من طرف فريق العمل الأربعاء 9 يناير 2019 - 9:45
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث الثاني والعشرون ] ●
عَنْ جَابِر بنِ عبدِ الله - رضي الله عنهما - : أنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أرأيتَ إذا صَلَّيتُ المَكتُوبَاتِ ، وصُمْتُ رَمَضانَ ، وأَحْلَلْتُ الحَلالَ ، وحَرَّمْتُ الحَرامَ ، ولم أزِدْ على ذلك شيئاً ، أأدخُلِ الجنَّةَ ؟ قالَ : ( نَعَمْ ).
رواهُ مسلم .
الشرح
هذا الحديثُ خرَّجه مسلم(1) من رواية أبي الزبير ، عن جابر ، وزاد في آخره : قالَ : والله لا أزيدُ على ذَلِكَ شيئاً . وخرَّجه أيضاً(2) من رواية الأعمش ، عن أبي صالح ، وأبي سفيان ، عن جابر قالَ : قالَ النعمان بنُ قوقل : يا رسولَ الله ، أرأيت إذا صليتُ المكتوبةَ ، وحرمتُ الحرامَ ، وأحللتُ الحلالَ ولم أزِدْ على ذَلِكَ شيئاً أَأَدخُلُ الجَنَّةَ ؟ قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( نعم ) .
وقد فسَّر بعضُهم تحليلَ الحلالِ باعتقادِ حلِّه ، وتحريمَ الحرامِ باعتقاد حُرمته مع اجتنابه(3) ، ويُحتمل أنْ يراد بتحليل الحلال إتيانُه ، ويكون الحلالُ هاهنا عبارةً عمَّا ليسَ بحرامٍ ، فيدخل فيه الواجبُ والمستحبُّ والمباحُ ، ويكونُ المعنى أنَّه يفعل ما ليس بمحرَّم عليه ، ولا يتعدَّى ما أُبيحَ له إلى غيره ، ويجتنب المحرَّمات . وقد روي عن طائفةٍ من السَّلفِ ، منهم : ابنُ مسعود وابن عباس في قوله - عز وجل - : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } (4) ، قالوا : يُحلُّون حلاله ويحرِّمون حرامَه ، ولا يُحرِّفونه عن مواضِعه(5)
__________
(1) في " صحيحه " 1/33 ( 15 ) ( 18 ) .
(2) في " صحيحه "1/33 ( 15 ) ( 17 ) .
(3) منهم : الشيخ أبو عمرو بن الصلاح . انظر : شرح صحيح مسلم للنووي 1/159 .
(4) البقرة : 121 .
(5) أخرجه : عبد الرزاق في " تفسيره " ( 113 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 1565 ) عن ابن مسعود ، به . = = ... وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 1563 ) ، وابن أبي حاتم في " التفسير " 1/218
( 1157 ) ، والحاكم 2/266 عن ابن عباس ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
والمرادُ بالتحليل والتحريم : فعلُ الحلال واجتنابُ الحرام كما ذُكر في هذا الحديث. وقد قال الله تعالى في حقِّ الكفار الذين كانوا يُغيرون تحريمَ الشُّهور الحُرُم : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ } (1) ، والمراد : أنَّهم كانوا يُقاتلون في الشهر الحرام عاماً ، فيُحلونه بذلك ، ويمتنعون من القتال فيه عاماً ، فيحرِّمونَهُ بذلك(2) .
وقال الله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً } (3) وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهداً في الدنيا وتقشفاً، وبعضهم حرَّم ذلك عن نفسه ، إمَّا بيمينٍ حَلَفَ بها ، أو بتحريمه على نفسه ، وذلك كُلُّه لا يوجبُ تحريمه في نفس الأمر ، وبعضُهم امتنع منه من غير يمينٍ ولا تحريمٍ ، فسمَّى الجميع تحريماً(4) ، حيث قصد الامتناعَ منه إضراراً بالنفس ، وكفاً لها عن شهواتها . ويقال في الأمثال : فلانٌ لا يحلِّلُ ولا يحرِّمُ ، إذا كان لا يمتنع من فعل حرام ، ولا يقفُ عندَ ما أُبيح له ، وإنْ كان يعتقدُ تحريمَ الحرام ، فيجعلون من فَعَلَ الحرامَ ولا يتحاشى منه مُحلِّلاً له ، وإنْ كان لا يعتقد حلّه .
__________
(1) التوبة : 37 .
(2) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 12981 ) عن ابن عباس ، به .
(3) المائدة : 87-88 .
(4) انظر في ذلك : تفسير الطبري ( 9635 ) و( 9636 ) ، وتفسير ابن أبي حاتم ( 6687 ) و( 6689 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وبكلِّ حالٍ ، فهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ من قام بالواجبات ، وانتهى عن المحرَّمات ، دخلَ الجنة ، وقد تواترتِ الأحاديثُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى ، أو ما هو قريبٌ منه ، كما خرَّجهُ النَّسائي ، وابنُ حبان ، والحاكم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما مِنْ عبدٍ يُصلِّي الصلواتِ الخمس ، ويصومُ رمضان ، ويُخرجُ الزَّكاة ، ويجتنبُ الكبائر السَّبعَ ، إلاَّ فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة ، يدخُلُ من أيِّها شاء ) ، ثم تلا : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } (1)(2).
وخرَّج الإمام أحمد(3) والنسائي(4) من حديث أبي أيوب الأنصاري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَنْ عَبدَ الله ، لا يُشركُ به ، وأقامَ الصَّلاةَ ، وآتى الزَّكاة ، وصامَ رمضان ، واجتنبَ الكبائرَ ، فله الجنةُ ، أو دخل الجنة ) .
__________
(1) النساء : 31 .
(2) أخرجه : النسائي في " المجتبى " 5/8 ، وابن حبان ( 1748 ) ، والحاكم 1/316 و262 .
وأخرجه : البخاري في " التاريخ الكبير " 4/266 ، والطبري في " تفسيره " ( 7287 ) ، وابن خزيمة ( 315 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 477 ) ، والبيهقي 10/187 ، وإسناده ضعيف لجهالة صهيب مولى العتواري فقد تفرد بالرواية عنه نعيم المجمر .
(3) المسند 5/413 .
(4) في " المجتبى " 7/88 ، وهو حديث قويٌّ .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " المسند " (1) عن ابنِ عباس : أنَّ ضِمَامَ بنَ ثعلبةَ وفَدَ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر له الصَّلوات الخمس ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، وشرائع الإسلام كلها ، فلمَّا فرغ ، قال : أشهد أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، وسأؤدِّي هذه الفرائض ، وأجتنبُ ما نهيتني عنه ، لا أزيدُ ولا أنقُصُ ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنْ صدقَ دخلَ الجنَّة ) . وخرَّجه الطبراني(2) مِنْ وجهٍ آخرَ ، وفي حديثه قال : والخامسة لا أَرَبَ لي فيها ، يعني : الفواحش ، ثم قال : لأعملنَّ بها ، ومن أطاعني ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لئن صدقَ ، ليدخلنَّ الجنَّة ) .
وفي " صحيح البخاري " (3) عن أبي أيوب : أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أخبرني بعمل يُدخلني الجنَّة ، قال : ( تعبدُ الله لا تُشركُ به شيئاً ، وتقيمُ الصَّلاة ، وتُؤْتِي الزكاةَ ، وتَصِلُ الرَّحم ) . وخرّجه مسلم(4) إلاَّ أنَّ عنده أنَّه قال : أخبرني بعملٍ يُدنيني من الجنَّةِ ويُباعدُني من النَّارِ . وعنده في رواية : فلما أدبرَ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنْ تمسَّك بما أُمِرَ به ، دخلَ الجنَّة ) .
__________
(1) المسند 1/250 و264 و265 ، وهو حديث قويٌّ .
(2) في " الكبير " ( 8151 ) و( 8152 ) ، وفي إسناده مقال .
(3) الصحيح 2/130 ( 1396 ) و8/5-6 ( 5982 ) و8/6 ( 5983 ) .
(4) في " صحيحه " 1/31-32 ( 13 ) ( 14 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " الصحيحين " (1) عن أبي هريرة : أنَّ أعرابياً قال : يا رسول الله ، دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه دخلتُ الجنَّة ، قال : ( تعبدُ الله لا تُشركُ به شيئاً ، وتقيمُ الصَّلاةَ المكتوبة ، وتؤدِّي الزكاةَ المفروضة ، وتصومُ رمضانَ ) ، قال : والذي بعثك بالحقِّ ، لا أزيدُ على هذا شيئاً أبداً ولا أَنْقُصُ منه ، فلمَّا ولَّى ، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَن سرَّه أنْ ينظرَ إلى رجلٍ من أهلِ الجنَّة ، فلينظر إلى هذا ) .
وفي " الصحيحين " (2) عن طلحة بنِ عُبَيد الله : أنَّ أعرابياً جاء إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثائرَ الرأس ، فقال : يا رسولَ الله ، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصَّلاةِ ؟ فقالَ : ( الصلوات الخمس ، إلا أنْ تَطوَّع شيئاً ) ، فقالَ : أخبرني بما فرض الله عليَّ منَ الصِّيامِ ؟ فقال : ( شهر رمضان ، إلا أنْ تطوَّع شيئاً ) فقال : أخبرني بما فرض الله عليَّ منَ الزَّكاة ؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام ، فقال : والذي أكرمك(3) بالحقِّ ، لا أتطوَّعُ شيئاً ولا أنقصُ ممَّا فرضَ الله عليَّ شيئاً ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفلحَ إنْ صدق ، أو دخل الجنَّة إنْ صدق ) ولفظه للبخاري .
وفي " صحيح مسلم " (4) عن أنس : أنَّ أعرابياً سألَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكره بمعناه ، وزاد فيه : ( حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ) فقال : والذي بعثك بالحقِّ لا أزيد عليهن ولا أنقُصُ منهن ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لئنْ صدَقَ ليَدْخُلَنَّ الجنَّة ) .
__________
(1) صحيح البخاري 2/130-131 ( 1397 ) ، وصحيح مسلم 1/33 ( 14 ) ( 15 ) .
(2) صحيح البخاري 1/18 ( 46 ) ، وصحيح مسلم 1/31 ( 11 ) ( 9 ) .
(3) في ( ص ) : ( بعثك ) .
(4) الصحيح 1/31 ( 12 ) ( 10 ) و1/31 ( 12 ) ( 12 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومراد الأعرابي أنَّه لا يزيدُ على الصلاة المكتوبة ، والزكاة المفروضة ، وصيام رمضان ، وحجِّ البيت شيئاً من التطوُّع ، ليس مرادُه أنَّه لا يعمل بشيءٍ من شرائعٍ الإسلام وواجباته غير ذلك ، وهذه الأحاديثُ لم يذكر فيها اجتناب المحرَّمات ؛ لأنَّ السائل إنَّما سأله عَنِ الأعمال التي يدخل بها عامِلُها الجنَّة .
وخرَّج الترمذي(1) من حديث أبي أُمامة قال : سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخطُبُ في حجَّةِ الوداع يقول : ( أيُّها النَّاس ، اتَّقوا الله ، وصلُّوا خمسَكم ، وصُوموا شهركم ، وأدُّوا زكاةَ أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنَّة ربكم ) وقال : حسن صحيح ، وخرَّجه الإمام أحمد(2) ، وعنده : ( اعبدوا ربكم ) بدل قوله: ( اتقوا الله ) . وخرَّجه بقي بن مخلد في " مسنده " من وجه آخر ، ولفظ حديثه : ( صلُّوا خمسَكم ، وصوموا شهرَكم ، وحُجُّوا بيتكم ، وأدُّوا زكاة أموالكم ، طيِّبةً بها أنفسكم ، تدخلوا جنَّة ربِّكم )(3) .
وخرَّج الإمام أحمد(4) بإسناده عن ابنِ المنتفق ، قال : أتيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفات ، فقلت : ثنتان أسألُك عنهما : ما يُنجيني من النار ، وما يُدخلني الجنَّة ؟ قالَ : ( لئن كنتَ أوجزتَ في المسألة لقد أعظمتَ وأطولت ، فاعقل عني إذن : اعبد الله لا تشرك به شيئاً وأقم الصَّلاة المكتوبةَ ، وأدِّ الزَّكاةَ المفروضةَ ، وصُمْ رمضان، وما تُحِبُّ أنْ يفعله بكَ النَّاسُ، فافعله بهم ، وما تكره أنْ يأتي إليك الناس ، فذرِ الناس منه ) .
__________
(1) الجامع الكبير ( 616 ) .
(2) في " مسنده " 5/251 .
(3) أخرجه : أحمد 5/262 .
(4) في " مسنده " 3/472 و6/383 ، وإسناده ضعيف .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي روايةٍ له أيضاً قال : ( اتَّقِ الله ، لا تشركْ به شيئاً ، وتُقيم الصَّلاة ، وتُؤتِي الزَّكاة ، وتحجّ البيت ، وتصوم رمضان ، ولم تَزِدْ على ذلك ) وقيل : إنَّ هذا الصحابي هو وافد بني المنتفق ، واسمه لقيط(1) .
فهذه الأعمال أسبابٌ مقتضية لدخول الجنَّة ، وقد يكونُ ارتكابُ المحرَّمات موانع ، ويدلُّ على هذا ما خرَّجه الإمام أحمد(2) من حديث عمرو بن مرَّة الجهني ، قال : جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسولَ الله ، شهدتُ أنْ لا إله إلاَّ الله ، وأنَّك رسولُ الله ، وصلَّيتُ الخمس ، وأدَّيتُ زكاةَ مالي ، وصُمْتُ شهرَ رمضانَ ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من مات على هذا ، كان مع النبيِّين والصدِّيقينَ والشهداءِ(3) يومَ القيامة هكذا - ونَصَبَ أصبعيه - ما لم يَعُقَّ والديه ) .
__________
(1) ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث ونسبه إلى عبد الله بن المنتفق اليشكري وكذا قال أبو نعيم الأصبهاني . انظر : معرفة الصحابة 3/246 ( 1769 ) ، والاستيعاب 3/998 ، والإصابة 3/296 ( 4980 ) .
(2) كما في " إتحاف المهرة " 12/526 ( 16033 ) ، وأطراف المسند 5/154 ( 6843 ) حيث إن هذا الحديث سقط من مطبوع المسند للإمام أحمد . قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 8/147 : ( رواه أحمد والطبراني بإسنادين ورجال أحد إسنادي الطبراني رجال الصحيح ) .
(3) زاد بعدها في ( ص ) : ( والصالحين ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد ورد ترتُّب(1) دخولِ الجنة على فعلِ بعض هذه الأعمال كالصَّلاةِ ، ففي الحديث المشهور : ( من صلَّى الصلواتِ لوقتِها ، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَهُ الجنّة ) . وفي الحديث الصحيح : ( من صَلَّى البَرْدَينِ دخل الجنة ) ، وهذا كلُّه من ذكر السبب المقتضي الذي لا يعمل عمله(2) إلاَّ باستجماع شروطه، وانتفاء موانعه؛ ويدلُّ على هذا ما خرَّجه الإمام أحمد(3) عن بشير بنِ الخَصاصِيةِ ، قالَ : أتيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لأبايِعَه ، فشرط عليَّ شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنْ أُقيمَ الصَّلاةَ ، وأنْ أُوتي الزكاة ، وأنْ أحجَّ حجة الإسلام ، وأنْ أصومَ رمضان ، وأنْ أُجاهِد في سبيل الله ، فقلتُ : يا رسول الله أما اثنتان فوالله ما أُطيقُهُما : الجهاد والصَّدقةُ ، فقبضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدَهُ ، ثمَّ حَرَّكَها ، وقال : ( فلا جهادَ ولا صدقةَ ؟ فبِمَ تدخلُ الجنَّة إذاً ؟ ) قلتُ : يا رسول الله أنا أُبايعُك ، فبايعتُه عليهنَّ كُلَّهنَّ . ففي هذا الحديث أنَّه لا يكفي في دخول الجنَّة هذه الخصالُ بدون الزكاة والجهاد .
__________
(1) في ( ص ) : ( ترتيب ) .
(2) في ( ص ) : ( عليه ) .
(3) في " مسنده " 5/224 ، وإسناده ضعيف لجهالة أبي المثنى العبدي مؤثر بن عَفاذة فقد تفرد بالرواية عنه جبلة بن سحيم .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنَّ ارتكاب بعضِ الكبائر يمنع دخولَ الجنَّة ، كقوله: ( لا يدخل الجَنَّةَ قاطع )(1)، وقوله : ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرَّةٍ من كِبْر )(2)، وقوله: ( لا تدخلوا الجنة حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤْمِنوا حتَّى تحابُّوا )(3) والأحاديث التي جاءت في منع دخول الجنَّة بالدَّينِ حتى يُقضى ، وفي الصَّحيح : ( أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراطَ ، حُبِسُوا على قنطرة يقتصُّ منهم مظالمُ كانت بينهم في الدنيا ) (4) .
وقال بعض السَّلف : إنَّ الرجل ليُحبَسُ على باب الجنَّةِ مئة عام بالذنب كان يعملُه في الدنيا(5) . فهذه كُلُّها موانع .
ومن هنا يظهرُ معنى الأحاديث التي جاءت في ترتيب دخول الجنَّة على مجرَّد التوحيد ، ففي " الصحيحين " (6) عن أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ما مِنْ عبدٍ قال : لا إله إلاَّ الله ، ثمَّ مات على ذلك إلاَّ دخل الجنَّة ) ، قلت : وإنْ زنى وإنْ سرق ؟! قالَ : ( وإنْ زنى وإنْ سرق ) ، قالها ثلاثاً ، ثم قال في الرابعة : ( على رغم أنف أبي ذرٍّ ) ، فخرج أبو ذرٍّ ، وهو يقول : وإنْ رغم أنفُ أبي ذرٍّ .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/6 ( 5984 ) ، ومسلم 8/7 ( 2556 ) ( 18 ) من حديث جبير بن مطعم .
(2) أخرجه : أحمد 1/412 و416 ، ومسلم 1/65 ( 91 ) ( 148 ) ، وأبو داود ( 4091 ) من حديث عبد الله بن مسعود .
(3) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 25742 ) ، وأحمد 2/391 ، ومسلم 1/53 ( 54 ) ( 94 ) من حديث أبي هريرة .
(4) أخرجه : البخاري 3/167 ( 2440 ) و8/138 ( 6535 ) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً .
(5) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 35416 ) من قول أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي .
(6) صحيح البخاري 7/192-193 ( 5827 ) ، وصحيح مسلم 1/66 ( 94 ) ( 154 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفيهما(1) عن عُبادة بنِ الصامت ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ شهد أنْ لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ له ، وأنَّ محمداً عبده ورسولُه ، وأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه ، وأنَّ الجنَّةَ حقٌّ ، والنَّارَ حقٌّ ، أدخله الله الجنَّة على ما كان من عملٍ ) .
وفي " صحيح مسلم " (2) عن أبي هريرة ، أو أبي سعيد - بالشَّكِّ - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله ، لا يلقى الله بهما عَبْدٌ غيرَ شاك ، فيُحْجَبُ عن الجنَّة ) .
وفيه(3) عن أبي هُريرة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له يوماً : ( مَنْ لَقِيتَ يشهد أنْ لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبُه ، فبشِّره بالجنَّة ) وفي المعنى أحاديث كثيرة جداً .
وفي " الصحيحين " (4) عن أنس : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يوماً لمعاذ : ( ما مِنْ عبدٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً عبدُه ورسوله إلاَّ حرَّمه الله على النار ) .
وفيهما(5) عن عِتبان بن مالك ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله قد حرَّم على النَّارِ مَنْ قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بها وجه اللهِ ) .
__________
(1) صحيح البخاري 4/201 ( 3435 ) ، وصحيح مسلم 1/42 ( 28 ) ( 46 ) .
(2) الصحيح 1/41 ( 27 ) ( 45 ) .
(3) الصحيح 1/43 ( 31 ) ( 52 ) .
(4) صحيح البخاري 1/44 ( 128 ) ، وصحيح مسلم 1/44 ( 32 ) ( 53 ) .
(5) صحيح البخاري 1/115-116 ( 425 ) ، وصحيح مسلم 1/44 ( 33 ) ( 54 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
فقال طائفةٌ من العلماء : إنَّ كلمة التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة وللنجاة مِنَ النَّارِ ، لكن له شروطٌ ، وهي الإتيانُ بالفرائضِ ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائر . قال الحسن للفرزدق : إنَّ لـ ( لا إله إلا الله ) شروطاً ، فإيَّاكَ وقذفَ المحصنة(1) . ورُوي عنه أنَّه قال : هذا العمودُ ، فأين الطُّنُبُ(2) ، يعني : أنَّ كلمةَ التوحيد عمودُ الفسطاط ، ولكن لا يثبتُ الفسطاطُ بدون أطنابه ، وهي فعلُ الواجبات ، وتركُ المحرَّمات .
وقيل للحسن : إنَّ ناساً يقولون : من قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنَّة ، فقال : من قال : لا إله إلا الله ، فأدَّى حقَّها وفرضها ، دخلَ الجنَّةَ(3) .
وقيل لوهب بنِ مُنبِّه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة ؟ قال : بلى ؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان ، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك ، وإلاَّ لم يفتح لك(4).
ويشبه هذا ما رُوِيَ عن ابنِ عمر : أنَّه سُئِلَ عن لا إله إلا الله : هل يضرُّ معها عملٌ ، كما لا ينفع مع تركها عملٌ ؟ فقالَ ابن عمر : عش ولا تغتر(5) .
__________
(1) ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 4/584 .
(2) الطنب : جمعها أطناب وطنبة ، قال ابن سيده : الطنب حبل طويل يشد به البيت والسرادق بين الأرض والطرائق ، وقيل : ( هو الوتد ) . انظر : لسان العرب 8/205 ( طنب ) .
(3) انظر : شرح صحيح مسلم للنووي 1/200 .
(4) أخرجه : البخاري في " التاريخ الكبير " 1/98 ( 261 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 4/66 .
(5) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20553 ) ، وعبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 923 ) ، وابن الجعد في " مسنده " ( 3381 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/311 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقالت طائفةٌ – منهم : الضحاكُ والزهري - : كانَ هذا قبلَ الفرائض والحدود(1) ، فمِنْ هؤلاء مَنْ أَشار إلى أنَّها نُسِخَتْ ، ومنهم من قالَ : بل ضُمَّ إليها شروطٌ زيدت عليها ، وزيادة الشرط هل هي نسخ أم لا ؟ فيه خلاف مشهور بين الأصوليين ، وفي هذا كلِّه نظرٌ ، فإنَّ كثيراً مِنْ هذه الأحاديث متأخر بعدَ الفرائض والحدود .
وقال الثوري : نسختها الفرائضُ والحدودُ ، فيحتمل أنْ يكونَ مرادُه ما أراده هؤلاء ، ويحتمل أنْ يكون مرادُه أنَّ وجوبَ الفرائض والحدود تبين بها أنَّ عقوبات الدنيا لا تسقُطُ بمجرَّدِ الشهادتين ، فكذلك عقوباتُ الآخرة ، ومثل هذا البيان
وإزالة الإيهام كان السَّلفُ يُسَمُّونه نسخاً ، وليس هو بنسخ في الاصطلاح المشهور .
وقالت طائفة : هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأنْ يقولها بصدقٍ وإخلاصٍ ، وإخلاصُها وصدقُها يمنع الإصرارَ معها على معصية(2) .
وجاء من مراسيل الحسن ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( من قال : لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنَّة ) قيل : وما إخلاصها ؟ قال : ( أنْ تحجُزَكَ عمَّا حرَّم الله )(3) . وروي ذلك مسنداً من وجوه أخرَ ضعيفة(4)
__________
(1) انظر في ذلك : الزهد لعبد الله بن المبارك ( 921 ) ، وشرح صحيح مسلم للنووي 1/200 .
(2) انظر : شرح صحيح مسلم 1/200 و201 .
(3) لم نقف عليه في مظانه . وذكره الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " 3/16 ، والقرطبي في " تفسيره " 10/60 .
وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أرقم مرفوعاً مسنداً .
أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 5074 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 9/254 .
(4) في إسناده الهيثم بن جماز . سئل عنه أحمد بن حنبل فقال : ( كان منكر الحديث ترك حديثه ) ، وعن يحيى بن معين قال : ( كان قاصاً بالبصرة ضعيف ) ، وعن أبي حاتم الرازي قال : ( ضعيف الحديث منكر الحديث ) ، وعن أبي زرعة قال : ( ضعيف ) .
انظر : الجرح والتعديل 9/102 ( 330 ) .
وأخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 1257 ) ، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمان بن غزوان . قال عنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/18 : ( وضاع ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
ولعل الحسن أشار بكلامه الذي حكيناه عنه من قبلُ إلى هذا فإنَّ تحقق القلب بمعنى ( لا إله إلا الله ) وصدقه فيها ، وإخلاصه بها يقتضي أنْ يرسخَ فيه تألُّهُ الله وحده ، إجلالاً ، وهيبةً ، ومخافةً ، ومحبَّةً ، ورجاءً ، وتعظيماً ، وتوكُّلاً ، ويمتلئَ بذلك، وينتفيَ عنه تألُّه ما سواه من المخلوقين ، ومتى كان كذلك ، لم يبقَ فيه محبَّةٌ، ولا إرادةٌ ، ولا طلبٌ لغير ما يُريدُهُ الله ويحبُّه ويطلبه ، وينتفي بذلك مِنَ القلب جميعُ أهواءِ النُّفوس وإراداتها ، ووسواس الشيطان ، فمن أحب شيئاً وأطاعه ، وأحبَّ عليه وأبغض عليه ، فهو إلههُ ، فمن كان لا يحبُّ ولا يبغضُ إلا لله ، ولا يُوالي ولا يُعادي إلا له ، فالله إلههُ حقاً ، ومن أحبَّ لهواه ، وأبغض له ، ووالى عليه ، وعادى عليه ، فإلهه هواه ، كما قال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } (1) قالَ الحسن : هوَ الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه(2) . وقال قتادة : هوَ الذي كلما هَوِيَ شيئاً ركبه ، وكلما اشتهى شيئاً أتاه ، لا يَحجزُه عن ذلك ورعٌ ولا تقوى(3) . ويُروى من حديث أبي أمامة مرفوعاً ( ما تحتَ ظلِّ السماء إلهٌ يُعبد أعظم عندَ الله من هوى متَّبع )(4) .
__________
(1) الجاثية : 23 .
(2) ذكره القرطبي في " تفسيره " 13/31 .
(3) أخرجه : عبد الرزاق في " التفسير " ( 2831 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 24134 ) .
(4) أخرجه : ابن أبي عاصم في " السنة " ( 3 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 7502 ) ، وابن عدي في " الكامل " 3/126 ، وأبو نعيم في " الحلية " 6/118 ، وابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1616 ) وهو حديث موضوع ، وإسناده مسلسل بالمتروكين .
● [ الصفحة التالية ] ●
وكذلك مَنْ أطاعَ الشيطان في معصية الله ، فقد عبده ، كما قال الله - عز وجل - : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } (1) .
فتبيَّن بهذا أنَّه لا يصحُّ تحقيقُ معنى قولِ : لا إله إلا الله ، إلاَّ لمن لم يكن في قلبه إصرارٌ على محبة ما يكرهه الله ، ولا على إرادة ما لا يُريده الله ، ومتى كان في القلب شيءٌ مِنْ ذلك ، كان ذلك نقصاً في التوحيد ، وهو مِنْ نوع الشِّرك الخفيِّ . ولهذا قال مجاهدٌ في قوله تعالى : { أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } (2) قال : لا تحبُّوا غيري .
وفي " صحيح الحاكم " (3) عن عائشة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( الشِّركُ أخفى من دبيب الذَّرِّ على الصَّفا في الليلة الظَّلماء ، وأدناه أنْ تُحِبَّ على شيءٍ مِنَ الجَوْرِ ، وتُبغِضَ على شيءٍ مِنَ العدل ، وهل الدِّينُ إلا الحبّ والبغض ؟ قال الله - عز وجل - : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } (4) . وهذا نصٌّ في أنَّ محبةَ ما يكرهه الله ، وبغضَ ما يُحبه متابعةٌ للهوى ، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفيّ .
__________
(1) يس : 60 .
(2) الأنعام : 151 .
(3) المستدرك 2/191 .
وأخرجه : ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 3399 ) ، أبو نعيم في "حلية الأولياء" 9/253 ، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " 2/339 ، وإسناده ضعيف فيه عبد الأعلى بن أعين قال أبو زرعة الرازي : ( هذا حديث منكر وعبد الأعلى منكر الحديث ضعيف ) كما في " تفسير ابن أبي حاتم " .
(4) آل عمران : 31 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج ابن أبي الدُّنيا من حديث أنس مرفوعاً : ( لا تزالُ لا إله إلا الله تمنعُ العبادَ مِنْ سخط الله ، ما لم يُؤْثِروا دُنياهم على صَفقةِ دينهم ، فإذا آثرُوا صفقةَ دُنياهم على دينهم ، ثم قالوا : لا إله إلا الله رُدَّتْ عليهم ، وقال الله : كذبتم )(1) .
فتبيَّن بهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من شهد أنْ لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرَّمه الله على النار ) ، وأنَّ من دخل النارَ من أهل هذه الكلمة ، فَلِقِلَّةِ صدقه في قولها ، فإنَّ هذه الكلمة إذا صدقت ، طهَّرت من القلب كلَّ ما سوى الله ، فمن صدق في قوله : لا إله إلا الله ، لم يُحبَّ سواه ، ولم يَرْجُ إلاَّ إيَّاه ، ولم يخشَ أحداً إلاَّ الله ، ولم يتوكَّل إلاَّ على الله ، ولم تبقَ له بقيَّةٌ من آثار نفسه وهواه ، ومتى بقي في القلب أثرٌ لسوى الله ، فمن قلَّة الصدق في قولها .
نارُ جهنَّم تنطفىء بنور إيمان الموحدين ، كما في الحديث المشهور : ( تقول النار للمؤمن : جُزْ يا مؤمنُ ، فقد أطفأ نورُك لهبي )(2) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (3)
__________
(1) أخرجه : أبو يعلى ( 4034 ) ، وإسناده ضعيف جداً لضعف حسين بن علي بن الأسود وعمر بن حمزة العمري .
وأخرجه : العقيلي 2/297 من حديث أبي هريرة ، وسنده ضعيف لضعف عبد الله بن محمد ابن عجلان .
(2) أخرجه : الطبراني في " الكبير " 22/( 668 ) ، وابن عدي في " الكامل " 8/131 ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 9/329 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 375 ) ، وهو حديث ضعيف .
(3) المسند 3/328 .
وأخرجه : الحارث في " مسنده " كما في " بغية الباحث " ( 1127 ) ، وعبد بن حميد ( 1106 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 370 ) ، وهو حديث ضعيف .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن جابرٍ ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يبقى برٌّ ولا فاجر إلاّ دخلها ، فتكونُ على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم ، حتى أنَّ للنار ضجيجاً من بردهم ) .
فهذا ميراثٌ وَرِثَه المؤمنون من حال إبراهيم - عليه السلام - ، فنارُ المحبة في قلوب المؤمنين تخافُ منها نارُ جهنم . قال الجنيد : قالت النار : يا ربِّ ، لو لم أُطِعك ، هل كنت تُعذِّبني بشيءٍ هو أشدُّ مني ؟ قالَ : نعم ، كنتُ أسلط عليك نارِي الكبرى ، قالت : وهل نارٌ أعظم مني وأشدُّ ؟ قال : نعم ، نار محبتي أسكنتُها قلوبَ أوليائي المؤمنين . وفي هذا يقول بعضهم :
ففي فؤادِ المُحِبِّ نارُ هوى . أحرُّ نارِ الجحيم أبردُهَا
ويشهد لهذا المعنى حديثُ معاذ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ كان آخِرَ كلامِهِ لا إله إلا الله ، دخل الجنَّة )(1) ، فإنَّ المحتضرَ لا يكادُ يقولُها إلاَّ بإخلاصٍ ، وتوبةٍ ، وندمٍ على ما مضى ، وعزم على أنْ لا يعودَ إلى مثله ، ورجح هذا القولَ الخطابيُّ في مصنَّفٍ له مفرد في التوحيد ، وهو حسن .
__________
(1) أخرجه : أحمد 5/233 ، أبو داود ( 3116 ) ، وابن منده ( 113 ) ، والحاكم 1/351 و500 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 9234 ) وفي " الاعتقاد " ، له : 37 ، وهو حديث صحيح .
● [ تم شرح الحديث ] ●
جامع العلوم والحكم
لإبن رجب الحنبلي
منتدى ميراث الرسول . البوابة