من طرف فريق العمل الأحد 15 أبريل 2018 - 12:33
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ احداث شهر المحرم سنة 1220 }
واستهلت سنة عشرين ومائتين والف
فكان ابتداء المحرم يوم الإثنين ولما نزل الدلاة جهة البساتين وتلك النواحي فأكلوا زروعات الناس ونهبوا دورابدير الطين وطلبوا علوفات زائدة رتب لهم الباشا الجرايات والعليق والجامكية وقدرها ستمائة كيس في كل شهر
وفي ثامنه سافر اناس كثيرة لزيارة مولد سيدي احمد البدوي المعتاد وسافر أيضا الشيخ الشرقاوي وحضر هناك كاشف الغربية وحصل منه قبائح كثيرة وقبض على خلائق كثيرة وبلصهم وحبسهم وخوزق اناسا كثيرة من غير ذنب ولا يقبل شفاعة احد في شئ
وفيه اشيع قدوم محمد علي وحسن باشا الى مصر وذلك انهما لما سمعا بوصول طائفة الدلاة وان احمد باشا ارسل اليهم وطلبهم ليتعاضد بهم ويقوي بهم ساعده على الارنؤدية عزموا على الرجوع الى مصر ليتلافوا امرهم قبل استفحال الامر
وفي يوم الخميس حادي عشره طلب الباشا المشايخ وعمر افندي النقيب والوجا قليلة وارباب الديوان فلما اجتمعوا قال لهم أن محمد علي وحسن باشا راجعان من قبلي من غير اذن وطالبان شرافاما لن يرجعا من حيث اتيا ويقاتلا المماليك واما أن يذهبا الى بلادهما او اعطيهما ولايات ومناصب في غير اراضي مصر ومعي امر من السلطان ووكيل مفوض ودستور مكرم اعزل من اشاء واولي من اشاء واعطي من اشاء وامنع من اشاء ثم اخرج من جيبه ورقة صغيرة في كيس حرير اخضر واخبرهم انها بخط السلطان بماذكر فانتم تكونون معي وتقيمون عندي صحبة كبار الوجاقلية فقالوا له أن الشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ المهدي غائبون عن مصر فقال نرسل لهم بالحضور فكتبوا لهم اوراقا من الباشا وارسلوها اليهم مع السعاة يستعجلونهم للحضور ثم اتفقوا على أن يبيت عنده بالقلعة في كل ليلة اثنان من المتعممين واثنان من الوجاقلية واعدو لهم مكانا بالضربخانة وامر بان يذهب الدلاة والعسكر الباقية الى ناحية طرا الجيزة واخذوا مدافع وجبخانة ووصل محمد علي وحسن باشا الى ناحية طرا ومعهم عساكرهم فلم يجسر الدلاتية على مما نعتهم وكادلهم محمد علي مكايد منها انه ارسل اليهم يقول انما جئنا في طلب العلائف ولسنا مخالفين ولا معاندين فقال الدلاتية لبعضهم اذا كان الأمر كذلك فلاوجه للتعرض لهم واخلوا من طريقهم ودخل الكثير من طوائف عساكرهم ورجع الدلاتية الى اماكنهم بدير الطين وقصر العيني والآثار ونزل كتخدا الباشا وعمر بك الأرنؤدي فتكلما مع الدلاتية فقالوا أن القوم لم يكن عندهم خلاف ولاتعدوا اذا كنتم تمنعون وتحاربون من يطلب حقه فكذلك تفعلون معنا اذا خدمناكم زمنا ثم طلبنا علائفنا فرجع الكتخدا وعمر بك الارنؤدي وتتابع دخول اولئك في كل يوم طائفة بعد اخرى وسكنوا الدور والبيوت
وفي يوم الاربعاء ذهب اليهم سعيد اغا وقابجي باشا الأسودان وسلما على محمد علي وحسن باشا ثم رجعا
وفي يوم الجمعة تاسع عشره دخل محمد علي بعد العصر وذهب الى بيته بالازبكية ودخل حسن باشا في صبحها ودخلت طوائفهم واخذوا الحمير والبغال وجمال السقائين لينقلوا عليها متاعهم ودخلوا البيوت وازعجوا السكان واخرجوهم من مساكنهم وفتحوا البيوت المسدودة وكثرت اخلاطهم بالاسواق ومنع الباشا المشايخ والوجاقلية من الذهاب الى محمد علي والسلام عليه واستمر الامر على القلقلة واللقلقة والتوحش واخذ محمد علي في التدابير على احمد باشا وخلعه
{ أحداث شهر صفر سنة 1220 }
شهر صفر الخير استهل بيوم الاربعاء والامر على ما هو عليه وسعيد أغا ساع ومجتهد في اجراء الصلح ويركب تارة الى الباشا وتارة الى محمد علي والى حسن باشا ويطلع من المشايخ في كل ليلة اثنان وكذلك اثنان من الوجاقلية يبيتون لمكان في دار الضرب وينزلون في الصباح ولم يعقل لذلك معنى وفي كل وقت يقع التشاحن بين افراد العسكر في الطرقات ويقتلون بعضهم بعضا وحضر سليمان كاشف البواب ومر من خلف الجيزة وذهب الى جهة وردان وطلب الاموال من البلاد والكلف وعدى خازنداره الى بر المنوفية ومعه عدة كثيرة من العربان بطلب الاموال من البلاد ومن عصى عليهم من البلاد ضربوهم ونهبوهم وحرقوا اجرانهم وكاشف المنوفية داخل منوف لا يقدر على الخروج الى خارج وحضر أيضا محمد بك الألفي الى ناحية أبي صير الملق وانتشرت طوائفه وعربانه بأقليم الجيزة ومصر مشحونة باخلاط العسكر واجناسهم المختلفة داخل المدينة وخارجها والدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العيني والآثار ودير الطين يأكلون الزروعات ويخطفون ما يجدونه مع الفلاحين والمارين ويأخذون ما معهم ويخطفون النساء والاولاد بل ويلوطون في الرجال الاختيارية
وفي اوله حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا الى جهة الجامع الازهر يشكون ويستخبثون من افعال الدالاتية ويخبرون أن الدالاتية قد اخرجوهم من مساكنهم واوطانهم قهرا عنهم ولم يتركوهم ياخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضا عندهم وما خلص منهم الا من تسلق ونط من الحيطان وحضروا على هذه الصورة فركب المشايخ الى الباشا وخاطبوه في امرهم فكتب فرمانا خطابا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها الى اصحابها فلم يمتثلوا ولم يسمعوا ذلك وخوطب الباشا ثانيا واخبروه بعصيانهم فقال انهم مقيمون ثلاثة ايام ثم يسافرون وزاد الضجيج والجمع فاجتمع المشايخ في صبحها يوم الخميس بالازهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت سربة من الاولاد الصغار يصرخون بالاسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر الى الباشا بذلك فأرسل كتخداه الى الازهر فلم يجد به احدا وكان المشايخ انتقلوا بعد الظهر الى بيوتهم لاغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم فلما لم ير احدا ذهب الى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر افندي وخلافهفكلموه واوهموه ثم قام وانصرف وفي حال خروجه رجمه الاولاد بالحجارة وسبوه وشتموه وبقي الامر على السكوت الى يوم الجمعة عاشرة والمشايخ تاركون الحضور الى الازهر وغالب الاسواق والدكاكين مغلقة واللغط والوسوسة دائران وبطل طلوع الماشيخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة وفي ذلك اليوم نزل احمد باشا من القلعة ودخل بيت سعيد أغا وذلك انه ورد قاصد من اسلامبول وعلى يده تقليد لمحمد علي بولاية جدة فامتنع من طلوع القلعة فوقع الاتفاق علىان الباشا ينزل الى بيت سعيد أغا ويخلع على محمد علي هناك فلما حضر الباشا هناك وحضر محمد علي وحسن باشا واخوه عابدي بك وتقلد محمد علي باشا ولاية جدة ولبس فروة وقاووقا وخرج يريد الركوب ثارت عليه العسكر وطلبوا منه العلوفة فقال لهم ها هو الباشا عندكم وركب هو وذهب الى داره بالازبكية وصار يفرق وينثر الذهب بطول الطريق ثم أن العسكر ساروا الى احمد باشا ومنعوه من الركوب فلم يزل الى بعد الغروب فلاطفهم حسن باشا ووعدهم ثم ذهب مع حسن باشا الى داره واشيع في المدينة حبسه وفرح الناس وباتوا مسرورين فلما طلع النهار يوم السبت تبين انه طلع ثانيا الى القلعة في اخر الليل وطلع صحبته عابدي بك فاغتم الناس ثانيا
وفي ذلك اليوم طلب الباشا من ابن المحروقي وجرجس الجوهري الفي كيس اشيع انه عازم على عمل فردة على اهل البلد وطلب اجرة الاملاك بموجب قوائم الفرنساوية
وفيه ركب الدلاة وذهبوا الى قليوب ودخلوها واستولوا عليها وعلى دورها وربطوا خيولهم على اجرانها وطلبوا من اهلها النفقات والكلف وعملوا على الدور دراهم يطلبونها منهم في كل يوم وقرروا على دار شيخ البلد الشواربي كل يوم مائة قرش وحبسوا حريمهم عن الخروج وكان الشواربي بمصر فوصل اليه الخبر بذلك واستمروا على ذلك حتى اخذوا النساء والبنات والاولاد وصاروا يبيعونهم فيما بينهم وبعد ايام ارسل اليهم محمد علي وقرر لهم الكلف على البلاد فصاروا يقبضونها ومن عصى عليهم ضربوه ونهبوه وارسلوا الى بلدة يقال لها أبو الغيط فامتنعت عليهم وخرج اهلها ودفنوا متاعهم بالجزيرة المقابلة للقرية فركبوا عليهم وحاربوهم فقتل من الفلاحين زيادة عن مائة شخص ودلهم بعض الناس من الفلاحين على خباياهم بالجزيرة فذهبوا اليها واستخرجوها وكانت اشياء كثيرة والامر لله وحده لاشريك له والمشايخ تاركون الحضور الى الازهر وغالب الاسواق والدكاكين مغلقة وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة فحضر الاغا الى نواحي الازهر ونادى بالامان وفتح الدكاكين في العصر فقال الناس واي شئ حصل من الامان وهو يريد سلب الفقراء وياخذ اجر مساكنهم ويعمل عليهم غرامات وباتوا في هرج ومرج فلما اصبح يوم الاحد ثاني عشرة ركب المشايخ الى بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والاطفال حتى امتلا الحوش والمقعد بالناس وصرخوا بقولهم شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم ومن الاولاد من يقول يا لطيف ومنهم من يقول يارب يامتجلي اهلك العثملي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك وطلبوا من القاضي أن يرسل باحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع فارسل الى سعيد أغا الوكيل وبشير أغا الذي حضر قبل تاريخه وعثمان أغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي فحضر الجميع واتفقوا على كتابة عرضحال بالمطلوبات ففعلوا ذلك وذكروا فيه تعدي طوائف العسكر والايذاء منهم للناس واخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميري المعجل وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوي الكاذبة وغير ذلك واخذوه معهم ووعدوه برد الجواب في ثاني يوم وفي تلك الليلة ارسل الباشا مراسلة الى القاضي يرفق فيها الجواب ويظهر الامتثال ويطلب حضوره الية من الغد مع العلماء ليعمل معهم مشورة فلما وصلته التذكرة حضر بها الى السيد عمر افندي واستشاروا في الذهاب ثم اتفقوا على عدم التوجه اليه وغلب على ظنهم انها منه خديعة وفي عزمه شئ اخر لانه حضر بعد ذلك من اخبرهم انه كان اعد اشخاصا لإغتيالهم في الطريق وينسب ذلك الفعل لاوباش العسكر أن لو عوتب بعد ذلك
فلما اصبحوا يوم الإثنين اجتمعوا ببيت القاضي وكذلك اجتمع الكثير من العامة فمنعوهم من الدخول الى بيت القاضي وقفلوا بابيه وحضر اليهم ايضا سعيد أغا والجماعة وركب الجميع وذهبوا الى محمد علي وقالو له انا لا نريد هذا الباشا حاكما علينا ولابد من عزله من الولاية فقال ومن تريدونه يكون واليا قالوا له لانرضى الا بك وتكون واليا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير فامتنع اولا ثم رضي واحضروا له كركا وعليه قفطان وقام اليه السيد عمر والشيخ الشرقاوي فألبساه له وذلك وقت العصر ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة وارسلوا الى احمد باشا الخبر بذلك فقال اني مولى من طرف السلطان فلا اعزل بأمر الفلاحين ولا انزل من القلعة الا بامر من السلطنة واصبح الناس وتجمعوا أيضا فركب المشايخ ومعهم الجم الغفير من العامة وبايديهم الاسلحة والعصي وذهبوا الى بركة الازبكية حتى ملؤها وارسل الباشا الى مصر لعتيقة فحمل جمالا من البقسماط والذخيرة والجبخانة واخذ غلاله من عرصة الرميلة وطلع عمر بك الانؤدي الساكن ببولاق عند الباشا بالقلعة ثم أن محمد علي باشا والمشايخ كتبوا مراسلة الى عمر بك وصالح أغا قوش المعضدين لاحمد باشا المخلوع يذكرون لهما ما اجتمع عليه رأي الجمهور من عزل الباشا ولاينبغي مخالفتهم وعنادهم لما يترتب على ذلك من الفساد العظيم وخراب الإقليم فأرسلا يقولان في الجواب ارونا سندا شرعيا في ذلك فاجتمع المشايخ في يوم الخميس سادس عشرة ببيت القاضي ونظموا سؤالا وكتب عليه المفتون وارسلوه اليهم فلم يتعقلوا ذلك واستمروا على خلافهم وعنادهم ونزل كثير من اتباع الباشا بثيابهم الى المدينة وانحل عنه طائفة الينكجرية ولم يبق معه الا طوائف الارنؤد المغرضون لصالح أغا قوش وعمر أغا
وفي هذه الايام حضر محمد بك الألفي ومن معه من امرائه وعربانه وانتشروا جهة الجيزة واستقر الألفي بالمنصورية قرب الاهرام وانتشرت اتباعه الى الجسر الاسود وارسل مكاتبه الى السيد عمر افندي والشيخ الشرقاوي ومحمد علي باشا يطلب له جهة يستقر فيها هو واتباعه فكتبوا له بان يختار له جهة يرتاح فيها ويتانى حتى تسكن الفتنة القائمة بمصر واستمر احمد باشا المخلوع ومن معه على الخلاف والعناد وعدم النزول من القلعة ويقول لا انزل حتى يأتيني امر من السلطان الذي ولاني وارسل تذكرة الى القاضي يذكر فيها ان العسكر الذين عنده بالقلعة لهم جامكية منكسرة في المدة الماضية وانهم كانوا محولين على مال الجهات ورفع المظالم سنة تاريخه معجلا فتقبضونها وترسلونها وتعينوا لنا ولهم خراجا ومصاريف الى حين حضور جواب من الدولة وليس في اقامتنا بالقلعة ضرر او خراب على الرعية فاننا لانريد اضرارهم فاجابه القاضي بقوله اما ما كان من الجامكية المحولة فإنها لازمة عليكم من ايراد المدة التي قبضتموها في المدة السابقة ومن قبيل ما ذكرتموه من عدم ضرر الرعية فإن اقامتكم بالقلعة هو عين الضرر فإنه حضر يوم تاريخه نحو الاربعين ألف نفس بالمحكمة وطالبون نزولكم او محاربتكم فلا يمكننا دفع قيام هذا الجمهور وهذا اخر المراسلات بيننا وبينكم والسلام فأجابوه بمعنى الجواب الاول واجتهد السيد عمر افندي النقيب وحرض الناس على الاجتماع والاستعداد وركب هو المشايخ الى بيت محمد علي باشا ومعهم الكثير من المشايخ والعامة والوجاقلية والكل بالاسلحة والعصي والنبابيت ولازموا السهر بالليل في الشوارع والحارات ويسرحون احزابا وطوائف ومعهم المشاعل ويطوفون بالجهات والنواحي وجهات السور ثم اتفقوا على محاصرة القلعة فأرسل محمد علي باشا عساكره في جهات الرميلة والحطابة والطرق النافذة مثل باب القرافة والحصرية وطريق الصليبية وناحية بيت اقبردي وجلسوا بالمحمودية والسلطان حسن وعملوا متاريس في تلك الجهات وذلك في تاسع عشرة ومنعوا من يطلع ومن ينزل من القلعة واغلق اهل القلعة الابواب ووقفوا على الاسوار يبكت بعضهم بعضا بالكلام ويترامون بالبنادق وصعدوا على منارة السلطان حسن يرمون منها الى القلعة
وفي يوم الابعاء ثاني عشرينه ركب السيد عمر افندي والمشايخ ومعهم جمع كثيرة من الناس الى الأزبكية وبعد ركوبهم حضر الجمع الكثير من العامة والعصب وطوائف الأجناد والوجاقلية وعصب النواحي واهل الحسينية والعطوف والقرافة والرميلة والحطابة والصليبة وجميع الجهات ومعهم الطبول والبيارق حتى غصت بهم الازقة فحضروا الى جهات الجامع الازهر ثم رجعوا الى الازبكية ولحقوا بالمشايخ وخرج المشايخ من عند محمد علي باشا وذهبوا الى حسن بك اخي طاهر باشا ثم رجعوا واستمر الحال على ذلك الى ليلة الجمعة فنزل بين المغرب والعشاء عدة من العسكر كبيرة فتحوا باب القلعة بالرميلة وارادوا الهجوم على المتاريس فتابعوا عليهم بالرمي فلم يزالوا يترامون الى بعد العشاء الأخيرة ثم رجعوا وعند ما سمع الناس صوت الرمي ذهبوا ارسالا الى جهات المتاريس ثم عادوا بعد رجوع المذكورين الى القلعة كل ذلك وحسن باشا طاهر ومن معه من الارنؤد يراعون من بالقلعة من اجناسهم لان غالبهم منهم فلما كان يوم الجمعة رابع عشرينه طلع عابدي بك اخو حسن باشا الى القلعة ونزل عمر بك وامروا برفع المتاريس وتفرق من بها واشيع نزول الباشا من الغد وبات الناس على ذلك ليلة السبت وهم على ماهم عليه من التجمع والسروح والحيرة
وفي صبح يوم السبت مر ثلاثة من العسكر الجمان بناحية مرجوش فصادفوا غلاما حماميا من اللاونجية خرج ليشتري قهوة فارادوا اخذه ففر منهم فضربوه برصاصة وقتلوه وذلك في صلاة الحنفي فتبعهم الناس فواصلوا الى النحاسين وعطفوا على خان الخليلي وارادوا الخلوص الى جهة المشهدالحسيني فأغلقوا في وجوههم البوابة فضربوا على المتبعين لهم فقتلوا شخصا وجرحوا اخر وخرجوا من القبو الى ناحية الصنادقية وفرغ ما معهم من البارود فطلعوا الى ربع وكالة الشبراوي فاجتمع الناس وكسروا باب الربع فنزلوا يريدون الهروب فقتلهم الناس وذهبت ارواحهم الى النار
وفي ذلك اليوم ركب السيد عمر افندي في قلة من الناس وذهب الى بيت حسن بك اخي طاهر باشا وكان هناك عمر بك الذي نزل من القلعة فوقع بينه وبين السيد عمر مناقشة في الكلام طويلة ومن جملة ما قال كيف تزلون من ولا السلطان عليكم وقد قال الله تعالى اطيعو الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فقال له اولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل وهذا رجل ظالم وجرت العادة من قديم الزمان أن اهل البلد يعزلون الولاة وهذا شئ من زمان حتى الخليفة والسلطان اذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه ثم قال وكيف تحصرونا وتمنعون عنا الماء والاكل وتقاتلونا نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك قال نعم قد افتى العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم لانكم عصاة فقال أن القاضي هذا كافر فقال اذا كان قاضيكم كافرا فكيف بكم وحاشاه الله من ذلك انه رجل شرعي لايميل عن الحق وانفصل المجلس على ذلك وخاطبه الشيخ السادات في مثل ذلك فلم يتحول عن الخلاف والعناد هذا الأمر مستمر من اجتماع الناس وسهرهم وطوافهم بالليل واتخاذهم الاسلحة والنبابيت حتى أن الفقير من العامة كان يبيع ملبوسه او يستدين ويشتري به سلاحا وحضرت عربان كثيرة من نواحي الشرق وغيره
وفي يوم الاثنين ركب السيد عمر وصحبته الوجاقلية وامامه الناس بالاسلحة والعدد والاجناد واهل خان الخليلي والمغاربة شئ كثير جدا ومعهم بيارق ولهم جلبة وازدحام بحيث كان اولهم بالموسكي واخرهم جهة الازهر وانفصل الامر على رجوع عمر بك الى القلعة ونزول عابدي بك بعد أن فضوا اشغالهم وعبوا ذخيرتهم واحتياجهم من الماء والزاد والغنم ليلا ونهارا في مدة الثلاثة ايام المذكورة وقد كانوا اشرفوا على طلب الامان وتبين انهم انما فعلوا ذلك من باب المكر والخديعة واتفق الحال على اعادة المحاصرة وصعد المغرضون الى القلعة ونزل اشخاص من المغرضين لاهل البلد اليهم ورجع السيد عمر الى منزله واخذ في اسباب الاحاطة بالقلعة كالاول وذلك بعد العشاء ليلة الثلاثاء ووقع الاهتمام في صبحها بذلك وجمعوا الفعلة والعربجية وشرعوا في طلوع طائفة من العسكر والعرب وغيرهم الى الجبل واصعدوا مدافع ورتبوا عدة جمال لنقل الأحتياجات والخبز وروايا الماء تطلع وتنزل في كل يوم مرتين وطلع اليهم الكثير من باعة الخبز والكعك والقهاوي وغير ذلك
{ أحداث شهر ربيع الاول سنة 1220 }
شهر ربيع الاول استهل بيوم الخميس والامر على ذلك مستمر من تجمع الناس وسهرهم بالليل في سائر الأخطاط
وفي ليلة الثلاثاء سادسه تحرك العسكر وطلبوا العلوفة من محمد علي فقال لهم ليس لكم عندي علوفة حتى ينزل احمد باشا من القلعة ونحاسبه وتاخذوا علائفكم منه فلم يمتثلوا وتركوا المتاريس التي حوالي القلعة فتفرقوا وذهبوا فذهب جماعة من الرعية وتترسوا مواضعهم
وفي ليلة الخميس ثامنه حضرت طائفة من العسكر الساكنين بناحية المظفر وقت الغروب وضربوا على من بالمتاريس من الاجناد والرعية على حين غفلة وخطفوا عمائم واسلحة واجلوهم عن المتراس وجلسوا به فتسامع اهل الرميلة فاجتمعوا وحضروا اليهم وكبيرهم حجاج الخضري واسمعيل جودة وهجموا عليهم وقتلوا منهم انفارا وانحاز باقيهم الى الوكالة فاغلقوها عليهم فحضر ذو الفقار كتخدا ودافع عنهم واخرجهم ثم ارسل الى محمد علي وامره بالهرب من تلك الجهة
وفي يوم الجمعة قتل العسكر شخصا بناحية المظفر واخر بناحية قنطرة الامير حسين
وفي يوم السبت عاشرة حصل من بعض افراد العسكر قبائح وقتلوا بعض انفار وحمارين وبغلين وقبض العامة أيضا على اشخاص منهم وقتلوا منه ايضا وحضر طائفة من الارنؤد وملكوا سبيل اسكندر بباب الخرق و حضر أيضا طائفة ببيت السيد عمر افندي النقيب فقام فيهم الحرس الواقفون عند باب بالبيت فهرب منهم طائفة خيالة ودخل منهم البعض فحجزوهم ووقع في الناس هوزعات وكرشات ثم احضر حسن أغا نجاتي المحتسب وامر الافندي بالمناداة فمر وامامه المنادي يقول حسبما رسم السيد عمر الافندي والعلماء لجميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم واسلحتهم ويحترسوا في اماكنهم واخطاطهم واذا تعرض لهم عسكري بإذية قابلوه بمثلها والا فلا يتعرضوا له واخذ الناس يعلمون متاريس في رؤس الاخطاط ثم تركوا ذلك وحضر أيضا شخص من طرف محمد علي ونادى بمثل ذلك ومعه أيضا شخص ينادي بالتركي بمعنى ذلك
وفي الليلة الماضية حضر كتخدا محمد علي ليلا ومعه فرمان ارسله احمد باشا المخلوع الى الدلاة يطلبهم للحضور ويذكر لهم انه يجب عليهم معاونته صيانة لعرض السلطنة واقامة لناموسها وناموس الدين وان الفلاحين محاصرونه ومانعون عنه الاكل والشرب فلما وصل ذلك الفرمان اليهم يقلبون ارسلوه الى محمد علي وارسله محمد علي الى السيد عمر افندي النقيب
وفي يوم الاحد حادي عشرة وقعت ايضا مناوشات وتعدى بعض العسكر ودخلوا باب زويلة ووصلوا الى العقادين فخرجت عليهم طائفة المغاربة وغيرهم فتترس منهم جماعة بجامع الفاكهاني فحصروهم به وقبضوا على نحو العشرة انفار فاخذهم السيد محمد المحروقي ودافع عنهم العامة وقتل من الفريقين بعض انفار وحضر عابدي بك وطلبهم فسلموهم اليه ورجع
وفي تلك الليلة أيضا ذهب جماعة من العسكر الى جهة الرميلة يطلبون انفارا منهم ساكنين بتلك الناحية اخذ اهل الرميلة سلاحهم وحبسوهم عندهم فذهبت امراة من المتزوجات بهم فأخبرتهم فحضر منهم طائفة اواخر النهار وطلبوهم فلم يسلموا فيهم وحاربوهم وهزموهم الى جهة الصليبة وقتل بينهم انفار ورجع العسكر واختلطت القضية واشتبه امرها على اهل البلد فلا يعرف كلا الفريقين الصاحب من العدو فتارة يتشابك العسكر مع اهل البلد وكذلك اهل البلد معهم وتارة يتشابك فرقة منهم مع الكائنين بالقلعة وتارة الفريقان يساعد بعضهم بعضا واذا وقع بين الكائنين بنواحي الرميلة مع العسكر فرح من بالقلعة واغروا اولاد البلد بهم ومنهم من يغري العسكر على اولاد البلد ويقولون لهم بلسانهم وبالعربي اضربوا الفلاحين ونحو ذلك وبالجملة فهي قضية مشكلة بين اوباش مختلفة وطباع معوجه منحرفة ومضت ليالي المولد الشريف ولم يشعر بها احد
وفيه حضر كبار الدلاة فخلع عليهم محمد علي باشا خلعا وكساوي وسافروا ثم ارتحلوا من قليوب يريدون الذهاب الى محاربة الالفي واتباعه ومن معهم من العرب فإنهم افحشوا في نهب البلاد ونهب الاموال مالم يسمع بمثله ولم يتقدم نظيره فساروا على البلاد والقرى يأخذون الكلف وينهبون ويقتلون ويفسقون في النساء والاولاد ولم يذهبوا الى ما وجهوا اليه
وفي ليلة الاربعاء رابع عشرة حضر كتخدا محمد علي وجرجس الجوهري الى بيت السيد عمر وحضر أيضا الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير والقاضي وتشاوروا على امر و رأي رآه محمد علي باشا واما علي باشا السلحدار الذي جهة مصر القديمة فانه اخذ في استمالة العسكر وفتنتهم وانضم اليه كثير منهم ووعدهم بعلائفهم وصار يراسل احمد باشا سرا ويرسل اليه الخبز واللحم والسكر والذخيرة على الجمال من باب صغير فتحوه من عرب اليسار من داخل
وفي لية السبت اجمع راي علي باشا السلحدار على مكيدة يصنعها وهو انه يركب فيمن معه ويهجم على المتاريس من جهة الصليبة وارسل الى مخدومه يعلمه بذلك وانه اذا هجم من تلك الناحية يساعده هو من القلعة برمي المدافع والقنابر على البلد والمتاريس فتنزعج الناس ويتم لهم ما مكروه وكتب رجب أغا وسليمان أغا وهما كبيرا عسكر علي باشا المذكور تذكرة عن عندهما خطابا للسيد عمر افندي النقيب وباقي المشايخ مضمونها انهما يريدان الحضور الى جهة القلعة ويسعيان في امر يكون فيه الراحة للفريقين وتسكين الفتنة ويلتمسان من المخاطبين انهم يرسلون الى من بالمتاريس من العامة بان يخلوا لهما طريقا ولا يتعرضون لهما فحضر الى السيد عمر افندي النقيب من اخبره بذلك الاتفاق بعد الفجر قبل حضور التذكرة فأرسل الى من بالنواحي والجهات وايقظهم وحذرهم فاستعدوا وانتظروا وراقبوا النواحي فنظروا الى ناحية القرافة فرأوا الجمال التي تحمل الذخيرة الواصلة من علي باشا الى القلعة ومعها انفار من الخدم والعسكر وعدتهم ستون جملا فخرج عليهم حجاج الخضري ومن معه من اهالي الرميلة فضربوهم وحاربوهم واخذوا منهم تلك الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة وحضروا بهم وبرؤوس المقتولين الى بيت السيد عمر فارسلهم الى محمد علي باشا فامر بقتل الاخرين فلما رأى من بالقلعة ذلك فعندها رموا بالمدافع والقنابر على البلد وبيت محمد علي وحسن باشا وجهة الازهر ولم يزالوا يراسلون الرمي من اول النهار الى بعد الظهر فلم ينزعج اهل البلد من ذلك لما الفوه من ايام الفرنسيس وحروبهم السابقة ثم رموا كذلك من العشاء الى سادس ساعة من الليل فلم يجبهم احد لم يرموا عليهم شيئا من الجبل مع استعدادهم لذلك واصبحوا يوم الاحد فواصلوا الرمي بطول النهار وكذلك ليلة الاثنين ويوم الاثنين هذا
وفي كل ليلة يطلع الى الجبل اربعة عشر جملا تحمل قرب الماء على كل بعير اربع قرب وستة اقفاص خبز على ثلاثة جمال نقلتين في كل يوم واصعدوا جبخانة وجللا وقنابر وضربوا عليهم في ذلك اليوم ضربا قليلا واستر ذلك ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء فأكثروا الرمي وسقطت قنابر وجلل في عدة اماكن مع الضرر القليل وباتوا على ذلك ليلة الاربعاء ويومه وليلة الخميس ويومه الى اخر النهار وبطل الرمي تلك الليلة فقال الناس انهم تركوا ذلك احتراما لليلة الجمعة
وفي تلك الليلة حضر جماعة من اهل الاطارف ليلا وحرقوا باب الجبل واوقدوا فيه النار فظن اهل الجبل أن اهل القلعة يريدون الخروج فضربوا عليهم مدافع فتنبه من بالقلعة واسرعوا الى جهة باب الجبل وضربوا بالرصاص فلما تحقق من بالجبل القضية رموا عليهم أيضا وتسامع الناس كثرة ضرب الرصاص فلم يعلموا الحقيقة ورجع من اتى الى الباب من غير طائل فلما طلع النهار ظهر الامر
وفي اليوم الثاني بعد الظهر تسلق جماعة من العسكر القلعاوية على سلالم صنعوها من حبال ونزلوا الى جهة المحجر لاخذ شئ من الاكل والشرب وهم نحو العشرين فتنبه الناس لهم واجتمعوا بالخطة واخذوا ما اخذوه من اهل الدور من الخبز والدقيق وقرب الماء وصعدوا من حيث اتوا واعادوا الرمي بالمدافع والقنابر من عصر يوم الجمعة وليلة السبت واستمروا على ذلك وسقط بسبب ذلك حيطان وبعض من ابنية الدور وخرج كثير من الناس وبعدوا عن جهات الضرب وخصوصا جهة الازهر وذهبوا الى ناحية الحسينية والاطارف وخرجت النساء هاربات الى تلك النواحي وبولاق وانزعجوا من اوطانهم
وفي يوم الاحد ارسل كتخدا محمد علي باشا الى السيد عمر واشار عليه بارسال العتالين والشيالين الى ناحية قلعة الفرنساوية التي بقنطرة الليمون لرفع المدفع الكبير الذي هناك وارسلوا اشخاصا من الانكليز يتقيدون بذلك فجمعوا الرجال والابقار وذهبوا الى هناك واحضروه واخرجوه من باب البرقية يريدون وضعه عند باب الوزير حيث مجرى السيل ليرموا به على برج القلعة واستمروا في جره يومين
وفي ذلك اليوم نزل أيضا ستة اشخاص يريدون اخذ الماء من صهريج جهة الحطابة فضرب عليهم من هناك من المتترسين فهربوا وطلعوا من حيث نزلوا
وفي ليلة الثلاثاء نصبوا المدفع المذكور وضربوا به وضربوا أيضا من اعلى الجبل ومن بالقلعة يضربون على البلد يواصلون الضرب بالمدافع والقنابر والبنبات الكبار والآلات المحرقة واستمروا على ذلك الى ليلة الجمعة الاخرى فسكن الرمي تلك الليلة واصيب كثير من الدور والحيطان والابنية واصابت اشخاصا قتلتهم ووزن بعض البنبات فبلغ وزنها بما فيها قنطارين
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة