهو صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرّج الفريابي وغيره من حديث عائشة أيضاً أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ( يا عائشة ، عليك بجوامع الدُّعاء : اللهمَّ إنِّي أسألك من الخير كلِّه عاجلهِ وآجله ، ما علمتُ منه وما لم أعلم ، وأعوذُ بك من الشرِّ كلِّه عاجِلِه وآجله ، ما علمت منه وما لم أعلم . اللهمَّ إنِّي أسألك مِنْ خير ما سألك منه محمد عبدك ونبيك ، وأعوذُ بك من شرِّ ما عاذ منه عبدك ونبيك ، اللهمَّ إني أسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل ، وأعوذ بك من النار ، وما قرَّب إليها من قول وعمل ، وأسألُك ما قضيتَ لي من قضاءٍ ، أنْ تجعل عاقبته رشداً ) وخرَّجه الإمام أحمد (1) ، وابنُ ماجه (2) ، وابن حبان في " صحيحه " (3) والحاكم (4) ، وليس عندهم ذكر جوامع الدعاء ، وعند الحاكم ( عليك بالكوامل ) وذكره . وخرَّجه أبو بكر الأثرم وعنده أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ( ما منعك أنْ تأخذي بجوامع الكلم وفواتحه ؟ ) وذكر هذا الدعاء .
وخرّج الترمذي (5) من حديث أبي أمامة قال : دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاءٍ كثير لم نحفظ منه شيئاً ، فقلنا : يا رسول الله ، دعوتَ بدعاءٍ كثيرٍ لم نحفظ منه شيئاً ، فقال : ( ألا أدلُّكم على ما يجمعُ ذلك كلَّه ؟ تقولون : اللهمَّ إنّا نسألكَ من خير ما سألك منه نبيُّك محمد ، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذ منه نبيُّك محمد ، وأنت المستعانُ ، وعليك البلاغ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) .
__________
(1) في " مسنده " 6/134 و146 و147 ، وهو صحيح .
(2) في " سننه " ( 3846 ) .
(3) 869 ) .
(4) في " المستدرك " 1/521 – 522 .
(5) في " جامعه " ( 3521 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّجه الطبراني (1) وغيره (2) من حديث أم سلمة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعاء له طويل : ( اللهم إنِّي أسألك فواتحَ الخير ، وخواتِمه ، وجوامعَه ، وأوَّله وآخره ، وظاهره ، وباطنه ) .
وفي " المسند " (3) أنَّ سعد بن أبي وقاص سمع ابناً له يدعو ، ويقول : اللهمَّ إنِّي أسألك الجنَّة ونعيمها وإستَبرقَها ونحواً من هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسِلها وأغلالها ، فقال : لقد سألتَ الله خيراً كثيراً ، وتعوَّذت بالله من شرٍّ كثير ، وإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إنَّه سيكونُ قومٌ يعتدون في الدُّعاء ، وقرأ هذه الآية : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (4) وإنَّ بِحسبكَ أنْ تقول : اللهمَّ إنِّي أسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ ، وأعوذُ بك من النَّار وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ ) .
__________
(1) في " الكبير " 23/( 717 ) ، وفي إسناده عاصم بن أبي عبيد ذكره ابن حبان في " الثقات " 5/238 وكأنه مجهول .
(2) أخرجه : الحاكم 1/520 .
(3) مسند الإمام أحمد 1/172 ، وفي إسناده مقال لجهالة مولى سعد .
(4) الأعراف : 55 .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " الصحيحين " (1) عن ابن مسعود ، قال : كنا نقول في الصَّلاة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : السلام على الله ، السلام على جبريل وميكائيل ، السلام على فلان وفلان ، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : ( إنَّ الله هو السلامُ ، فإذا قعدَ أحدُكم في الصَّلاة ، فليقل : التحيَّات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النَّبي ورحمة الله وبركاته ، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين ، فإذا قالها أصابت كلَّ عبد لله صالح في السماء والأرض ، أشهد أنْ لا إله إلا الله ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله ، ثم يَتخيَّرُ من المسألة ما شاء ) .
وفي " المسند " (2) عن ابن مسعود قال : إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عُلِّمَ فواتحَ الخيروجوامعه ، أو جوامعَ الخير وفواتحه وخواتمه ، وإنّا كنَّا لا ندري ما نقولُ في صلاتنا حتّى علَّمنا ، فقال : ( قولوا : التحيات لله ) فذكره إلى آخره ، والله أعلم .
آخر الكتاب والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
__________
(1) صحيح البخاري 1/211 ( 831 ) و212 ( 835 ) و8/63 - 64 ( 6230 ) ، وصحيح مسلم 2/14 ( 402 ) ( 55 ) .
(2) مسند الإمام أحمد 1/408 و437 ، وهو حديث صحيح .
● [ تم كتاب جامع العلوم والحكم ] ●
تأليف : إبن رجب الحنبلي
في وظائف الذكر الموظفة في اليوم والليلة
معلومٌ أنَّ الله - عز وجل - فرض على المسلمين أنْ يذكروهُ كلَّ يوم وليلة خمس مرَّات ، بإقامة الصلوات الخمس(4) في مواقيتها الموقتة ، وشَرَعَ لهم مع هذه الفرائض الخمس أنْ يذكروه ذكراً يكونُ لهم نافلةً ، والنافلةُ : الزِّيادة ، فيكونُ ذلك زيادةً على الصلوات الخمس ، وهو نوعان :
أحدهما : ما هو من جِنس الصلاة ، فشرع لهم أنْ يُصلُّوا مع الصَّلوات الخمس قبلها ، أو بعدها أو قبلها وبعدها سنناً ، فتكون زيادةً على الفريضة ، فإنْ كان في الفريضة نقصٌ ، جَبَر نقصها بهذه النوافل ، وإلاَّ كانت النَّوافلُ زيادةً على الفرائض .
(4) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأطولُ ما يتخلل بين مواقيت الصلاة مما ليس فيه صلاة مفروضة ما بَينَ صلاة العشاء وصلاة الفجر ، وما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر ، فشرع كلِّ واحدة من هاتين الصَّلاتين صلاة تكون نافلةً ؛ لئلاَّ يطولَ وقتُ الغفلة عن الذِّكر ، فشرع ما بَين صلاةِ العشاء ، وصلاة الفجر صلاةَ الوتر وقيامَ الليل ، وشرع ما بين صلاة الفجرِ ، وصلاة الظهر صلاة الضحى .
وبعضُ هذه الصلوات آكدُ من بعض ، فآكدُها الوتر ، ولذلك اختلفَ العلماءُ في وجوبه ، ثمَّ قيامُ الليل ، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُداومُ عليه حضراً وسفراً ، ثمّ صلاة الضحى ، وقد اختلف الناسُ فيها ، وفي استحباب المدوامة عليها ، وفي الترغيب فيها أحاديث صحيحة (1) ، وورد التَّرغيبُ أيضاً في الصَّلاة عقيبَ زوالِ الشَّمس .
وأما الذكرُ باللسان ، فمشروعٌ في جميع الأوقات ، ويتأكَّدُ في بعضها .
فممَّا يتأكَّد فيه الذكرُ عقيبَ الصَّلوات المفروضات ، وأنْ يُذكر الله عقيبَ كلِّ صلاة منها مئة مرة ما بين تسبيحٍ وتحميدٍ وتكبيرٍ وتهليلٍ .
__________
(1) حديث عائشة عند مسلم 2/157 ( 719 ) ( 78 ) و( 79 ) ، وحديث أم هانيء عند البخاري 2/57 ( 1103 ) و73 ( 1176 ) و5/189 ( 4292 ) ، وعند مسلم 2/157
( 336 ) ( 80 ) و( 81 ) ، وعند الترمذي ( 474 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●ويُستحبُّ - أيضاً - الذِّكرُ بعدَ الصّلاتين اللتين لا تَطوُّعَ بعدهما ، وهما : الفَجرُ والعصرُ ، فيُشرع الذكرُ بعد صلاة الفجر إلى أنْ تطلُع الشَّمسُ ، وبعدَ العصر حتى تغرَب الشمس ، وهذان الوقتان - أعني : وقت الفجر ووقت العصر - هما أفضلُ أوقات النَّهار للذِّكر ، ولهذا أمر الله تعالى بذكره فيهما في مواضع من القرآن كقوله : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (1) ، وقوله : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (2) ، وقوله : { وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ } (3) ، وقوله : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } (4) ، وقوله : { فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } (5) ، وقوله : { وَاسْتَغْفرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ } (6) ، وقوله : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } (7) ، وقوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } (8) ، وقوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } (9) .
وأفضل ما فعل في هذين الوقتين من الذكر : صلاةُ الفجر وصلاةُ العصر ، وهما أفضلُ الصلوات . وقد قيل في كلٍّ منهما : إنَّها الصلاةُ الوسطى (10)
__________
(1) الأحزاب : 42 .
(2) الإنسان : 25 .
(3) آل عمران : 41 .
(4) مريم : 11 .
(5) الروم : 17 .
(6) غافر : 55 .
(7) الأعراف : 205 .
(8) طه : 130 .
(9) ق : 39 .
(10) من قال : إنها صلاة العصر دليله حديث علي بن أبي طالب عند مسلم 2/111 ( 627 ) ( 202 ) - ( 205 ) .
... وحديث عبد الله بن مسعود عنده أيضاً 2/112 ( 628 ) ( 206 ) .
ومن قال : إنها صلاة الفجر دليله حديث ابن عباس الذي أخرجه الطبري في " تفسيره " ( 4264 ) و( 4265 ) و( 4268 ) . وأخرج أيضاً حديث جابر (4270 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وهما البَردَانِ اللذان من حَافَظَ عليهما ، دخلَ الجنة (1) ، ويليهما من أوقات الذكر : الليلُ . ولهذا يُذكر بعد ذكر هذين الوقتين في القرآن تسبيحُ اللَّيلِ وصلاته .
والذكرُ المطلقُ يدخل فيه الصَّلاةُ ، وتلاوة القرآن ، وتعلُّمه ، وتعليمُه ، والعلمُ النافع ، كما يدخلُ فيه التَّسبيحُ والتَّكبير والتَّهليل ، ومِن أصحابنا من رجَّح التلاوة على التَّسبيح ونحوه بعد الفجر والعصر . وسُئلَ الأوزاعيُّ عن ذلك ، فقال : كان هديهُم ذكرَ الله ، فإنْ قرأ ، فحسن . وظاهر هذا أنَّ الذكر في هذا الوقت أفضلُ من التلاوة ، وكذا قال إسحاق في التَّسبيح عقيبَ المكتوبات مئة مرة : إنَّه أفضلُ من التلاوة حينئذٍ.
والأذكارُ والأدعيةُ المأثورةُ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّباح والمساء كثيرة جداً .
ويستحبُّ أيضاً إحياءُ ما بين العشاءين بالصلاة والذِّكر ، وقد تقدَّم حديثُ أنس (2) أنَّه نزل في ذلك قولُه تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } (3) .
ويستحبُّ تأخيرُ صلاة العشاء إلى ثُلث الليلِ ، كما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة (4)
__________
(1) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من صلى البردين دخل الجنة ) .
أخرجه : البخاري 1/150 ( 574 ) ، ومسلم 2/114 ( 635 ) ( 215 ) عن أبي موسى الأشعري .
(2) انظر : الحديث التاسع والعشرين وهو عند الطبري في " تفسيره " ( 21505 )
(3) السجدة : 16 .
(4) حديث ابن عباس عند البخاري 1/149 ( 571 ) ، ومسلم 2/117 ( 642 ) ( 225 ) .
... وحديث ابن عمر عند البخاري 1/149 ( 569 ) ، ومسلم 2/116 ( 639 ) ( 220 ) .
وحديث عائشة عند مسلم 2/115 ( 638 ) ( 219 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●- وهو مذهبُ الإمام أحمد وغيره - حتى يفعل هذه الصَّلاة في أفضل وقتها ، وهو آخرُه ، ويشتغل منتظرُ هذه الصلاة في الجماعة في هذا الثلث الأول مِنَ اللَّيل بالصَّلاة ، أو بالذِّكر وانتظار الصَّلاة في المسجد ، ثمَّ إذا صلّى العشاءَ ، وصلَّى بعدَها ما يتبعُها من سننها الراتبة ، أو أوتَرَ بعدَ ذلك إنْ كان يُريد أنْ يُوتِرَ قبلَ النوم .
فإذا أوى إلى فراشه بعدَ ذلك للنوم ، فإنَّه يُستحبُّ له أنْ لا ينامَ إلا على طهارةٍ وذكرٍ ، فيُسبِّح ويحمد ويكبِّر تمام مئة ، كما علَّم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فاطمةَ وعلياً أنْ يفعلاه عندَ منامهما (1) ويأتي بما قدر عليه من الأذكار الواردة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عندَ النوم ، وهي أنواع متعدِّدةٌ من تلاوة القرآن وذكر الله ، ثم ينام على ذلك .
فإذا استيقظ من الليل ، وتقلَّب على فِراشه ، فليذكر الله كلَّما تقلَّب ، وفي " صحيح البخاري " (2) عن عُبادة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ تعارَّ مِنَ الليلِ (3) ، فقال : لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريك له ، له الملكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، سبحانَ الله ، والحمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، ثم قال : ربِّ اغفر لي - أو قال : ( ثم دعا - استجيب له ، فإن عزم ، فتوضأ ثم صلى قُبِلت صلاته ) .
__________
(1) أخرجه : البخاري 4/102 ( 3113 ) ، ومسلم 8/84 ( 2727 ) ( 80 ) عن علي .
(2) 2/68 ( 1154 ) .
(3) تعارَّ من الليل : أي هبَّ من نومه واستيقظ ، النهاية 1/190 .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " الترمذي " (1) عن أبي أُمامة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من أوى إلى فراشه طاهراً يذكرُ الله حتى يُدرِكَه النُّعاس ، لم يتقلَّبْ ساعةً من الليل يسألُ الله شيئاً من خيرِ الدُّنيا والآخرة ، إلا أعطاه إيَّاه ) .
وخرَّجه أبو داود (2) بمعناه من حديث معاذ ، وخرَّجه النَّسائي (3) من حديث عمرو بن عبسة .
وللإمام أحمد (4) من حديث عمرو بن عبسة في هذا الحديث : ( وكان أوَّل ما يقول إذا استيقظ : سبحانك لا إله إلاّ أنت اغفر لي ، إلا انسلخَ من خطاياه كما تنسلخُ الحية من جلدها ) .
وثبت أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من منامه يقول : ( الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النُّشور ) (5) .
ثم إذا قام إلى الوضوء والتهجد ، أتى بذلك كلِّه على ما ورد عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (6) ،
ويَختِمُ تهجُّده بالاستغفار في السحر ، كما مدح الله المستغفرين بالأسحار ، وإذا طلع الفجر ، صلَّى ركعتي الفجر ، ثمّ صلَّى الفجر ، ويشتغل بعد صلاة الفجر بالذِّكر المأثور إلى أنْ تطلع الشَّمسُ على ما تقدَّم ذكره ، فمن كان حالُه على ما ذكرنا ، لم يزل لسانُه رطباً بذكر الله ، فيستصحبُ الذكر في يقظته حتى ينامَ عليه ، ثم يبدأُ به عندَ استيقاظه ، وذلك من دلائل صدقِ المحبة ، كما قال بعضهم :
__________
(1) "الجامع الكبير" ( 3526 ) ، وقال: ( حسن غريب ) على أن في إسناده شهر بن حوشب ، وهو ضعيف عند التفرد ، وقد تفرد .
(2) في " سننه " ( 5042 ) .
(3) في " عمل اليوم والليلة " ( 807 ) و( 808 ) و( 809 ) .
(4) في " مسنده " 4/113 بدون هذه الزيادة .
(5) أخرجه : البخاري 8/85 ( 6312 ) و88 ( 6324 ) عن حذيفة بن اليمان .
وأخرجه : مسلم 8/78 ( 2711 ) ( 59 ) عن البراء بن عازب .
(6) من حديث ابن عباس عند البخاري 2/60 ( 1120 ) ، ومسلم 2/184 ( 769 ) ( 199 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وآخِرُ شيءٍ أنت في كلِّ هَجعةٍ . وأوَّل شيءٍ أنتَ وقتَ هُبُوبي
وذكرك في قلبي بنومٍ ويقظةٍ . تجافى من اللّين اللبيب جنوب(1)
وأول ما يفعله الإنسان في آناء الليل والنهار من مصالح دينه ودنياه ، فعامَّةُ ذلك يشرع ذكرُ اسم الله عليه ، فيُشرَعُ له ذكرُ اسم الله (2) وحمده على أكلِه وشُربه (3) ولباسه وجماعه لأهله ودخوله منْزله ، وخروجه منه ، ودخوله الخلاء ، وخروجه منه ، وركوبه دابته ، ويُسمِّي على ما يذبحه من نُسكٍ وغيره (4) .
ويُشرع له حمدُ الله تعالى على عُطاسه (5) ، وعند رؤية أهل البلاء في الدِّين أو الدُّنيا (6) ، وعندَ التقاء الإخوان ، وسؤال بعضهم بعضاً عن حاله ، وعندَ تجدُّد ما يحبه الإنسانُ من النِّعَمِ ، واندفاع ما يكرهه من النِّقَمِ ، وأكملُ مِنْ ذلك أنْ يحمد الله على السَّراء والضَّرَّاء والشدَّة والرَّخاء ، ويحمدُه على كلِّ حال .
__________
(1) هذا البيت سقط من ( ج ) .
(2) دليله حديث عمر بن أبي سلمة عند البخاري 7/88 ( 5376 ) ، ومسلم 6/109 ( 2022 ) ( 108 ) .
وحديث أنس الذي ذكره البخاري 7/88 عقيب ( 5376 ) معلقاً .
(3) دليله حديث أنس عند مسلم 8/87 ( 2734 ) ( 89 ) .
(4) دليله حديث ابن مسعود عند البخاري 7/118 ( 5499 ) .
(5) دليله حديث أبي هريرة عند البخاري 8/61 ( 6224 ) ، وأبي داود ( 5033 )
وجاء كذلك عن علي ، وابن مسعود ، وأبي أيوب الأنصاري .
(6) دليله حديث ابن عمر عند ابن ماجه ( 3892 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●ويُشرع له دعاءُ الله تعالى عندَ دخولِ السوق ، وعندَ سماعِ أصواتِ الدِّيَكةِ باللَّيل (1) ، وعندَ سماعِ الرَّعد ، وعند نزولِ المطر (2) ، وعند اشتداد هبوب الرياح (3) ، وعند رؤية الأهلّة (4) ، وعند رؤية باكورة الثِّمار (5) .
ويشرع أيضاً ذكرُ الله ودعاؤه عند نزول الكَرْبِ (6) ، وحدوثِ المصائب الدنيوية ، وعندَ الخروج للسَّفر (7) ، وعند نزول المنازل في السفر (8) ، وعند الرجوع من السفر (9) .
ويُشرع التعوُّذ بالله عند الغضب ، وعندَ رؤية ما يكره في منامه ، وعند سماع أصواتِ الكلاب والحمير بالليل (10) .
وتُشرع استخارة الله عند العزم على مالا يظهر الخيرة فيه (11) .
__________
(1) دليله حديث أبي هريرة عند البخاري 6/155 ( 3303 ) ، ومسلم 8/85 ( 2729 )
( 82 ) .
(2) دليله حديث المطلب بن حنطب عند البيهقي 3/356 وفي " الدعوات الكبير " ، له ( 483 ) .
(3) دليله حديث عمر بن الخطاب في " الأدب المفرد " ( 720 ) و( 906 ) ، و" سنن أبي داود " ( 5097 ) .
(4) دليله حديث قتادة عند أبي داود ( 5092 ) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير " ( 466 ) .
(5) دليله حديث أبي هريرة عند البخاري في " الأدب المفرد " ( 362 ) ، ومسلم 4/116 ( 1373 ) ( 473 ) و4/117 ( 1373 ) ( 474 ) .
(6) دليله حديث ابن عباس عند البخاري 8/93 ( 9345 ) و( 9346 ) و9/153 ( 7426 ) ، ومسلم 8/85 ( 2730 ) ( 83 ) .
(7) دليله حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم 4/104 ( 1343 ) ( 426 ) .
(8) دليله حديث خولة بنت حكيم عند مسلم 8/76 ( 2708 ) ( 55 ) .
(9) دليله حديث ابن عباس عند ابن حبان ( 2716 ) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير " ( 428 ) .
(10) دليله حديث جابر عند أبي داود ( 5103 ) .
(11) دليله حديث جابر عند البخاري 2/70 ( 1162 ) و8/101 ( 6382 ) و9/144 ( 7390 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وتجب التَّوبة إلى الله والاستغفارُ من الذنوب كلِّها صغيرها وكبيرِها ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } (1) ، فمن حافظ على ذلك ، لم يزل لسانه رطباً بذكر الله في كلِّ أحواله .
● [ فصل ] ●قد ذكرنا في أوَّل الكتاب أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ بجوامع الكلم ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يُعجِبُه جوامع الذكر ، ويختاره على غيره من الذكر ، كما في " صحيح مسلم " (2) عن ابن عباس ، عن جُويرية بنت الحارث أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بُكرةً حين صلَّى الصبحَ وهي في مسجدها ، ثمَّ رجع بعد أنْ أضحى وهي جالسةٌ ، فقال : ( مازلتِ على الحال التي فارقتك عليها ؟ ) قالت : نعم ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد قلتُ بعدَك أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرات ، لو وُزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوزَنتهُنَّ : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزِنَةَ عرشه ، ومداد كلماته ) .
وخرَّجه النَّسائي (3) ، ولفظه : ( سبحانَ الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومِداد كلماته ) .
__________
(1) آل عمران : 135 .
(2) 8/83 ( 2726 ) ( 79 ) .
(3) في " المجتبى " 3/77 وفي " الكبرى " ، له ( 1275 ) و( 9992 ) و( 9993 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 164 ) و( 165 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرّج أبو داود ، والترمذي ، والنسائي (1) من حديث سعد بن أبي وقّاص أنَّه دخل مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على امرأةٍ وبَين يديها نوى ، أو قال : حَصى تسبِّح به ، فقال : ( ألا أُخبِرُك بما هو أيسرُ من هذا وأفضل ؟ سبحانَ الله عددَ ما خلق في السماء ، وسبحانَ الله عدد ما خلَق في الأرض ، وسُبحان الله عدد ما بينَ ذلك ، وسبحانَ الله عددَ ما هو خالق ، والله أكبر مثلُ ذلك ، والحمد لله مثلُ ذلك ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله مثل ذلك ) .
وخرَّج الترمذي (2) من حديث صَفيَّة ، قالت : دخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وبَينَ يدي أربعة آلاف نواة أسبح الله بها فقُلتُ : لقد سبَّحت بهذه ، فقال : ( ألا أعلمك بأكثر ممَّا سبَّحت به ؟ ) فقلت : علمني ، فقالَ : ( قولي : سبحان الله عددَ خلقه ) .
__________
(1) أبو داود ( 1500 ) ، والترمذي ( 3568 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " كما في
" تحفة الأشراف " ( 3954 ) ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) مع أن في سنده مجهولاً .
(2) في " جامعه " ( 3554 ) ، وهو ضعيف ، وقال الترمذي : ( غريب لا نعرفه من حديث صفية إلاَّ من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي ، وليس إسناده بمعروف ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج النسائي ، وابنُ حبان في " صحيحه " (1) من حديث أبي أُمامة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ به وهو يحرِّك شفتيه ، فقال : ( ماذا تقولُ يا أبا أمامة ؟ ) قال : أذكر ربي ، قال : ( ألا أخبرك بأكثرَ وأفضلَ من ذكرك اللَّيل مع النَّهار والنهار مع الليل ؟ أنْ تقولَ : سبحان الله عدد ما خلقَ ، وسبحان الله ملءَ ما خلق ، وسُبحان الله عددَ ما في الأرض والسَّماء ، وسُبحان الله ملء ما في الأرض والسماء ، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابُه ، وسبحان الله ملءَ ما أحصى كتابه ، وسبحان الله عدد كلّ شيءٍ ، وسبحان الله ملء كلِّ شيء ، وتقولَ : الحمد لله مثل ذلك ) .
وخرَّج البزار (2) نحوه من حديث أبي الدرداء .
وخرَّج ابن أبي الدنيا بإسناد له أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ : ( يا معاذ ، كم تذكرُ ربَّك كلَّ يوم ؟ تذكره كلَّ يوم عشرة آلاف مرة ؟ ) قال : كلُّ ذلك أفعل ، قال : ( أفلا أدلُّك على كلمات هُنَّ أهونُ عليك من عشرة آلاف وعشرة آلاف أن تقول : لا إله إلا الله عدد ما أحصاه ، لا إله إلا الله عدد كلماتِه ، لا إله إلا الله عدد خلقه ، لا إله إلا الله زِنة عرشه ، لا إله إلا الله مِلء سماواته ، لا إله إلا الله ملء أرضه ، لا إله إلا الله مثل ذلك معه ، والله أكبر مثل ذلك معه ، والحمد لله مثل ذلك معه ) .
وبإسناده أنَّ ابن مسعود ذكر له امرأة تسبح بخيوط معقَّدة ، فقال : ألا أدلُّك على ما هو خير لك منه ؟ سبحان الله ملء البرِّ والبحر ، سبحان الله ملء السماوات والأرض ، سبحان الله عدد خلقه ، ورضا نفسه ، فإذا أنت قد ملأت البرّ والبحر والسماء والأرض .
__________
(1) النسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 166 ) ، وابن حبان ( 830 ) ، وفي إسناده يحيى بن أيوب الغافقي ضعيف .
(2) كما في " كشف الأستار " ( 3080 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وبإسناده عن المعتمر بن سليمان التيمي قال : كان أبي يحدث خمسة أحاديث ثم يقول : امهِلوا ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله عدد ما خلق وعدد ما هو خالق ، وزنة ما خلق وزنة ما هو خالق ، وملء ما خلق ، وملء ما هو خالق ، وملء سماواته ، وملءَ أرضه ، ومثل ذلك وأضعاف ذلك ، وعدد خلقه ، وزنة عرشه ، ومنتهى رحمته ، ومداد كلماته ، ومبلغ رضاه وحتى يرضى وإذا رضي ، وعدد ما ذكره به خلقه في جميع ما مضى ، وعدد ما هم ذاكروه فيما بقي ، في كلِّ سنة وشهر وجمعة ويومٍ وليلة وساعة من الساعات ، وتنسم وتنفس من أبدٍ إلى الأبد أبد الدُّنيا والآخرة أمد من ذلك لا ينقطع أولاه ، ولا ينفد أخراه (1) .
وبإسناده عن المعتمر بن سليمان قال : رأيت عبد الملك بن خالد بعد موته ، فقلت : ما صنعتَ ؟ قال : خيراً ، فقلت : ترجو للخاطئ شيئاً ؟ قال : يلتمس علم تسبيحات أبي المعتمر نعم الشيء .
قال ابن أبي الدنيا : وحدثني محمد بن الحسين ، حدثني بعض البصريين أنَّ يونسَ بن عبيد رأى رجلاً فيما يرى النَّائم كان قد أصيب ببلادِ الرُّوم ، فقال : ما أفضل ما رأيت ثمَّ من الأعمال ؟ قالَ : رأيتُ تسبيحات أبي المعتمر من الله بمكان (2) .
وكذلك كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعجبه من الدعاء جوامعه ، ففي " سنن أبي داود " (3) عن عائشة ، قالت : كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعجبه الجوامع من الدعاء ، ويدع ما بين ذلك .
__________
(1) أخرجه : الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " ( 1001 ) بسنده عن ابن أبي الدنيا ، به .
(2) أخرجه : الخطيب في " جامعه " ( 1002 ) .
(3) رقم ( 1482 ) ، وهو صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرّج الفريابي وغيره من حديث عائشة أيضاً أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ( يا عائشة ، عليك بجوامع الدُّعاء : اللهمَّ إنِّي أسألك من الخير كلِّه عاجلهِ وآجله ، ما علمتُ منه وما لم أعلم ، وأعوذُ بك من الشرِّ كلِّه عاجِلِه وآجله ، ما علمت منه وما لم أعلم . اللهمَّ إنِّي أسألك مِنْ خير ما سألك منه محمد عبدك ونبيك ، وأعوذُ بك من شرِّ ما عاذ منه عبدك ونبيك ، اللهمَّ إني أسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل ، وأعوذ بك من النار ، وما قرَّب إليها من قول وعمل ، وأسألُك ما قضيتَ لي من قضاءٍ ، أنْ تجعل عاقبته رشداً ) وخرَّجه الإمام أحمد (1) ، وابنُ ماجه (2) ، وابن حبان في " صحيحه " (3) والحاكم (4) ، وليس عندهم ذكر جوامع الدعاء ، وعند الحاكم ( عليك بالكوامل ) وذكره . وخرَّجه أبو بكر الأثرم وعنده أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ( ما منعك أنْ تأخذي بجوامع الكلم وفواتحه ؟ ) وذكر هذا الدعاء .
وخرّج الترمذي (5) من حديث أبي أمامة قال : دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاءٍ كثير لم نحفظ منه شيئاً ، فقلنا : يا رسول الله ، دعوتَ بدعاءٍ كثيرٍ لم نحفظ منه شيئاً ، فقال : ( ألا أدلُّكم على ما يجمعُ ذلك كلَّه ؟ تقولون : اللهمَّ إنّا نسألكَ من خير ما سألك منه نبيُّك محمد ، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذ منه نبيُّك محمد ، وأنت المستعانُ ، وعليك البلاغ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) .
__________
(1) في " مسنده " 6/134 و146 و147 ، وهو صحيح .
(2) في " سننه " ( 3846 ) .
(3) 869 ) .
(4) في " المستدرك " 1/521 – 522 .
(5) في " جامعه " ( 3521 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّجه الطبراني (1) وغيره (2) من حديث أم سلمة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعاء له طويل : ( اللهم إنِّي أسألك فواتحَ الخير ، وخواتِمه ، وجوامعَه ، وأوَّله وآخره ، وظاهره ، وباطنه ) .
وفي " المسند " (3) أنَّ سعد بن أبي وقاص سمع ابناً له يدعو ، ويقول : اللهمَّ إنِّي أسألك الجنَّة ونعيمها وإستَبرقَها ونحواً من هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسِلها وأغلالها ، فقال : لقد سألتَ الله خيراً كثيراً ، وتعوَّذت بالله من شرٍّ كثير ، وإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إنَّه سيكونُ قومٌ يعتدون في الدُّعاء ، وقرأ هذه الآية : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (4) وإنَّ بِحسبكَ أنْ تقول : اللهمَّ إنِّي أسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ ، وأعوذُ بك من النَّار وما قرَّب إليها من قولٍ وعملٍ ) .
__________
(1) في " الكبير " 23/( 717 ) ، وفي إسناده عاصم بن أبي عبيد ذكره ابن حبان في " الثقات " 5/238 وكأنه مجهول .
(2) أخرجه : الحاكم 1/520 .
(3) مسند الإمام أحمد 1/172 ، وفي إسناده مقال لجهالة مولى سعد .
(4) الأعراف : 55 .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " الصحيحين " (1) عن ابن مسعود ، قال : كنا نقول في الصَّلاة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : السلام على الله ، السلام على جبريل وميكائيل ، السلام على فلان وفلان ، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : ( إنَّ الله هو السلامُ ، فإذا قعدَ أحدُكم في الصَّلاة ، فليقل : التحيَّات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النَّبي ورحمة الله وبركاته ، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين ، فإذا قالها أصابت كلَّ عبد لله صالح في السماء والأرض ، أشهد أنْ لا إله إلا الله ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله ، ثم يَتخيَّرُ من المسألة ما شاء ) .
وفي " المسند " (2) عن ابن مسعود قال : إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عُلِّمَ فواتحَ الخيروجوامعه ، أو جوامعَ الخير وفواتحه وخواتمه ، وإنّا كنَّا لا ندري ما نقولُ في صلاتنا حتّى علَّمنا ، فقال : ( قولوا : التحيات لله ) فذكره إلى آخره ، والله أعلم .
آخر الكتاب والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
__________
(1) صحيح البخاري 1/211 ( 831 ) و212 ( 835 ) و8/63 - 64 ( 6230 ) ، وصحيح مسلم 2/14 ( 402 ) ( 55 ) .
(2) مسند الإمام أحمد 1/408 و437 ، وهو حديث صحيح .
● [ تم كتاب جامع العلوم والحكم ] ●
تأليف : إبن رجب الحنبلي
تأليف : إبن رجب الحنبلي