الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر
فريق العمل- Admin
- المساهمات : 2671
تاريخ التسجيل : 22/12/2013
- مساهمة رقم 1
الأحاديث: الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر
عَنِ الحَسَنِ بن علي سِبْطِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ورَيحَانَتِهِ - رضي الله عنه - قال : حَفِظْتُ مِنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( دَعْ ما يريبُكَ إلى ما لاَ يرِيبُكَ ).
الشرح
فريق العمل- Admin
- المساهمات : 2671
تاريخ التسجيل : 22/12/2013
- مساهمة رقم 2
الحديث الثاني عشر
عَنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ ).
حديثٌ حَسَنٌ ، رَوَاهُ التِّرمذيُّ وغَيرُهُ .
الشرح
هذا الحديث خرَّجه الترمذي(1) ، وابن ماجه(2) من رواية الأوزاعي ، عن قُرَّةَ ابنِ عبد الرحمان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، وقال الترمذي : غريب(3) ، وقد حسّنه الشيخ المصنف رحمه الله ؛ لأنَّ رجال إسناده ثقات ، وقرة ابن عبد الرحمان بن حيويل(4) وثقة قوم وضعفه آخرون(5)
__________
(1) في " الجامع الكبير " ( 2317 ) .
(2) في " سننه " ( 3976 ) .
وأخرجه : ابن حبان ( 229 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 361 ) ، وابن عدي في "الكامل" 5/454-455 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 192 ) ، والبغوي ( 4132 ) من حديث أبي هريرة ، به .
(3) ذكره في " الجامع الكبير " عقب حديث ( 2317 ) ، وانظر : تحفة الأشراف 10/432 ( 1534 ) .
(4) قال ابن حجر في " التقريب " ( 5541 ) : ( بمهملة مفتوحة ثم تحتانية ، وزن جبريل ) .
(5) من الذين وثقوه : الأوزاعي ، قال عنه : ( ما أحد أعلم بالزهري من قرة بن عبد الرحمان بن حيويل ) . انظر : الجرح والتعديل 7/177 ( 2295 ) .
ومن الذين ضعفوه : الإمام أحمد بن حنبل ، قال عنه : ( منكر الحديث جداً ) ، وقال يحيى بن معين : ( ضعيف الحديث ) ، وقال أبو زرعة : ( الأحاديث التي يرويها مناكير ) ، وقال أبو حاتم : ( ليس بقوي ) . انظر : الجرح والتعديل 7/177 ( 2295 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●، وقال ابنُ عبد البرِّ(1) : هذا الحديثُ محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات ، وهذا موافق لتحسين الشيخ له ، وأما أكثر الأئمة ، فقالوا : ليس هو محفوظاً بهذا الإسناد وإنَّما هو محفوظٌ عن الزهري ، عن عليّ بن حسين ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً(2) ، كذلك رواه الثقات عن الزهري ، منهم : مالك في " الموطأ " (3) ، ويونس ، ومعمر ، وإبراهيم ابن سعد إلا أنَّه قال : ( من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه )(4) وممن قال : إنَّه لا يصح إلا عن عليّ بن حسين مرسلاً الإمام أحمد ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، والدارقطني(5) ، وقد خلط الضعفاءُ في إسناده عن الزهري تخليطاً فاحشاً ، والصحيح فيه المرسل ، ورواه عبد الله(6) بن عمر(7) العمري ، عن الزهري ، عن عليِّ بن حسين ، عن أبيه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فوصله وجعله من مسند الحسين بن عليٍّ ، وخرَّجه الإمامُ أحمد في "
__________
(1) كلام ابن عبد البر هذا لم أجده في " التمهيد " .
(2) أخرجه : مالك في " الموطأ " ( 2628 ) برواية الليثي ، والبخاري في " التاريخ الكبير " 4/188 ، والترمذي ( 2318 ) ، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل " ( 90 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 8/249 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 193 ) ، والبغوي ( 4133 ) من طرق عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، مرسلاً .
(3) الموطأ ( 2628 ) برواية الليثي .
(4) عن يونس ، أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20617 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 193 ) ، وأما إبراهيم بن سعد فلم أقف له على رواية ، والله أعلم.
(5) لم أجد كلام الإمام أحمد ، ويحيى بن معين . وكلام البخاري في " التاريخ الكبير " 4/188 ، وكلام الدارقطني في " العلل " 3/108 ( 310 ) .
(6) في ( ص ) : ( ورواه عبد الرحمان وعبد الله ) .
(7) تحرف في ( ج ) إلى : ( عمرو ) والصواب ما أثبته . انظر : الجرح والتعديل 5/131 ( 499 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●مسنده " من هذا الوجه(1) ، والعمري ليس بالحافظ(2) ، وخرَّجه أيضاً من وجه آخر عن الحسين ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (3)، وضعفه البخاري في
" تاريخه " من هذا الوجه أيضاً ، وقال : لا يصحُّ إلا عن عليِّ بن حسين مرسلاً(4) ، وقد روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أخر وكُلُّها ضعيفة .
وهذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول الأدب ، وقد حكى الإمامُ أبو عمرو بن الصلاح ، عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنَّه قال : جماعُ آداب(5) الخير وأزمته تتفرَّعُ من أربعة أحاديث : قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ كَانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر فليَقُلْ خيراً أو ليَصْمُتْ ) (6) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( مِنْ حُسْنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعْنِيهِ ) (7) ، وقوله للذي اختصر له في الوصية : ( لا تَغْضَبْ(8) ) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المُؤْمِنُ يُحبُّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه )(9) .
__________
(1) في " مسنده " 1/201 ، وسبق تخريجه موسعاً .
(2) قال أحمد بن حنبل : ( صالح لا بأس به ، قد روي عنه ، ولكن ليس مثل عبيد الله ) ، وقال يحيى بن معين : ( صويلح ) . انظر : الجرح والتعديل 5/131 ( 499 ) ، وقال الذهبي : ( صدوق في حفظه شيء ) ، وقال ابن المديني : ( عبد الله ضعيف ) ، وقال ابن حبان = = ... : ( كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة ، حتى غفل عن حفظ الأخبار، وجودة الحفظ للآثار، فلما فحش خطؤه : استحق الترك ) . انظر : ميزان الاعتدال 2/465 ( 4472 ) .
(3) من قوله : ( وجعله من مسند الحسين … ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(4) انظر : التاريخ الكبير 4/188 .
(5) سقطت من ( ص ) .
(6) سيأتي تخريجه عند الحديث الخامس عشر .
(7) سبق تخريجه .
(8) سيأتي تخريجه عند الحديث السادس عشر .
(9) سيأتي تخريجه عند الحديث الثالث عشر .
● [ الصفحة التالية ] ●ومعنى هذا الحديث : أنَّ مِنْ حسن إسلامه تَركَ ما لا يعنيه من قولٍ وفعلٍ ، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى يعنيه : أنْ تتعلق عنايتُه به ، ويكونُ من مقصده ومطلوبه ، والعنايةُ : شدَّةُ الاهتمام بالشيء ، يقال : عناه يعنيه : إذا اهتمَّ به وطلبه ، وليس المُراد أنَّه يترك ما لا عناية له به ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس ، بل بحكم الشرع والإسلام ، ولهذا جعله من حسن الإسلام ، فإذا حَسُنَ إسلامُ المرء ، ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال ، فإنَّ الإسلامَ يقتضي فعل الواجبات كما سبق ذكره في شرح حديث جبريل - عليه السلام - .
وإنَّ الإسلام الكاملَ الممدوحَ يدخل فيه تركُ المحرمات ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ) (1)
__________
(1) أخرجه : أحمد 2/379 ، والترمذي ( 2627 ) ، والنسائي 8/104-105 ، وابن حبان ( 180 ) ، والحاكم 1/10 من طرق عن أبي هريرة ، به .
وأخرجه: البخاري 1/9 ( 10 ) ، ومسلم 1/47 ( 40 ) ( 64 ) ، وأبو داود ( 2481 ) ، وابن حبان ( 196 ) من طرق عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، به .
وأخرجه : الطيالسي ( 1777 ) ، وأحمد 3/372 ، ومسلم 1/48 ( 41 ) ( 65 ) ، وابن حبان ( 197 ) من طرق عن جابر بن عبد الله ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●، وإذا حسن الإسلامُ ، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات ، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإنَّ هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامهُ ، وبلغ إلى درجة الإحسان ، وهو أنْ يَعْبُدَ الله تعالى كأنَّه يراه ، فإنْ لم يكن يراه ، فإنَّ الله يراه ، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه ، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه ، فقد حسن إسلامه ، ولزم من ذلك أنْ يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام ، ويشتغل بما يعنيه فيه ، فإنَّه يتولَّدُ من هذين المقامين الاستحياءُ من الله وترك كلِّ ما يُستحيى منه ، كما وصَّى - صلى الله عليه وسلم - رجلاً أنْ يستحيي من الله كما يستحيي من رجل من صالحي عشيرته لا يُفارقه.
وفي " المسند " والترمذي عن ابن مسعود مرفوعاً : ( الاستحياء من الله تعالى أنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وما حَوَى ، وتَحفَظَ البَطنَ وما وَعَى ، ولْتَذْكُرِ الموتَ والبِلى(1) ، فمن فَعَل ذلك ، فقد استحيَى من الله حقَّ الحياء )(2) .
قال بعضهم : استحي من الله على قدر قربه منك ، وخَفِ الله على قدر قدرته عليك .
وقال بعضُ العارفين : إذا تكلمتَ فاذْكُر سَمعَ اللهِ لك ، وإذا سكتَّ فاذكر نظره إليك(3).
__________
(1) ج ) : ( ولتذكر الموت والبلى ) .
(2) أخرجه : أحمد 1/387 ، والترمذي ( 2458 ) . = = ... وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 34320 ) ، وأبو يعلى ( 5047 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 10290 ) ، والحاكم 4/323 ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 4/209 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 7730 ) و( 10561 ) ، وإسناده ضعيف لضعف الصباح بن محمد ، وقد تفرد به مرفوعاً ، والحديث معلول بالوقف .
(3) روي هذا القول عن أحمد بن منيع ، وروي عن الربيع بن خثيم ، وروي عن حاتم الأصم . انظر : سير أعلام النبلاء 11/485 ، وصفة الصفوة 3/68 و4/162.
● [ الصفحة التالية ] ●وقد وقعتِ الإشارةُ في القرآن العظيم إلى هذا المعنى في مواضع كثيرة (1): كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (2) ، وقوله تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (3) ، وقال تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } (4) .
وأكثر ما يُراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام كما أشير إلى ذلك في الآيات الأولى التي هي في سورة ( ق ) .
وفي " المسند " من حديث الحسين ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ من حُسْنِ إسلام المَرءِ قِلَّةَ الكَلامِ فيما لا يَعنيه )(5) .
وخرَّج الخرائطي(6) من حديث ابن مسعود قال : أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجل ، فقال : يا رسول الله إني مطاعٌ في قومي فما آمرهم ؟ قال له : ( مُرْهُم بإفشاء السَّلام ، وقِلَّةِ الكلام إلا فيما يعنيهم ) .
__________
(1) كثيرة ) سقطت من ( ج ) .
(2) ق : 16-18 .
(3) يونس : 61 .
(4) الزخرف : 80 .
(5) سبق تخريجه .
(6) في " مكارم الأخلاق " ( 196 ) ، وإسناده ضعيف جداً ؛ فإنَّ السري بن إسماعيل الكوفي متروك .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " صحيح ابن حبان "(1) عن أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كان في صحف إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسلام : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أنْ تكونَ له ساعات : ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه ، وساعةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسه ، وساعةٌ يتفكَّرُ فيها في صُنع الله ، وساعةٌ يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أنْ لا يكون ظاعناً إلا لثلاث : تزوُّدٍ لمعاد ، أو مَرَمَّةٍ لمعاشٍ ، أو لذَّةٍ في غير محرَّم ، وعلى العاقل أنْ يكونَ بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، ومَنْ حَسَب كلامَه من عمله قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه ) .
وقال عمر بنُ عبد العزيز - رَحِمه الله - : من عدَّ كلامه من عمله ، قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه(2) . وهو كما قال ؛ فإنَّ كثيراً من الناس لا يعدُّ كلامَه من عمله ، فيُجازف فيه ، ولا يتحرَّى ، وقد خَفِيَ هذا على معاذ بن جبل حتى سأل عنه النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنؤاخذ بما نتكلَّمُ به ؟ قال : ( ثَكِلَتكَ أُمُّك يا معاذ ، وهل يكبُّ الناسَ على مناخرهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم )(3) .
وقد نفى الله الخير عن كثيرٍ مما يتناجى به الناسُ بينهم ، فقال : { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس } (4) .
وخرَّج الترمذي(5) ، وابن ماجه(6)
__________
(1) في " الإحسان " ( 361 ) ، وإسناده ضعيف جداً ؛ فإنَّ في سنده إبراهيم بن هشام متروك .
(2) أخرجه : ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 48/117 .
(3) سيأتي تخريجه عند الحديث التاسع والعشرين .
(4) النساء : 114 .
(5) في " الجامع الكبير " ( 2412 ) .
(6) في " سننه " ( 3974 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأخرجه : عبد بن حميد ( 1554 ) ، والبخاري في" التاريخ الكبير " 1/258-259
( 837 ) ، وأبو يعلى ( 7132 ) و( 7134 ) ، والطبراني في " الكبير " 23/( 484 ) ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " ( 5 ) ، والحاكم 2/512-513 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 305 ) ، وإسناده ضعيف لجهالة أم صالح .
● [ الصفحة التالية ] ●من حديث أمِّ حبيبة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كلُّ(1) كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمرَ بالمعروفِ ، والنهيَ عن المنكر ، وذكر الله - عز وجل - ) .
وقد تعجب قومٌ من هذا الحديث عندَ سفيان الثوري ، فقال سفيان : وما تعجُّبُكم من هذا، أليسَ قد قال الله تعالى: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس } ؟(2) أليس قد قال تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَاباً } ؟(3)
وخرَّج الترمذي من حديث أنسٍ قالَ : تُوفِّيَ رجُلٌ من أصحابه – يعني : النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - - فقالَ رجل : أبشرْ بالجَنَّةِ ، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أو لا تدري ، فلعلَّه تَكلَّم بِما لا يَعنيه أو بَخِلَ بما لا يُغنِيه )(4) . وقد روي معنى هذا الحديث من وجوهٍ متعددةٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وفي بعضها : أنَّه قتل شهيداً(5) .
__________
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) النساء : 114 .
(3) النبأ : 38 .
(4) في " الجامع الكبير " ( 2316 ) .
وأخرجه : ابن أبي الدنيا في " الصمت " ( 109 ) ، وأبو يعلى ( 4017 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 5/55-56 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 10835 ) و( 10836 ) ، والذهبي في " سير أعلام النبلاء " 6/240 من طرق عن الأعمش ، عن أنس بن مالك ، به ، وقال الترمذي : ( غريب ) أي : ضعيف ، وذلك لانقطاعه فإنَّ الأعمش لم يسمع من أنس .
(5) أخرجه : ابن عدي في " الكامل " 7/86 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 5010 ) من طرق عن أبي هريرة ، مرفوعاً ، وإسناده ضعيف لضعف عصام بن طليق .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج أبو القاسم البغوي في " معجمه " من حديث شهاب بن مالك ، وكان وَفَدَ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه سَمعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقالت له امرأة : يا رسولَ الله ألا تُسلمُ علينا ؟ فقالَ : ( إنَّكِ من قَبيلٍ يُقَلِّلن الكثيرَ ، وتمنع ما لا يُغنيها ، وسؤالها عما لا يعنيها )(1) .
وخرَّج العقيلي من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( أكثرُ الناسِ ذنوباً أكثَرُهُم كلاماً فيما لا يعنيه )(2) .
قال عمرو بنُ قيس الملائي : مرَّ رجلٌ بلقمان والناسُ عندَه ، فقال له : ألستَ
عبدَ بني فلان(3) ؟ قال : بلى ، قال : الذي كنت ترعى عندَ جبلِ كذا وكذا ؟ قال : بلى ، قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قالَ : صِدْقُ الحديثِ وطولُ السُّكوت عما لا يعنيني(4) .
وقال وهبُ بنُ مُنبِّهٍ : كانَ في بني إسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما أنْ مشيا على الماء ، فبينما هما يمشيان في البحر إذ هما برجل يمشي على الهواء ، فقالا لهُ : يا عبدَ الله بأيِّ شيء أدركت هذه المنزلة ؟ قال : بيسيرٍ من الدُّنيا : فَطَمْتُ نفسي عن الشهوات ، وكففتُ لساني عما لا يعنيني ، ورغبتُ فيما دعاني إليه ، ولزمت الصمتَ ، فإنْ أقسمتُ على الله ، أبرَّ قسمي ، وإنْ سألته أعطاني .
دخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلَّلُ ، فسألوه عن سبب(5) تهلل
وجهه ، فقال: ما مِنْ عمل أوثقَ عندي من خَصلتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليماً للمسلمين .
__________
(1) أخرجه : ابن قانع في " معجم الصحابة " 1/350 ، وإسناده ضعيف .
(2) في " الضعفاء الكبير " 3/424 .
وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 34659 ) ، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " 2/705 من طرق عن أبي هريرة ، به . وإسناده ضعيف لضعف عصام بن طليق .
(3) سقطت من ( ص ) .
(4) انظر : تفسير ابن كثير 3/444 ، وشعب الإيمان 4/230 ، والتمهيد 9/200 .
(5) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وقال مُوَرِّق العجلي : أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدِرْ عليه ولستُ بتاركٍ طلبه أبداً ، قالوا : وما هو ؟ قالَ : الكفُّ عما لا يعنيني . رواه ابن أبي الدنيا(1) .
وروى أسدُ بن موسى ، حدثنا أبو معشر(2) ، عن محمد بن كعب قالَ : قالَ
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أوَّل من يَدخُلُ عليكم رَجُلٌ من أهل الجنة ) فدخل عبدُ الله بنُ سلام ، فقامَ إليه ناسٌ ، فأخبروه ، وقالوا له : أخبرنا بأوثق عَمَلِكَ في نَفسِكَ ، قال : إنَّ عملي لضعيف ، أوثقُ ما أرجو به سلامةُ الصدر ، وتركي ما لا يعنيني .
وروى أبو عبيدة ، عن الحسن قال : مِنْ علامة إعراض الله تعالى عن العبد أنْ يجعل شغله فيما لا يعنيه . وقال سهل بنُ عبد الله التُّسترِي : من تكلم فيما لا يعنيه حُرِم الصدق(3) ، وقال معروف : كلام العبد فيما لا يعنيه(4) خذلان من اللهِ - عز وجل -(5) .
وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ تركَ ما لا يعني المرء من حسن إسلامه ، فإذا ترك ما لا يعنيه ، وفعل ما يعنيه كله ، فقد كَمُلُ حُسْنُ إسلامه ، وقد جاءت الأحاديثُ بفضل من حسن إسلامُه وأنَّه تضاعف حسناته ، وتُكفر سيئاته ، والظاهر أنَّ كثرة المضاعفة تكون بحسب حسن الإسلام ، ففي " صحيح مسلم " (6)
__________
(1) أخرجه : أبو نعيم في "حلية الأولياء" 2/235 ، وابن الجوزي في " صفة الصفوة " 3/140 .
(2) وهو ضعيف .
(3) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 10/169 .
(4) من قوله : ( وقال سهل بن عبد الله ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص ) .
(5) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 8/361 .
(6) الصحيح 1/81 ( 129 ) ( 205 ) .
وأخرجه : أحمد 2/317 ، والبخاري 1/17 ( 42 ) ، وابن حبان ( 228 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 373 ) ، وابن حزم في " المحلى " 1/99 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 7046 ) ، والبغوي ( 4148 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أحْسَنَ أَحَدُكُم إسلامَهُ ، فكُلُّ حَسَنةٍ يَعْمَلُها تُكتَبُ بِعَشرِ أَمْثالِها إلى سبعِ مئة ضعفٍ ، وكلُّ سَيِّئةٍ يعملها تُكتَبُ بمثلِها حتَّى يَلقى الله - عز وجل - ) فالمضاعفةُ للحسنة بعشر أمثالها لابدَّ منه ، والزيادةُ على ذلك تكونُ بحسب إحسّان الإسلام ، وإخلاصِ النية والحاجة إلى ذلك العمل وفضله ، كالنفقة في الجهاد ، وفي الحج ، وفي الأقارب ، وفي اليتامى والمساكين ، وأوقات الحاجة إلى النفقة ، ويشهد لذلك ما رُوي عن عطية ، عن ابن عمر قال : نزلت : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } (1) في الأعراب ، قيل له : فما للمهاجرين (2) ؟ قال : ما هو أكثرُ ، ثم تلا قوله تعالى : { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } (3) (4) .
وخرَّج النسائي(5)
__________
(1) الأنعام : 160 .
(2) في ( ص ) : ( فما بال المهاجرين والأنصار ) ، وزيادة : ( والأنصار ) غير صحيحة لعدم ورودها في مصادر التخريج .
(3) النساء : 40 .
(4) أخرجه : سعيد بن منصور ( 636 ) طبعة الحميد ، والطبري في " تفسيره " ( 7542 ) ، وطبعة التركي 7/36 ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " 3/955 ( 5338 ) .
(5) في " المجتبى " 8/105-106 .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 24 ) ، وإسناده لا بأس به .
وعلقه البخاري 1/17 ( 41 ) مختصراً بصيغة الجزم .
● [ الصفحة التالية ] ●من حديث أبي سعيد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أسلمَ العبدُ فحَسنُ إسلامُهُ ، كَتبَ الله له كُلَّ حَسنةٍ كان أزلَفَها ، ومُحِيتْ عنه كُلُّ سيئة كان أزلَفَها(1) ، ثم كان بَعْدَ ذلك القِصَاصُ ، الحسَنَةُ بِعَشْر أمثالِها إلى سَبع مئةِ ضِعفٍ ، والسَّيِّئَةُ بمِثلِها إلا أنْ يتجاوَزَ الله ) ، وفي رواية أخرى : ( وقيلَ له : استأنفِ العمل ).
والمراد بالحسنات والسيئات التي كان أزلفها : ما سبق منه قبل الإسلام ، وهذا يدلُّ على أنَّه يُثاب بحسناته في الكفر إذا أسلم وتُمحى عنه سيئاته إذا أسلم ، لكن بشرط أنْ يَحْسُنَ إسلامُه ، ويتقي تلك السيئات في حال إسلامه ، وقد نص على ذلك الإمام أحمد ، ويدلُّ على ذلك ما في " الصحيحين " (2) عن ابن مسعود قال : قلنا : يا رسول الله ، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال : ( أمَّا مَنْ أحسَنَ منكم في الإسلام فلا يُؤَاخَذُ بها ، ومن أساءَ أُخِذَ بعمله في الجاهلية والإسلام ) .
وفي " صحيح مسلم " عن عمرو بن العاص قال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لما أسلم : أريدُ أنْ أَشْتَرطَ ، قال : ( تشترط ماذا ؟ ) قلتُ : أنْ يُغْفَرَ لي ، قال : ( أما عَلمتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قبله ؟ )(3)
__________
(1) من قوله : ( ومحيت عنه كل ... ) إلى هنا لم ترد في ( ص ) .
(2) صحيح البخاري 9/17 ( 6921 ) ، وصحيح مسلم 1/77 ( 120 ) ( 189 ) و( 190 ) و( 191 ) . = = ... وأخرجه : معمر في " جامعه " ( 19686 ) ، والحميدي ( 108 ) وأحمد 1/379 و409 و429 و431 و462 ، وابن ماجه ( 4242 ) ، وأبو يعلى ( 5071 ) و( 5113 ) ، وابن حبان ( 396 ) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 7/125 ، والبيهقي 9/123 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 23 ) .
(3) في " صحيحه " 1/78 ( 121 ) ( 129 ) .
وأخرجه أيضاً: ابن خزيمة ( 2515 ) ، وابن منده في "الإيمان" ( 270 ) ، والبيهقي 9/98 .
● [ الصفحة التالية ] ●. وخرَّجه الإمام أحمد ولفظه : ( إنَّ الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله من الذنوب )(1) وهذا محمولٌ على الإسلام الكامل الحسن جمعاً بينه وبين حديث ابن مسعودٍ الذي قبله .
وفي " صحيح مسلم " (2) أيضا عن حكيم بن حزامِ قال : قلتُ : يا رسول الله أرأيتَ(3) أموراً كنت أصنعها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم ، أفيها أجرٌ ؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أَسْلَمْتَ على ما أَسْلَفْتَ من خيرٍ ) وفي رواية له : قال : فقلتُ : والله لا أدعُ شيئا صنعتُه في الجاهلية إلا صنعتُ في الإسلام مثله ، وهذا يدلّ على أنَّ حسنات الكافر إذا أسلم يُثابُ عليها كما دلَّ عليه حديث أبي سعيد المتقدِّم .
__________
(1) في " مسنده " 4/198 و204 و205 .
وأخرجه أيضاً : البخاري في " التاريخ الكبير " 2/299 ( 2587 ) ، والبيهقي 9/123 ، وفي " دلائل النبوة " ، له 4/343 و346-348 .
(2) في " صحيحه " 1/78-79 ( 123 ) ( 194 ) و( 195 ) و( 196 ) .
وأخرجه أيضاً : معمر في " جامعه " ( 19685 ) ، والحميدي ( 554 ) ، وأحمد 3/402 ، والبخاري 2/141 ( 1436 ) و3/107 ( 2220 ) و3/193 ( 2538 ) و8/7 ( 5992 ) وفي " الأدب المفرد " ، له ( 70 ) ، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " ( 594 ) ، وابن حبان ( 329 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3084 ) و( 3085 ) و( 3086 ) و( 3087 ) و( 3088 ) و( 3089 ) ، والحاكم 3/483-484 ، والبيهقي 9/123 و10/316 ، والبغوي ( 27 ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وقد قيل : إنَّ سيئاته في الشرك تبدَّل حسنات ، ويُثابُ عليها أخذاً من قوله تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } (1) ، وقد اختلف المفسرون في هذا التبديل على قولين :
فمنهم مَنْ قال : هو في الدنيا بمعنى أنَّ الله يُبَدِّلُ من أسلم وتاب إليه بَدَلَ ما كان عليه من الكفر والمعاصي : الإيمان والأعمال الصالحة ، وحكى هذا القول إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " عن أكثر المفسرين ، وسمى منهم : ابنَ عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والسُّدي ، وعِكرمة ، قلت : وهو المشهورُ عن الحسن .
قال : وقال الحسن وأبو مالك وغيرهما : هي في أهل الشرك خاصة ليس هي في أهل الإسلام . قلت : إنَّما يصحُّ هذا القول على أنْ يكونَ التبديلُ في الآخرة كما سيأتي ، وأما إنْ قيل : إنَّه في الدنيا ، فالكافرُ إذا أسلم والمسلمُ إذا تاب في ذلك سواء ، بل المسلم إذا تاب ، فهو أحسنُ حالاً من الكافر إذا أسلم .
__________
(1) الفرقان : 68-70 .
● [ الصفحة التالية ] ●قال : وقال آخرون : التبديلُ في الآخرة : جعلت لهم مكان كلِّ سيئةٍ حسنة ، منهم : عمرو بن ميمون ، ومكحول ، وابن المسيب ، وعلى بن الحسين قال : وأنكره أبو العالية ، ومجاهد ، وخالد سبلان(1) ، وفيه مواضع إنكار ، ثم ذكر ما حاصلهُ أنَّه يلزمُ من ذلك أنْ يكونَ مَنْ كثرت سيئاته أحسنَ حالاً ممن قلَّت سيئاته(2) حيث يُعطى مكان كلّ سيئة حسنة ، ثم قال : ولو قال قائل : إنَّما ذكر الله أنْ يُبدل السيئات حسنات ولم يذكر العدد كيف تبدل ، فيجوز أنَّ معنى تبدل : أنَّ من عمل سيئةً واحدةً وتاب منها تبدل مئةَ ألفِ حسنةٍ ، ومنْ عمل ألف سيئة أنْ تبدَّل ألف حسنةٍ ، فيكون حينئذ من قلت سيئاتُهُ أحسن حالاً .
__________
(1) في ( ص ) : ( خالد بن معدان ) .
(2) عبارة : ( أحسن حالاً ممن قلت ) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قلت : هذا القول - وهو التبديل في الآخرة - قد أنكره أبو العالية ، وتلا قوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً } (1) وردَّه بعضهم بقوله تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } (2) ، وقوله تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } (3) ولكن قد أجيب عن هذا بأنَّ التائبَ يُوقف على سيئاته ، ثم تبدَّل حسنات ، قال أبو عثمان النَّهدي(4) : إنَّ المؤمن يُؤتى كتابَه في ستر من الله - عز وجل - ، فيقرأ سيئاته ، فإذا قرأ تغيَّر لها لونُه حتّى يمرَّ بحسّناته، فيقرؤها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاتُه قد بُدِّلت حسّناتٍ، فعند ذلك يقول : { هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ } (5) ورواه بعضهم عن أبي عثمان ، عن ابن مسعود ، وقال بعضهم : عن أبي عثمان ، عن سلمان (6) .
وفي " صحيح مسلم " (7)
__________
(1) آل عمران : 30 .
(2) الزلزلة : 8 .
(3) الكهف : 49 .
(4) أخرجه : ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" : 1914 ، والخطيب في " تاريخه " 11/6 ، وطبعة دار الغرب 12/251 .
(5) الحاقة : 19 .
(6) أخرجه : ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " : 1366 .
(7) الصحيح 1/121 ( 190 ) ( 314 ) و( 315 ) .
وأخرجه : وكيع في " الزهد " ( 367 ) ، وأحمد 5/157 و170 ، والترمذي ( 2596 ) وفي " الشمائل " ، له ( 229 ) بتحقيقي ، وابن حبان ( 7375 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 847 ) و( 848 ) و( 849 ) ، والبيهقي 10/190 ، والبغوي ( 4360 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●من حديث أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهلِ الجنَّةِ دُخولاً الجنَّة ، وآخِرَ أهلِ النار خروجاً منها ، رجلٌ يُؤتَى به يوم القيامةِ فيقال : اعرضُوا عليه صِغارَ ذنوبه ، وارفَعُوا عنه كِبارَهَا ، فيعْرِضُ الله عليه صِغَارَ ذنوبهِ(1) ، فيقال له : عَمِلْتَ يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وعَمِلْتَ يوم كذا وكذا كذا وكذا ، فيقول : نعم ، لا يستطيعُ أنْ يُنكر وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه أنْ تعرض عليهِ ، فيقال له : فإنَّ لك مكانَ كُلِّ سيئةٍ حسنةً ، فيقول : يا ربِّ قد عمِلْتُ أشياء لا أراها هاهنا ) قال : فلقد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حتَّى بدتْ نواجذه .
فإذا بُدِّلَت السيئاتُ بالحسّنات في حقِّ من عوقِبَ على ذنوبه بالنار ، ففي حقِّ من مَحى سيئاته بالإسلام والتوبة النصوح أولى ؛ لأنَّ مَحْوَها بذلك أحبُّ إلى الله من محوها بالعقاب .
__________
(1) من قوله : ( وأرفعوا عنه كبارها ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخَرَّج الحاكم(1) من طريق الفَضْل بن موسى ، عن أبي العَنْبس ، عن أبيه ، عن أبي هُريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليتَمنَّينَّ أقوامٌ أنَّهم أكثَرُوا من
السيِّئاتِ ) ، قالوا : بِمَ يا رسولَ الله ؟ قالَ : ( الذين بَدَّل الله سيئاتهم حسّنات ) ، وخرَّجه ابنُ أبي حاتم(2) من طريق سليمان أبي داود(3) الزهري ، عن أبي العَنْبس ، عن أبيه(4) ، عن أبي هريرة موقوفاً ، وهو أشبهُ مِن المرفوع(5) ، ويروى مثلُ هذا عن الحسن البصري أيضاً يُخالف قولَه المشهور : إنَّ التبديل في الدنيا(6) .
وأمَّا ما ذكره الحربي في التبديل ، وأنَّ من قلَّت سيئاتُه يُزاد في حسناته ، ومن كثرت سيئاتُه يُقَلَّلُ من حسناته ، فحديثُ أبي ذرٍّ صريحٌ في ردِّ هذا ، وأنَّه يُعطى مكان كلّ سيئة حسنة .
وأما قوله : يَلْزَمُ من ذلك أنْ يكون مَنْ كَثُرَت سيئاتُه أحسنَ حالاً ممن
قلَّتْ سيئاتُهُ ، فيقال : إنَّما التبديلُ في حقِّ مَنْ نَدِمَ على سيئاته ، وجعلها نصبَ
عينيه ، فكلما ذكرها ازداد خوفاً ووجلاً ، وحياء من الله ، ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة كما قال تعالى : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } (7) وما ذكرناه كله داخل في العمل الصالح ومن كانت هذه حاله ، فإنَّه يتجرَّعُ من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعافَ ما ذاق من حلاوتها عندَ فعلها ، ويصيرُ كلُّ ذنبٍ من ذنوبه سبباً لأعمال صالحةٍ ماحية له ، فلا يُستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات .
__________
(1) في " المستدرك " 4/252 .
(2) كما في " تفسير ابن كثير " : 1366 .
(3) تحرف في ( ص ) : ( إلى سليمان بن داود ) .
(4) عن أبيه ) سقطت من ( ص ) .
(5) على أنَّ الشيخ الألباني أورده في السلسلة الصحيحة ( 2177 ) .
(6) انظر : تفسير القرطبي 13/78 .
(7) الفرقان : 70 .
● [ الصفحة التالية ] ●وقد ورَدَت أحاديثُ صريحةٌ في أنَّ الكافرَ إذا أسلم ، وحَسُنَ إسلامُه ، تبدَّلت سيئاتُه في الشِّرْك حسنات ، فخرَّج الطبراني(1) من حديث عبد الرحمان بن جبير بن نفير ، عن أبي فروة شطب : أنَّه أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : أرأيتَ رجلاً عَمِلَ الذنوب كُلَّها ، ولم يترك حاجةً ولا داجةً ، فهل له مِنْ توبة ؟ فقالَ : ( أسلمتَ ؟ ) قال : نَعَمْ ، قال: ( فافعلِ الخيراتِ ، واترك السيئاتِ ، فيجعلها الله لك خيراتٍ كلّها(2) )، قال : وغَدَرَاتي وفَجَرَاتي ؟ قال : ( نعم ) ، قال : فما زال يُكبِّرُ حتّى توارَى . وخرَّجه من وجه آخر بإسناد ضعيف عن سلمة بن نفيل ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
وخرَّج ابنُ أبي حاتم نحوه من حديث مكحول مرسلاً ، وخرَّج البزارُ(3) الحديثَ الأوَّل وعنده : عن أبي طويل شطب الممدود(4) : أنَّه أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكره بمعناه ، وكذا خرَّجه أبو القاسم البغوي في " معجمه " ، وذكر أنَّ الصوابَ عن عبد الرحمان بن جُبير بن نفير مرسلاً : أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طوي(5) شَطْب ، والشطب في اللغة : الممدود ، فصحفه بعض الرواة ، وظنه اسم رجل .
__________
(1) في " الكبير " ( 7235 ) .
وأخرجه : ابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " ( 2718 ) ، وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " ( 3809 ) ، والخطيب في " تاريخه " 3/352 وطبعة دار الغرب 4/559 ، والحديث صححه ابن منده كما في " الإصابة " 2/152 .
(2) في ( ص ) : ( حسنات ) .
(3) في زوائده كما في " كشف الأستار " ( 3244 ) .
(4) انظر كتاب : تسمية من لقب بالطويل : 62-64 ليحيى بن عبد الله الشهري .
(5) في ( ص ) : ( طويل ) .
● [ تم شرح الحديث ] ●
فريق العمل- Admin
- المساهمات : 2671
تاريخ التسجيل : 22/12/2013
- مساهمة رقم 3