منتدى قوت القلوب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أحداث سنة خمس وثلاثين ومائتين والف

    avatar
    فريق العمل
    Admin


    المساهمات : 2671
    تاريخ التسجيل : 22/12/2013

    أحداث سنة خمس وثلاثين ومائتين والف Empty أحداث سنة خمس وثلاثين ومائتين والف

    مُساهمة من طرف فريق العمل الثلاثاء 3 يوليو 2018 - 3:27

    أحداث سنة خمس وثلاثين ومائتين والف Tarek411

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة التاريخ
    عجائب الآثار
    الجزء الأول
    أحداث سنة خمس وثلاثين ومائتين والف 1410
    { الفصل الثاني }
    في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
    من طاعون 1228 وحتى ختام الجزء الأول
    { احداث شهر المحرم سنة 1235 }

    ودخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين والف
    فكان اول المحرم بالهلال يوم الخميس
    وفيه وما قبله بايام حصل بالارياف بل وبداخل المدينة انزعاجات بسبب تواتر سرقات واشاعة سروح مناسر وحرامية وعمر الناس ابواب الدور والدروب وحصل منع الناس من المسير والمشي بالازقة من بعد الغروب وصار كتخدا بك واغات التبديل والوالي يطوفون ليلا بالمدينة وكل من صادفوه قبضوا عليه وحبسوه ولو كان مما لا شبهة فيه واستمر هذا الحال الى اخر الشهر
    و في سابع عشرينه حضر الباشا من الصعيد بعد ان وصل في سرحته الى الشلال وكان الناس تقولوا على ذهابه الى قبلي اقاويل منها انه يريد التجريد على بواقي المصريين المنقطعين بدنقلة فانهم استفحل امرهم واستكثروا من شراء العبيد وصنعوا البارود والمدافع وغير ذلك ومنها انه يريد التجريد ايضا واخذ بلاد دار فور والنوبة ويمهد طريق الوصول اليها ومنها انهم قالوا انه ظهر بتلك البلاد معدن الذهب والفضة والرصاص والزمرد وان ذهابه للكشف على ذلك وامتحانه وعمل معدله ومقدار ما يصرف عليه حتى يستخرج صافيه وبطل كل ما توهموه وخمنوه برجوعه واما قولهم عن هذه المعادن فالذي تلخص من ذلك انه ظهر بارض احجار خضر تشبه الزمرد وليست اياه وبما كان آخر شيء اسود مخرفش مثل خرء الحديد يخرج منه بعد العلاج والتصفية رصاص قليل فقد اخبرني اخونا الشيخ عمر الناوي المعروف بالمخلصي انه اخذ منه قطعة وذهب بها الى الصائغ ودقها ووضعها في بوط كبير وساق عليها بنار السبك وانكسر البوط فنقلها الى بوط آخر ولم يزل يعالجها بطول النهار واحرق عليها زيادة عن القنطار من الفحم
    و فيه حضر ايضا جماعة من الوهابية وانزلوا بدار بحارة عابدين

    { أحداث شهر صفر سنة 1235 }

    واستهل شهر صفر بيوم الجمعة
    في غرته سافر محمد اغا المعروف بأبو نبوت الشامي الى دار السلطنة باستدعاء من الدولة وذلك انه لما حضر الى مصر ونزل برحاب الباشا كما تقدم وكاتب الباشا في شأنه الى الدولة فحضر الامر بطلبه واوكد بالإكرام فعند ذلك هيأ له الباشا ما يحتاج اليه من هدية وغيرها وتعين للسفر صحبته خمسة وثلاثون شخصا ارسل اليهم الباشا كساوي وفراوي وترك باقي اتباعه بمصر انزلوهم في دار بسويقة اللالا وهم يزيدون عن المائتين ويصرف لهم الرواتب في كل يوم والشهرية
    و فيه وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم اسرى من الوهابية نساء وبنات وغلمانا نزلوا عندالهمايل وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم مع انهم مسلمون واحرار
    و في منتصفه مات مصطفى اغا وكيل دار السعادة سابقا ومات ايضا الشيخ عبد الرحن القرشي الحنفي
    وفي سابع عشره وصل الحاج المصري ومات الكثير من الناس فيه بالحمى وكذلك كثرت الحمى بارض مصر وكأنها تناقلت من ارض الحجاز
    و في حادي عشرينه وصل ابراهيم باشا ابن الباشا من ناحية القصير وكان قبل وروده بأيام وصل خبر وصوله الى القصير وضربوا لذلك الخبر مدافع من القلعة وغيرها ورمحت المبشرون لأخذ البقاشيش من الاعيان واجتمعت نساء اكابرهم عند والدته ونسائهم للتهنئة ونظموا له القصر الذي كان انشأه ولي خوجة وتممه شريف بك الذي تولى في منصبه وهو بالروضة بشاطئ النيل تجاه الجيزة وعند وصول المذكور عملوا جسرا من الروضة الى ساحل مصر القديمة على مراكب من البر الى البر وردموه بالاتربه من فوق الاخشاب
    و في ذلك اليوم وصل قابجي من دار السلطنة بالبشارة بمولود ولد لحضرة السلطان وطلع الى القلعة في موكب
    وفي يوم الخميس حادي عشرينه وعند وصول ابراهيم باشا نودي بزينة المدينة سبعة ايام بلياليها فشرع الناس في تزيين الحوانيت والدور والخانات بما امكنهم وقدروا عليه من الملونات والمقصبات واما جهات النصارى وحاراتهم وخاناتهم فانهم ابدعوا في عمل تصاوير مجسمات وتماثيل واشكال غريبة وشكا الناس من عدم وجود الزيت والشيرج فرسموا بجملة قناطير شيرج تعطى للزياتين لتباع على الناس بقصد ذلك وياخذونها ويبيعونها بأغلى ثمن بعد الانكار والكتمان
    و لما اصبح يوم الجمعة وقد عدى ابراهيم باشا الى بر مصر رتبوا له موكبا ودخل من باب النصر وشق المدينة وعلى رأسه الطلخان السليمي من شعار الوزارة وقد ارخى لحيته بالحجاز وحضر والده الى جامع الغورية بقصد الفرجة على موكب ابنه وطلع بالموكب الى القلعة ثم رجع سائرا بالهيئة الكاملة الى جهة مصر القديمة ومر على الجسر وذهب الى قصره المذكور بالروضة واستمرت الزينة والوقود والسهر باليل وعمل الحراقات وضرب المدافع في كل وقت من القلعة ومغاني وملاعب في مجامع الناس سبعة ايام بلياليها في مصر الجديدة والقديمة وبولاق وجميع الاخطاط ورجع ابراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظما في نفسه جدا وداخله من الغرور مالا مزيد عليه حتى ان المشايخ لما ذهبوا للسلام عليه والتهنئة بالقدوم فلما اقبلوا عليه وهو جالس في ديوانه لم يقم لهم ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة فلم يجبهم ولا بالاشارة بل جعل يحادث شخصا سخرية عنده وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر

    { أحداث شهر ربيع الاول سنة 1235 }

    واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاحد
    في ثامنه مات ابن ابراهيم باشا وهو الذي تقدمه في المجيء الى مصر وعملوا له الموكب وعمره نحو ست سنوات وكان موته في اول الليل من ليلة الاحد فأرسلوا التنابيه لاعيان الدولة والمشايخ فخرج البعض منهم في ثلث الليل الاخير الى مصر القديمة حيث المعادي لانه مات بقصر الجيزة فما طلع النهار حتى ازدحموا بمصر القديمة وما حضروا به الا قرب الزوال وانجروا بالمشهد الى دفنهم بالقرب من الامام الشافعي وعملوا له مأتما وفرقوا دراهم على الناس والفقهاء وغير ذلك ثم حكى المخبرون عن كيفية موته انه كان نائما في حجر دادته جارية سوداء فشاجرتها جارية بيضاء ورفصتها برجلها فأصابت الغلام فاضطرب ووصل الخبر الى ابيه فدخل اليهم وقبض على الجواري الحاضرات وحبسهن في مكان بالقصر وقال ان مات ولدي قتلتكن عن اخركن فمات من ليلته فحنق الجميع والقاهن في البحر بما فيهن الدادة قيل انهن وخمسة قيل ستة والله اعلم
    وفي اواخره انقضى امر الحفر بترعة الاسكندرية ولم يبق من الشغل الا القليل ثم فتحوا لها شرما خلاف فمها المعمول خوفا من غلبة البحر فجرى فيها الماء واختلط بالمياه المالحة التي نبعت من ارضها وعلا الماء منها على بعض المواطن المسجنة وبها روبة عظيمة وساح على الارض وليس هناك جسور تمنع وصادف ايضا وقوع نوة واهوية على فيها البحر المالح على الجسر الكبير ووصل الى الترعة فأشيع في الناس ان الترعة فسد امرها ولم تصح وان المياه المالحة التي منها ومن البحر غرقت الاسكندرية وخرج اهلها منها الى ان تحقق الخبر بالواقع وهو دون ذلك ورجع المهندسون والفلاحون الى بلادهم بعد ما هلك معظمهم

    { أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1235 }

    واستهل شهر ربيع الثاني
    في اوله عزل الباشا محمد بك الدفتردار عن امارة الصعيد وقلد عوضه احمد باشا ابن طاهر باشا وسافر في خامسه
    وفي سابعه سافر الباشا الى الاسكندرية للكشف على الترعة وسافر صحبته ابنه ابراهيم باشا ومحمد بك الدفتردار والكتخدا القديم ودبوس اوغلي
    وفي ثالث عشره حضر الباشا ومن معه من غيبتهم وقد انشرح خاطره لتمام الترعة وسلوك المراكب وسفرها فيها وكذلك سافرت فيها مراكب وشيد والنقاير بالبضائع واستراحوا من وعر البغاز والسفر في المالح الى الاسكندرية والنقل والتجريم وانتظار الريح المناسب لاقتحام البغاز والبحر الكبير ولم يبق في شغل الترعة الا الامر اليسير واصلاح بعض جسورها واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو ان شخصا من الافرنج الانكليز ورد من الاسكندرية وطلع الى بلدة تسمى كفر حشاد فمشى بالغيط ليصطاد الطير فضرب طيرا ببندقته فأصابت بعض الفلاحين في رجله وصادف هناك شخصا من الارنؤد بيده هراوة او مسوقة فجاء الى ذلك الافرنجي وقال له اما تخشى ان يأتي اليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا واشار بهما في يده على رأس الافرنجي لكونه لايفهم لغته فاغتاظ من ذلك الافرنجي وضربه ببندقته فسقط ميتا فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الافرنجي ورفعوا الارنؤدي المقتول حضروا الى مصر وطالبوا بمجلس كتخدا بك واجتمع الكثير من الارنؤد وقالوا لابد من قتل الافرنجي فاستعظم الكتخدا ذلك لانهم يراعون جانب الافرنج الى الغاية فقال حتى نرسل لى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك وارسل بإحضارهم وقد تكاثر الارنؤد واخذتهم الحمية وقالوا لاي شئ تؤخر قتله الى مشورة القناصل وان لم يقتل هذا في الوقت نزلنا الى حارة الافرج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الافرنج فلم يسع الكتخدا الا ان امر بقتله فنزلوا به الى الرميلة وقطعوا رأسه وطلع ايضا القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الامر وكان ذلك في غيبة الباشا

    { أحداث شهر جمادي الاولى سنة 1235 }

    واستهل شهر جمادي الاولى
    فيه جرد الباشا حسن بك الشماشرجي حاكم البحيرة على سيوة من الجهة القبلية فتوجه اليها من البحيرة بجنده ومعه طائفة من العرب
    وفيه قوي عزم الباشا على الاغارة على نواحي السودان فمن قائل انه متوجه الى سنار ومن قائل الى دار فور وساري العسكر ابنه اسمعيل باشا وخلافه ووجه الكثير من اللوازم الى الجهة القبلية وعمل البقسماط والذخيرة ببلاد قبلي والشرقية واهتم اهتماما عظيما وارسل ايضا بإحضار مشايخ العربان والقبائل
    وفيه خرج الباشا الى ناحية القليوبية حيث الخيول بالربيع وخرج محو بك لضيافته بقلقشندة واخرج خياما وجمالا كثيرة محملة بالفرش والنحاس والات المطبخ والارز والسمن والعسل والزيت والحطب والسكر وغير ذلك واضافه ثلاثة ايام وكذلك تأمر كاشف الناحية وغيره وكذلك احضر له ضيافة ابن شديد شيخ الحويطات وابن الشواربي كبير قليوب وابن عسر وكان صحبة الباشا ولداه ابراهيم باشا واسمعيل باشا وحسن باشا
    وفي اثناء ذلك ورد الخبر بموت عابدين بك اخو حسن باشا بالديار الحجازية وكذلك الكثير من اتباعه بالحمى فتكدر حظهم وبطلت الضيافات وحضر الباشا ومن معه في اواخره لعمل العزاء والميتم واخبر الواردون بكثرة الحمى بالديار الحجازية حتى قالوا انه لمب يبق من طائفة عابدين بك الا القليل جدا

    { أحداث شهر جمادي الثانية سنة 1235 }

    واستهل شهر جمادي الثانية
    في عشرينه وردت هدية من والي الشام فيها من الخيول الخاص عشرة بعضها ملبس والباقي من غير سروج واشياء اخر لانعلمها
    وفي اواخره ورد الخبر بان حسن بك الشمشارجي استولى على سيوة
    وفيه ورد الخبر بأنه وقع بإسلامبول حريق كثير
    وفيه ورد الخبر ايضا عن حلب بأن احمد باشا المعروف بخورشيد الذي كان سابقا والي مصر استولى على حلب وقتل من اهلها واعيانها اناسا كثيرة وذلك انه كان متوليا عليها فحصل منه ما اوجب قيام اهل البلدة عليه وعزلوه واخرجوه وذلك من مدة سابقة فلما اخرجوه اقام خارجها وكاتب الدولة في شأنهم وقال ماقال في حقهم فبعثوا اوامر ومراسيم لولاة تلك النواحي بأن يتوجهوا لمعونته على اهل حلب فاحتاطوا بالبلدة وحاربوها اشهرا حتى ملكوها وفتكوا في اهلها وضربوا عليهم ضرائب عظيمة وهم على ذلك
    وفي اواخره ايضا تقلد اغاوية مستحفظان مصطفى اغا كرد مضافة للحسبة عوضا عن حسن اغا الذي توفي في الحج فأخذ يعسف كعادته في مبادئ توليته للحسبة وجعل يطوف ليلا ونهارا ويحتج على المارين بالليل بادنى سبب فيضرب من يصادفه راجعا من سهر ونحوه او يقطع من اذنه او انفه

    { أحداث شهر رجب سنة 1235 }

    واستهل شهر رجب بيوم الجمعة
    في ثالثه تقلد نظر الحسبة شخص يسمى حسين اغا المورلي وهو بخشونجي بساتين الباشا
    وفيه رجع حسن بك الشماشرجي من ناحية سيوة بعد ان استولى عليها وقبض من اهاليها مبلغا من المال والتمر وقرر عليها قدرا يقومون به في كل عام الى الخزينة
    وفي عشرينه سافر محمد اغا لاظ وهو المنفصل عن الكتخدائية الى قبلي بمعنى انه في مقدمة الجردة يتقدمها الى الشلال
    وفي اواخره وصل الخبر بموت خليل باشا بالديار الحجازية فخلع الباشا على اخيه احمد بك وهو ثالث اخوته وهو اوسطهم وقلده في منصب اخيه عوضا عنه واعطى البيرق واللوازم
    وفي اواخره توجه الباشا الى ناحية الوادي لينظر ما تجدد به من العمائر والمزارع والسواقي وقد صار هذا الوادي اقليما على حدته وعمر به قرى ومساكن ومزارع

    { أحداث شهر شعبان سنة 1235 }

    واستهل شهر شعبان بيوم الاحد
    فيه سافر ابراهيم باشا الى القليوبية ثم الى المنوفية والغربية لقبض الخراج عن سنة تاريخه والطلب بالبواقي التي انكسرت على الفقراء وكان الباشا سامح في ذلك وتلك بواقي سبع سنين فكان يطلب مجموع ما على القرية من المال والبواقي في ظرف ثلاثة ايام ففزعت الفلاحون ومشايخ البلاد وتركوا غلالهم في الاجران وطفشوا في النواحي بنسائهم واولادهم وكان يحبس من يجده من النساء ويضربهن فكان مجموع المال المطلوب تحصيله على ما اخبرني به بعض الكتاب مائة الف كيس
    وفي منتصفه حضر الباشا من ناحية الوادي
    وفي اواخره وقع حريق ببولاق في مغالق الخشب التي خلف جامع مرزة واقام الحريق نحو يومين حتى طفئ واحترق فيه الكثير من الخشب المعد للعمائر المعروف بالكرسنة والزفت وحطب الاشراق وغيره

    { أحداث شهر رمضان سنة 1235 }

    واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين والاهتمام حاصل وكل قليل يخرج عساكر ومغاربة مسافرين الى بلاد السودان ومن جملة الطلب ثلاثة انفار من طلبة العلم يذهبون بصحبة التجريدة فوقع الاختيار على محمد افندي الاسيوطي قاضي اسيوط والسيد احمد البقلي الشافعيين والشيخ احمد السلاوي المغربي المالكي واقبضوا محمد افندي المذكور عشرين كيسا وكسوة ولكل واحد من الاثنين خسمة عشر كيسا وكسوة ورتبوا لهم ذلك في كل سنة
    وفي سابعه وقع حريق في سراية القلعة فطلع الاغا والوالي واغات التبديل واهتموا بطفئ النار وطلبوا السقائين من كل ناحية حتى شح الماء ولا يكاد يوجد وكان ذلك في شدة الحر وتواقق شهر بؤتة ورمضان واقاموا في طفء النار يومين واحترق ناحية ديوان كتخدا بك ومجلس شريف بك وتلفت اشياء وامتعة ودفاتر حرقا ونهبا وذلك ان ابنية القلعة كانت من بناء الملوك المصرية بالاحجار والصخور والعقود وليس بها الا القليل من الاخشاب فهدموا ذلك جميعه وبنوا مكانه الابنية الرقيقة واكثرها من الحجنة والاخشاب على طريق بناء اسلامبول والافرنج وزخرفوها وطلوها بالبياض الرقيق والادهان والنقوش وكله سريع الاشتعال حتى ان الباشا لما بلغه هذا الحريق وكان مقيما بشبرا تذكر بناء القلعة القديم وما كان فيه من المتانة ويلوم على تغيير الوضع السابق ويقول انا كنت غائبا بالحجاز والمهندسون وضعوا هذا البناء وقد تلف في هذا الحريق ما ينيف عن خمسة وعشرين الف كيس حرقا ونهبا ولما حصل هذا الحريق انتقلت الدواوين الى بيت طاهرباشا بالازبكية وانقضى شهر رمضان

    { أحداث شهر شوال سنة 1235 }

    واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء
    وقع في تلك الليلة اضطراب في ثبوت الهلال لكونه كان عسر الرؤية جدا وشهد اثنان برؤيته ورد الواحد ثم حضر آخر ولم يزالوا كذلك الى آخر الليل ثم حكم به عند الفجر بعد ان صليت التراويح واوقدت المنارات وطاف المسحرون بطبلاتهم وتسحرت الناس واصبح العيد باردا
    وفي خامسه سافر الباشا الى ثغر الأسكندرية كعادته واقام ولداه ابراهيم باشا للنظر في الاحكام والشكاوي والدعاوي وكانت اقامته بقصره الذي انشأه بشاطئ النيل تجاه مضرب النشاب وتعاظم في نفسه جدا ولما رجع ابراهيم باشا من سرحته شرعوا في عمل مهم لختان عباس باشا ابن اخيه طوسون باشا وهو غلام في السادسة فشرعوا في ذلك في تاسع عشرة ونصبوا خياما كثيرة تحت القصر وحضرت ارباب الملاعيب والحواة والمفزلكون والبهلوانيون وطبخت الاطعمة والحلواء والاسمطة واوقدت الوقدات بالليل من المشاعل والقناديل والشموع بداخل القصر وتعاليق النجفات البلور وغير ذلك ورسموا باحضار غلمان اولاد الفقراء فحضر الكثير منهم واحضروا المزينين فختنوا في اثناء ايام الفرح نحو الاربعمائة غلام ويفرشون لكل غلام طراحة ولحافا يرقد عليها حتى يبرأ 2 جرحه ثم يعطى لكل غلام كسوة والف نصف فضة وفي كل ليلة يعمل شنك وحراقات ونفوط ومدافع بطول الليل ودعوا في اثناء ذلك كبار الاشياخ والقاضي والشيخ السادات والبكري وهو نقيب الاشراف ايضا والمفاتي وصار كل من دخل منهم يجلسونه من سكوت ولم يقم لواحد منهم ولم يرد على من يسلم ولا بالاشارة السلام ولم يكلمهم بكلمة يؤانسهم بها وحضرت المائدة فتعاطوا الذي تعاطوه حتى انقضى المجلس وقاموا وانصرفوا من سكوت
    وفي يوم الاربعاء ثالث عشرينه خرجوا بالمحمل الى الحصوة وامير الحاج شخص من الدلاة لم نعرف اسمه
    وفي يوم الخميس عملوا الزفة لعباس باشا ونزلوا به من القلعة على الدرب الاحمر على باب الخرق الى القصر وختنوه في ذلك اليوم وامتلا طشت المزين الذي ختنه بالدنانير من نقوط الاكابر والاعيان وخلعوا عليه فروة وشال كشميري وانعموا على باقي المزينين بثلاثين كيسا وانقضى ذلك
    وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي او في النيل اذرعة وكسر السد في صبحها يوم الاربعاء وجرى الماء في الخليج وذلك بحضرة كتخدا بك والقاضي
    وفي هذا الشهر حضر طائفة من بواقي الامراء المصرية من دنقلة الى بر الجيزة وهم نحو الخمسة وعشرين شخصا وملابسهم قمصان بيض لا غير فأقاموا في خيمة ينتظرون الاذن وقد تقدم منهم الارسال بطلب الامان عند ما بلغهم خروج التجاريد وحضر ابن علي بك ايوب وطلب امانا لابيه فاجيبوا الى ذلك وارسل لهم امانا لاجمعهم ما عدا عبد الرحمن بك والذي يقال له المنفوخ فليس يعطيهما امانا ولما حضرت مراسله الامان لعلي بك ايوب وتأهب للرحيل حقدوا عليه وقتلوه ووصل خبر موته فعملوا نعيه في بيته سكن زوجته الكائن بشمس الدولة واكثروا من الندب والصراخ عدة ايام
    وفي هذا الشهر ايضا حضر اشخاص من بلاد العجم وصحبتهم هدية الى الباشا وفيها خيول فأنزلوهم ببيت حسين بك الشماشرجي بناحية ستوفة العزى

    { أحداث شهر ذي القعدة سنة 1235 }

    واستهل شهر ذي القعدة بيوم الخميس
    في رابعه يوم الاحد وصل قابجي وعلى يده مرسوم تقرير للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة وتقرير اخر لولده ابراهيم باشا بولاية جدة وركب القابجي المذكور في موكب من بولاق الى القلعة وقرئت المراسلين بحضرةكتخدا بك وابراهيم باشا واعيانهم وضربوا مدافع
    وفيه سافر اسمعيل باشا الى جهة قبلي وهو امير العسكر المعينة لبلاد النوبة كل ذلك والباشا الكبير على حاله بالاسكندرية

    { أحداث شهر ذي الحجة سنة 1235 }

    واستهل شهر ذي الحجة
    فيه توجه ابراهيم باشا الى ابيه بالاسكندرية فاقام هناك اياما وعاد في اخر الشهر فأقام بمصر اياما قليلة وسافر الى ناحية قبلي ليجمع ما يجده عند الناس من القمح والفول والعدس الثلاثة اصناف واخذوا كل سفينة غصبا وساقوا الجميع الى قبلي لحمل الغلال وجمعها في الشون البحرية لتباع على الافرنج والروم بالاثمان الغالية وانقضت السنة
    ومن حوادثها زيادة النيل الزيادة المفرطة وخصوصا بعد الصليب وقد كان حصل الاعتناء الزائد بأمر الجسور بسبب ما حصل في العامين السابقين من التلف فلما حصلت هذه الزيادةبعد الصليب وطف الماء على اعلى الجسور وغرق مزارع الذرة والنيلة والقصب والارز والقطن واشجار البساتين وغالب اشجار الليمون والبرتقال بما عليها من الثمار وصار الماء ينبع من الارض الممنوعة نبعا ولا عاصم من امر الله وطال مكث الماء على الارض حتى فات اوان الزراعة ولم نسمع ولم نر في خوالي السنتين تتابع الغرقات بل كان الغرق نادر الحصول وعلماء الخليج حتى سد غالب فرجات القناطر ونبع الماس من الاراضي الواطية القريبة من الخليج مثل غيط العدة وجامع الامير حسين ونحو ذلك
    ومنها ان ترعة الاسكندرية المحدثة لما تم حفرها وسموها بالمحمودية على اسم السلطان محمود فتحوا لها شرما دون فمها المعد لذلك وامتلات بالماء فلما بدأت الزيادة فزادت وطف الماء في المواضع الوطية وغرقت الاراضي فسدوا ذلك الشرم وابقوا من داخله فيها عدة مراكب للمسافرين فكانوا ينقلون منها الى مراكب البحر ومن البحر الى مراكبها وبقي ماؤها مالحا متغيرا واستمر اهل الثغر في جهد من قلة الماء العذب وبلغ ثمن الراوية قرشين
    ومنها انه لما وقع القياس في أراضى القرى قرروا مسموحا لمشايخ البلاد في ظنير مضايقهم خمسة افدنة من كل مائة فدان وفي هذا العام يدفع مال المسوح سنتين وذلك عقب مطالبتهم بإخراج قبل أوانه وما صدقوا انهم غلقوه ببيع غلالهم بالنسيئة والاستدانة وبيع المواشي والامتعه ومصاغ النساء وكانوا أيضا طولبوا بالبواقي في السنين الخوالي التي كانوا عجزوا عنها ولم يزك رمي الغلال في هذه السنة وكذلك الفول وثمر النخيل والفواكهة ولما طولب مشايخ البلاد بمال المسوح ازداد كريهم فإنه ربما يجئ على الواحد آلف ريال واقل واكثر وقد قاسوا الشدائد في غلاق الخراج الخارج عن الحد وعدم زكاء الزرع وغرق مزارع النيلة والأرز والقطن والقصب والكتان وغير ذلك
    وفي اثر ذلك فرضوا على الجواميس كل راس عشرون قرشا وعلى الجمل ستون قرشا وعلى الشاة قرش والرأس من المعز سبعة وعشرون نصف وثلث والبقرة خمسة عشر والفرس كذلك
    ومنها احتكار الصابون ويحجز جميع الوارد على ذمة الباشا ثم سمومح تجارة بشرط آن يكون جميع صابون الباشا ومرتباته ودائرته من غير ثمن وهو شئ كثير ويستقر ثمنه على ستين نصفا بعد آن كان بخمسين جردا من غير نقو
    ومنها ما أحدثه على البلح بأنواعه وما يجلب من الصعيد واليا الأبريمي وأنواع العجوة حتى جريد النخل والليف والخوص يؤخذ جميع ذلك بالثمن القليل ويباع ذلك للمتسببين بالثمن الزائد وعلى الناس بازيد من ذلك وفي هذه السنة لم تثمر النخيل الآم القليل جدا ولم يظهر البلح الأحمر في أيام وفرته ولم يوجد بالأسواق الآم أياما قليلة وهو شئ ردئ وبسر ليس بجيد ورطله بخمسة أنصاف وهي ثمن العشرة أرطال في السابق وكذلك العنب لم يظهر منه الآم القليل وهو الفيومي والشرقاوي وقد التزم به من يعصره شرابا بأكياس كثيرة مثل غيره من الأصناف وغير ذلك جزئيات لم يصل ألينا علمها ومنها ما وصل ألينا علمها واهملنا ذكرها
    ومنها آن حسن باشا سافر آلي الجهة القبلية وصحبته بعض الإفرنج الذين كان رخص لهم الباشا السياحة والغوص باراضي الصعيد والفحص وفحر الأراضي والكهوف والبرابي واستخراج الآثار القديمة والأمم السالفة من التماثيل والتصاوير ونواويس الموتى وقطع الصخور بالبارود واشعاوا انه ظهر لهم شئ مخرفش يشبه خرء الرصاص آو الحديد وبه بعض بريق ذكروا انه معدن إذا تصفى خرج منه فضة وذهب واخبرني بعض من اثق بخبره انه اخذ منه قطعة تزيد في الوزن على رطلين وذهب بها عند رجل صائغ فاوقد عليها نحو قنطار من الفحم بطول النهار فخرج منها في آخر الآمر وهو ينقلها من بوط آلي آخر بعد كسره قطعة مثل الرصاص قدر الأوقية وذكروا أيضا آن الجبل أحجارا سوداء مثل الفحم وذلك انهم آتوا بمثل ذلك من بلاد الإفرنج واوقدها بالضربخانة كريهة الرائحة مثل الكبريت والا تصير رمادا بل تبقى على حجريتها مع تغير اللون ويحتاج آلي نقلها آلي الكيمان وقالوا آن بداخل جبال الصعيد كذلك فسافر حسن باشا بقصد استخراج هذه الأشياء وامثالها فأقام نحو ثلاثة اشهر وذلك بأمر الباشا الكبير وهم يكسرون الجبل بالبارود فظهر بالجبل بجس يسيل منه دهن اسود بزرقة ورائحته زنخة كبريتية يشبه النفط وليس هو وآتوا بشيء منه آلي مصر أوقدوا منه في السرج فملؤا منه سبعة مصافي وانقطع أشيع في الناس قبل تحقق صورته بل وصلت مكاتبات بأنه خرج من الجبل عين تسيل بالزيت الطيب ولا ينقطع جريانها يكفي مصر واقطاعها بل والدنيا أيضا واخبرني بعض اتباعهم آن الذي صرف في هذه المرة نحو الألفي كيس
    ومن حوادث هذه السنة الخارجة عن ارض مصر آن السلطان محمود تغير خاطره على علي باشا المعروف بتية رنلي حاكم بلاد الارنؤد وجرد عليه العساكر ووقع لهم معه حروب ووقائع واستولوا على اكثر البلاد التي تحت حكمه وتحصن هو في قلعة منيعة وعلى باشا هذا في مملكة واسعة وجنود كثيرة وله عدة اولاد متآمرين كذلك وبلادهم بين بلاد الرومنلي والنمسا ويقال ان بعض اولاده دخل تحت الطاعة ووكذلك الكثير من عساكره وبقي الامر على ذلك ودخل الشتاء وانقضت السنة ولم يتحقق عنه خبر
    ومنها امر المعاملة وما يقع فيها منن التخليط والزيادة حتى بلغ صرف الريال الفرانسة اثني عشرة قرشا عنها اربعمائة وثمانون نصفا والبندقي الف فضة وكذلك المجر الفندقلي الاسلامي سبعة عشر قرشا والقرش الاسلامبولي بمعنى المضروب هناك المنقول الى مصر يصرف بقرشين وربع يزيد عن المصري ستين نصفا وكذلك الفندقلي الاسلامبولي يصرف في بلدته باحد عشرة قرشا وبمصر بسبعة عشر كما تقدم فتكون زيادة ستة قروش وكذلك الفرانسا في بلادها تصرف بأربعة قروش وبإسلامبول بسبعة وبمصر باثني عشر واما الانصاف العددية التي تذكر في المصارفات فلا وجود لها اصلا الا في النادر جدا واستغنى الناس عنها لغلو الاثمان في جميع المبيعات والمشتروات وصار البشلك الذي يقال له الخمساوية أي صرفه خمسة انصاف هي بدل النصف لانه لما بطل ضرب القروش بضربخانة مصر وعوض عنها نصف القرش وربعه وثمنه الذي هو البشلك ولم يبق بالقطر الا ما كان موجودا قبل وهو كثير يتناقل بأيدي الناس واهل القرى ويعود الى الخزينة ويصرف في المصارف والمشاهرات وعلائف العساكر وكذلك يشترون لوازمهم فتذهب وتعود وهكذا تدور مع الفلك كلما دار ويصرف القرش عند الاحتياج الى صرفه بسبعة من البشلك بنقص الثمن فباعتبار كونها في مقام النصف يكون القرش بسبعة انصاف لاغير وباعتبار ذلك يكون الالف فضة بمائة وخمسة وسبعين فضة لان الخمسة وعشرين قرشا التي هي بدل الالف اذا نقصت في المصارفة الثمن تكون احدى وعشرين واذا ضربنا السبعة في الخمسة وعشرين كانت مائة وخمسة وسبعين وفيها من الفضة الخالصة ستة دراهم لاغير واوزان هذه القطع مختلفة لاتجد قطعة وزن نظيرتها وفي ذلك فرط اخر والقليل في الكثير كثير والذي ادركناه في الزمن السابق ان هذه القروش لم يكن لها وجود بالقطر المصري البتة واول من احدثها بمصر علي بك القازدغلي بعد الثمانين ومائة والف عندما استفحل امره واكثر من العساكر والنفقات واظهر العصيان على الدولة ولما استولى محمد بك المعروف بأبي الذهب ابطلها رأسا من الاقليم وخسر الناس بسبب ابطالها حصة من اموالهم مع فرحهم بابطالها ولم يتأثروا بتلك الخسارة لكثرة الخير والمكاسب ولم يبق من اصناف المعاملة الا انواع الذهب الاسلامي ولافرنجي والفرانسة ونصفه وربعه والفضة الصغيرة التي يقال لها نصف فضة مع رخاء الاسعار وكثرة المكاسب ويصرف هذا النصف بعدد من الافلس النحاس التي يقال لها الجدد اما عشراو اثنا عشر اذا كانت مضروبة ومختومه او عشرين اذا كانت صغيرة وبخلاف ذلك ويقال لها السحاتة فكان غالب المحقرات يقضي بهذه الجدد بل وخلاف المحقرات وفي البيع والشراء وكان يجلب منها الكثير مع الحجاج المغاربه في المخالي ويبعونها على اهل الاسواق بوزن الارطال ويربحون فيها فكان الفقير او الاجير اذا اكتسب تصفا وصرفه بهذه الجدد كفاه نفقة يومه مع رخاء الاسعار ويشترى منها خبزا وادما واذا احتاج الطابخ لوزام الطبخة في التقلية اخذ من البقال البصل والثوم والسلق والكسبرة والبقدونس والفجل والكراث والليمون الصنف او الصنفين او الثلاثة بالجديد الواحد وقد انعدمت هذه الجدد بالكلية واذا وجدت فلا ينتفع بها اصلا وصار النصف الفضة بمنزلة الجديد النحاس ولا وجود له ايضا وصارت الخمساوية بمنزلة النصف بل واحقر لانه كان يصرف بعدد كثير من الجدد وهذه بخمسة فقط فإذا اخذ الشخص شيئا من المحقرات بنصف او نصفين او ثلاثة ماكان يؤخذ بجديد او جديدين لم يجد عند البائع بقية الخمساوية فأما يترك الباقي لوقت احتياج اخر ان كان يعرفه والا تعطلا واذا كان الانسان بالسوق ولحقه العطش فيشرب من السقاء الطواف ويعطيه جديدا او يملا صاحب الحانوت ابريقه بجديد وفي هذه الايام اذا كان الشخص لم يكن معه بشلك يشرب به والا بقي عطشان حتى يشرب من داره ولايهون عليه ان يدفع ثمن قربة في شربة ماء وذلك لعدم وجود النصف وكذلك الصدقة على الفقراء وامثالهم وقد كان الناس من ارباب البيوت اذا زاد بعد ثمن اللحم والخصار نصف يسألون الخادم في اليوم الثاني عنه لكونه نصف المصروف ويحاسبونه عليه وكان صاحب العيال وذوو البيوت المحتوية على عدة اشخاص من عيال وجوار وخدم اذا ادخر الغلة والسمن والعسل والحطب ونحو ذلك يكفيه في مصرف يومه العشرة انصاف في ثمن اللحم والخضار وخلافه واما اليوم فلا يقوم مقامها العشرة قروش وازيد لغلو الاسعار في كل شئ بسبب الحوادث والاحتكارات السابقة والتجددة كل وقت في جميع الاصناف ولايخفى ان اسباب الخراب التي نص عليها المتقدمون اجتمعت وتضاعفت في هذه السنين وهي زيادة الخراج واختلال المعاملة ايضا والمكوس وزاد على ذلك احتكار جميع الاصناف والاستيلاء على ارزاق الناس فلا تجد مرزوقا الا من كان في خدمة الدولة متوليا على نوع من انواع المكوس او مباشرا او كاتبا او صانعا في الصنائع المحدثة ولا يخلوا من هفوة ينم بها عليه فيحاسب مدة استيلائه فيجتمع عليه جملة من الاكياس فيلزم بدفعها وربما باع داره ومتاعه فلا يفي بما تأخر عليه فأما يهرب ان امكنه الهرب واما بقي في الحبس هذا ان كان من ابناء العرب واهالي البلدة وما ان كان بخلاف ذلك فربما سومح او تصدى له من يخفف عنه او يدخله في منصب او شركة فيرتفع حاله ويرجع احسن ما كان
    ومما حدث ايضا في هذه السنة الاستيرء على صناعة المخيش والقصب والتلي الذي يصنع من الفضة للطرازات والمقصبات والمناديل والمحارم وخلافها من الملابس وذلك بإغراء بعض صناعهم وتحاسدهم وان مكسبها يزيد على الف كيس في السنة لان غالب الحوادث باغراء الناس على بعضهم البعض وكذلك الاستيلاء على وكالة الجلابة التي يباع فيها الرقيق من العبيد والجواري السود وغيرهم من البضائع التي تجلب من بلاد السودان كسن الفيل والتمر هندي والشتم وروايا الماء وريش النعام وغير ذلك
    ومنها الحجر على عسلي النخل وشمعه فيضبط جميعه للدولة ويباع رطل الشمع بستة قروش ولا يوجد الا ما كان مختلسا ويباع خفية وكان رطله قبل الحجر بثلاثة قروش فاذا وردت مراكب الى الساحل نزل اليها المفتشون على الاشياء ومن جملتها الشمع فيأخذون ما يجدونه ويحسب لهم بأبخس ثمن فن اخفى شيئا وعثر وعليه اخذوه بلا ثمن ونكلوا بالشخص الذي يجدون معه ذلك وسموه حراميا ليرتدع غيره والمتولي على ذلك نصارى واعوانهم لادين لهم وقد هاف النحل في هذه السنة وامتنع وجود العسل وكذلك ثمر النخيل بل والغلال فلم تزك في هذه السنين مع كثرة الاسيال التي غرقت منها الاراضي بل وتعطل بسببها الزرع وزادت اثمانها وخصوصا الفول واما العدس فلا يوجد ايضا الا نادرا
    وكذلك التزم بالملاحة وتوابعها من زاد في مالها وبلغ ثمن الكيلة قرشا وكانت قبل ذلك بثلاثين نصفا وفيما ادركناه بلاثة انصاف واما اجر الاجراء والفعلة والمعمرين فأبدل النصف بالقرش وكذلك ثمن الجير البلدي والجبس لان عمائر اهل الدولة مستديمة لاتنقضي ابدا ونقل الاتربة الى الكيمان على قطارات الجمال والحمير من شروق الشمس الى غروبها حتى ستر علوها الافق من كل ناحية واذا بنى احدهم دار فلا يكفيه في ساحتها الكثير ويأخذ ما حولها من دور الناس بدون القيمة ليوسع بها داره ويأخذ ما بقي في تلك الخطة لخاصته واهل دائرته ثم يبني اخرى كذلك ليدوانه وجمعيته واخرى لعسكره وهكذا
    واما سليمان اغا السلحدار فهو الداهية العظمى والمصيبة الكبرى فإنه تسلط على بقايا المساجد والمدارس والتكايا التي بالصحراء ونقل احجارها الى داخل باب البرقية المعروف بالغريب وكذلك ما كان لجهة باب النصر وجمعوا احجارها خارج باب النصر وانشأ جهة خان الخليلي وكالة وجعل بها حواصل وطباقا واسكنها نصارى الاروام والارمن بأجره زائدة اضعاف الاجر المعتادة وكذلك غيرهم ممن رغب في السكنى وفتح لها بابا يخرج منه الى وكالة الجلابة الشهيرة التي بالخراطين لانها بظاهرها واجر الحوانيت كذلك بأجرة زائدة فأجر الحوانوت بثلاثين قرشا في الشهر وكانت الحانوت تؤجر بثلاثين نصفا في الشهر والعجب في اقدام الناس على ذلك واسراعهم في تأجرهم قبل فراغ بنائها مع ادعائهم قلة المكاسب ووقف الحال ولكنهم ايضا يستخرجونها من لحم الزبون وعظمه ثم اخذ بناحية داخل باب النصر مكانا متسعا يسمى حوش عطى بضم العين وفتح الطاء وسكون الياء كان محطا لعربان الطور ونحو هم اذا وردوا بقوافلهم بالفحم والقلي وغيره وكذلك اهالي شرقية بلبيس فأنشأ في ذلك المكان ابنية عظيمة تحتوي على خانات متداخلة وحوانيت وقهاوي ومساكن وطباق وسكن غالبها ايضا الارمن وخلافهم بالاجر الزائدة ثم انتقل الى جهة خان الخليلي فأخذ الخان المعروف بخان القهوة وما حوله من البيوت والاماكن والحوانيت والجامع المجاور لذلك تصلى فيه الجمعة بالخطبة فهدم ذلك جميعه وانشأ خانا كبيرا يحتوي على حواصل وطباق وحوانيت عدتها اربعون حانوتا اجرة كل حانوت ثلاثون قرشا في كل شهر وانشأ فوق السبيل وبعض الحوانيت زاوية لطيفة يصعد اليها بدرج عوضا عن الجامع ثم انتقل الى جهة الخرنفش بخط الامشاطية فأخذ اماكن ودورا وهدمها وهو الان مجتهد في تعميرها كذلك فكان يطلب رب المكان ليعطيه الثمن فلا يجد بدا من الاجابة فيدفع له ما سمحت به نفسه ان شاء عشر الثمن او اقل او ازيد بقليل وذلك لشافعة أو واسطة خير وإذا قيل له وقف ولا سموع لاستبدال العدم تخربة امر بتخريبة ليلا ثم ياتي بكشاف القاضي فيراه خرابا فيقضي له وكان يثقل عليه لفظة وقف ويقول ايش يعني وقف واذا كان على المكان حكر لجهة وقف اصله لايدفعه ولايلتفت لتلك اللفظة ايضا ويتمم عمائره في اسرع وقت لعسفه وقوة مراسه على ارباب الاشغال والموانة ولا يطلبق للفعلة الرواح بل يحبسهم الى الدوام الى باكر النهار ويوقظونهم في اخر الليل بالضرب ويبتدؤن في العمل من وقت صلاة الشافعي الى قبيل الغروب حتى في شدة الحر في رمضان واذا ضجوا من الحر والعطش امرهم مشد العمارة بالشرب واحضرلهم السقاء ليسقهم وظن اكثر الناس ان هذه العمائر انما هي لمخدومه لانه لايسمع لشكوى احد فيه واشتد في هذا التاريخ امر المساكن بالمدينة وضاقت بأهلها لشمول الخراب وكثرة الاغراب وخصوصا المخالفين للملة فهم الان اعيان الناس يتقلدون المناصب ويلبسون ثياب الاكابر ويركبون البغال والخيول المسومة والرهوانات وامامهم وخلفهم العبيد والخدم وبأيديهم العصي يطردون الناس ويفرجون لهم الطرق ويتسرون بالجواري بيضاء وحبوشا ويسكنون المساكن العالية الجليلة يشترونها بأغلى الاثمان ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزاهة ومنهم من عمر له دارا وصرف عليها الوفا من الاكياس وكذلك اكابر الدولة لاستيلاء كل من كان في خطه على جميع دورها واخذها من اربابها بأي وجه وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع الى اذلال المسلمين لانهم يحتاجون الى كتبة وخدم واعوان والتحكم في اهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير انكار ويقف الشريف والعامي بين يدي الكافر ذليلا فضاقت بالناس المساكن وزادت قيمتها اضعاف الاضعاف وابدل لفظ الريال الذي كان يذكر في قيم الاشياء بالكيس وكذلك الاجر والامر في كل شئ في الازدياد والله لطيف بالعباد ولو اردنها استيفاء بعض الكليات فضلا عن الجزئيات لطال المقال وامتد الحال وعشنا ومتنا مانرى غير ما نرى تشابهت العجما وزاد انعجامها نسأل الله حسن اليقين وسلامة الدين

    أحداث سنة خمس وثلاثين ومائتين والف Fasel10

    عجائب الآثار في التراجم والأخبار
    المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
    مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة
    أحداث سنة خمس وثلاثين ومائتين والف E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 12:14