من طرف فريق العمل الأربعاء 11 أبريل 2018 - 3:03
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ احداث شهر جمادى الثانية سنة 1218 }
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الاحد
وفي أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤن على نقل الماء الى الصهاريج والاسبلة ليلا ونهارا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالاراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم الى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون
وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر الى بر الجيزة وخرج الامراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما اصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية الى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت اليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير واصبح البرديسي مجتهدا في ذلك وأرسل محمد علي خازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال الى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبة غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب الى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضا وفتحوا الطوابين والمخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالاسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الاردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير ان وجد وكان السعر لاضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الارياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي
وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه الى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة ايام وقطع عنها الماء ثم رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب الى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء الى حاله الاول ورد المكوس والمظالم
وفي يوم الاحد وصل البرديسي الى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس الى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس
وفي يوم الاثنين عملوا ديوانا عند ابراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والالفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرا وكذلك على باقي الامراء والكشاف والاجناد كل منهم على قدر حاله في الايراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسا ومنهم عشرة وخمسة واثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرا كبيرا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الاصل الف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت
وفي يوم السبت رابع عشره انزلوا فردة ايضا على اهل البلد ووزعوها على التجار وارباب الحرف كل طائفة قدرا من الاكياس خمسين فما دونها الى عشرة وخمسة وبثت الاعوان للمطالبة فضج الناس واغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوت للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال الى امر شنيع وهو انهم سعروها كل اردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته الا بأذن من القيم بعد ما يأخذ منه نصف الغلة او الثلث او الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن واذا أرادوا ذو الجاه الشراء ذهب أولا سرا وقدم المصلحة والهدية الى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلا وصار يتأخر في حضوره الى الساحل الى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه واذا حضر ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل اردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الاجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم اربعمائة اردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك الى داره ولا يضعون بالعرصات شيئا ويعطى للخبازين من المائتين خمسين أردبا أو ستين ويبيع الباقي باغراضه بما أحب من الثمن ليلا فضج الناس وشح الخبز من الاسواق وخاطب بعض الناس الامراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك الى آخر الشهر والامر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة او التبن أو السمن فلا يقدر من يشترى شيئا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكترى واحدا عسكريا أو مملوكا يحرسه حتى يوصله الى داره وان حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحرى أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء
وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوى وهو الذى كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوى
{ أحداث شهر رجب سنة 1218 }
شهر رجب الفرد استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الاغا أمين البحرين والساحل ورفق بالامر واستقر سعر الغلة بالف ومائتين نصف فضة الاردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفا فيكون القنطار بأربعين ريالا وأما التبن فصار يباع بالقدح ان وجد وسرب الناس بهائمهم من عدم العلف
وفيه حضر واحد انكليزى وصحبته مملوك الالفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكا ومدافع وأشيع حضور الالفي الى سكندرية ثم تبين ان هذا الانكليزى أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته الى مصر فأشيع في الناس ان الالفي حضر الى الاسكندرية وان هذا خازنداره سبقه بالحضور الى غير ذلك
وفيه حضر ايضا بعض الفرنسيس بمكاتبة الى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة التي بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الامراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا ان الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الامر على تأخير هذه القضية الى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك وحضر أيضا صحبة اولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب اخوه الاستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال اخوه انها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الاكليل الذى هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الاكليل فيكون الحق في تركته لاخيه لا لها
وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الافرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الافرنج فكان يخرج بهم في كل يوم الى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وارد بوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الايام ثم عادوا فمروا بمساكن الافرنج ووكالة القنصل فأخرج الافرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من اسفل بالبنادق فضرب الافرنج عليهم أيضا فلم يكن الا ان هجموا عليهم ودخلوا يحاربونهم في اماكنهم والافرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا الى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابا بصورة الواقعة وأرسلوه الى اسلامبول والى بلادهم وأما العسكر اتباع الباشا فانه لما خرج الافرنج وتركوا اماكنهم دخلوا اليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل الى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر اليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فأمتنعوا عن الكتابة الا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيرى المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه اذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك
وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا الى ابراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه ايضا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الازهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزا
وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وارسلوها الى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور الى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولاجل الاخذ في تشهيل امور الحج وان تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك الى غير ذلك من الكلام
وفي عاشره سافر جعفر كاشف الابراهيمي رسولا الى احمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر
وفي هذه الايام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالاسواق وشبعت عيون الناس ونزل السعر الى ثمانية ريالات وسبعة وانكفوا عن الخطف الا في التبن
وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميرى ومال الجهات ورفع المظالم عن سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد امراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الارنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على اعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها واعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد ان أمكنه ذلك
وفي اواخره نبهوا على تعمير الدور التي اخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل واحدثوا على الشوارع السالكة دروبا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد اهل الاخطاط بعضهم كما هو طبيعة اهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتماما عظيما وظنوا ظنونا بعيدة وأنشؤا بدنات واكتافا من احجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من اصحابها وفردوا اثمانها عن اهل الخطة
وفي اواخره ايضا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الابراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فأنه انشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذى هو بيت حسن كاشف جركس احداهما عند قناطر السباع والاخرى عند المزار المعروف بكعب الاحبار وبنى حولهما ابراجا عظيمة وبها طيقان بداخلها مدافع افواهما بارزة تضرب الى خارج ونقل اليها مدافع الباشا التي كانت بالازبكية فسبحان مقلب الاحوال
وفيه نزل ابراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودى الى بولاق واخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وارسلوه الى بحرى فأرتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال
{ أحداث شهر شعبان سنة 1218 }
شهر شعبان اوله يوم الاربعاء فيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذى يقال له ديوان افندى وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة مضمونه الرضا عن الامراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الاعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل امير فائظ خمسة عشر كيسا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الاوسبة والمضاف والبراني يضم الى الميرى وان الكلام في الميرى والاحكام والثغور الى الباشا والروزنامجي الذى يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذى يحضر أيضا فلما قرىء ذلك بحضرة الجمع من الامراء والمشايخ اظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأى على ارسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابا مضمونه مختصرا انه وصل الينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الاحوال واعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الاثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا ابراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محمد ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوى
وفي هذه الايام كثر عيث العسكر وعربدتهم في الناس فخطفوا عمائم وثيابا وقبضوا على بعض أفراد واخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم
وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم
وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الازهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس واخذوا ثيابهم وعمائمهم فأنزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت الى بولاق ومصر العتيقة واغلقوا الدكاكين واجتمع أناس وذهبوا الى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ الامير فركبوا الى الامراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الاغا والوالي وامامه عدة كبيرة من عسكر الارنؤد وخلافهم والمنادى ينادى بالامن والامان للرعية وان وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وان لم يقدروا عليه فليأخذوه الى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمنادة خطفوا عمائم ونساء
وفي ليلة الاربعاء ثامنه حضر الوالي الى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشعى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته واخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها اياما حتى انتفخ فأخرجوه واخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الامراء وان بعضهم اشترى منه اواني نحاسا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه في ايام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها الى دارها وطالبها فقالت له عندى شيء فطلع الى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل الى المطبخ واخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام واخذها وخرج
وفي يوم الأحدثاني عشرة نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر ان اتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على ان الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدا فكان هذا أول احكامه الفاسدة وفي يوم الاربعاء اشيع ان الامراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت ابراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك ابراهيم بك الوالي الذى تزوج عديلة بنت ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك ابراهيم عثمان بك المرادى الذى قتل بأبي قير الذى تزوج امرأة سيده ايضا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الاشقر الذى تزوج امرأة سيده ايضا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوى ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الاغا وتزوج ابنته ايضا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقا
فلما كان يوم الاحد تاسع عشرة عملوا ديوانا بالقلعة والبسوا فيه خمسة عشر صنجقا وهم اربعة من طرف ابراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الامير ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده واسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذى تزوج بزوجة سيده زينب هانم ابنة الامير ابراهيم بك ايضا ومحمد كاشف الاشقر الذى تزوج بإمرأته وخليل اغا كتخدا ابراهيم بك ومن طرف البريسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادى ورستم تابع عثمان الشرقاوى وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذى تزوج بإمرأته ومن طرف الالفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليا عوضا عن حسين المذكور
وفيه ورد الخبر بوصول طائفة من الانكليز الى القصر وهم يزيدون على الالفين
وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا ابراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه انه وصل الى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور الى مصر وانه يأمر بتشهيل ادوات الحج ولوازمه واطلق اربعة واربعين نقيرة حضرت الى رشيد ببضائع للتجار
وفيه حضر جعفر كاشف الابراهيمي من الديار الشامية وقد قابل احمد باشا الجزار واكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيا بعد ايام
وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره الى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق ان جماعة من عسكره الاتراك الذين انضموا اليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودى بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الاتراك ثلاثة ومن البحرية اربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع الى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من الامراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب الى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ الى الالفي فأرسل البرديسي خبرا الى الالفي بعزل حسين بك عن قبطانبة البحر وتولية خلافه فلم يرض الالفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الامر على ان حسين بك يطلع الى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطيبا لخاطر سليمان بك واخمادا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه
وفي يوم الاحد سادس عشرينه البس ابراهيم بك عثمان كاشف تابع علي أغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضا عن سيده وكان شاغرا من مدة حلول الفرنساوية
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه ركب حسين بك اخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر الى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فأنزعج من ذلك ولم يكن عند في تلك الساعة الا اناس قليلة فأرسل الى مماليكه فلبسوا اسلحتهم وارسلوا الى الامراء والكشاف والاجناد بالحضور وتواني في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الامراء الى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل الى التنهة واذن لاخي طاهر باشا بالدخول اليه في قلة من اتباعه وسأل عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وارسل البرديسي الى محمد علي فحضر اليه وفاوضه في ذلك ثم ركب من عنده بعد المغرب
وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة الى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودى بانه من شعبان واصبح الناس مفطرين فلما كان صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودى بالامساك وقت الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره الا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء
{ أحداث شهر رمضان سنة 1218 }
شهر رمضان المعظم استهل بيوم الجمعة في ثانيه قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر اعلى وأوسط وأدنى ستين الفا وعشرين الفا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصا بالارياف
وفيه نزلت الكشاف الى الاقاليم وسافر سليمان بك الخازندار الى جرجا واليا على الصعيد وصالح بك الالفي الى الشرقية
وفي ثامنه وصل الى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان
وفيه حضر ساع من الاسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بان الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الاثنين وبرز خيامه وخازنداره الى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من امراء مصر يأمرونه بان يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب الى رشيد فانحرف مزاجه من ذلك واحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه واطلعهم على المكاتبة وقال لهم كيف تقولون اني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب الى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك
وفي يوم الاربعاء ثالث عشره غيمت السماء غيما مطبقا وامطرت مطرا متتابعا من آخر ليلة الاربعاء الى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه اصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقى على ذلك التغير أياما الا أنه حصل بها النفع في الاراضي والمزارع
وفي منتصفه ورد الخبر بخروج الباشا من الاسكندرية وتوجهه الى الحضور الى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من اربابها قهرا وينقشونها بانواع الاصباغ والزينة والالوان ويركبون عليها مقعدا مصنوعا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونه وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الاصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك آغات الرسالة فلما خرج الباشا من الاسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلى الى يحيى بك يقولان له ان حضرة الباشا يريد الحضور الى رشيد في قلة واما العساكر فلا يدخل احد منهم الى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا الى يحيى بك وارادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسا مع عمر بك كبير الارنؤد الذى عنده وهم يقرؤن جوابا أرسله الباشا الى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض اتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم اى شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا الى مصر صحبة رضوان كتخدا
وفي يوم الجمعة سادس عشره ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتوليه خلافه
وفي عشرينه اشيع سفرالالفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة الى جهة انبابة واخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانه وغير ذلك
وفي رابع عشرينه عدى الالفى ومن معه الى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا الى بر المنوفية فلما عدوا الى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم الى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان
وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح افندى وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك ولا يجتمع به أحد
وفي غايته وصل الباشا الى ناحية منوف وفردوا له فردا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الارض
وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الانؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصا بالليل حتى كان الانسان اذا مشى يربط عمامته خوفا عليها واذا تمكنوا من احد شلحوا ثيابه واخذوا ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب الى الاسواق مثل سوق أنبابه في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والاغنام والابقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون الى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك الافي النادر خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل الى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني واما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة ان وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الاحطاب وباقي الامور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الارنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الاثمان وعلم الارنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها اباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الاقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشىء لا تدركه الافهام ولا تحيط به الاقلام وخصوصا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة
{ أحداث شهر شوال سنة 1218 }
استهل شهر شوال بيوم السبت
وفي ثانيه سب رجلا تاجرا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم الى حمام الطنبدى فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا مافي جيبه من الدراهم وغيرها وذهبيوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك
وفيه وصل الباشا الى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين مركبا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضا
وفيه ركب الالفي والامراء ما عدا ابراهيم بك والبرديسي فأنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا الى مخيمهم بشبرا وخرج أيضا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وابقوا عند بيوتهم طوائف منهم
وفيه وقعت مشاجرة بين الارنؤدية جهة بيوت سوارى العساكر بسبب امرأة قتل فيها خمسة أنفار بالازبكية
وفي ثالثة أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العساكر باسلحتهم فازعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين واكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالابواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم
وفي رابعه غيروا العسكر باجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذى على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فان بزى الفلاحين بأن كا لابس جبة صوف او زعبوط أخذ منه ما في جيبه او عشرة أنصاف ان كان فقيرا وان كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعونها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الاموات
وفيه نودى بوقود القناديل ليلا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك
وفيه انتقل الالفي ومن معه من الامراء الى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضى الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطتنا فلم يسمع الباشا وأتباعه الاقلعهم الخيام والتأخر فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم ان خدم الالفى أخذوا جمالا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها الى بعض الغيطان فحضر أميرا خور الباشا بالجمال لاخذ البرسيم ايضا فوجدوا جمال الالفى وأتباعه فنهرهم وطردوهم فرجعوا الى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب اليهم فركب رامحا الى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع الى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب اتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور واخذ الجمال فحنق واحضر رضوان كتخدا ابراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا اطاوعك وأصدق تمويهاتك الى ان سرت الى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر اليه وقال له هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الامور وحضرة افندى شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وارسل الى اتباع الالفي فاحضر منهم الجمال وردها الى وطاق الباشا وحضر اليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه واخذا بخاطره ولم يخرج اليه احد من الامراء سواهما
وفي خامسه نادوا بخروج العساكر الارنؤدية الى العرضى وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر
وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصا عسكريا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على اماكنهم ليلا ونهارا ويقبض على من يجده متخلفا والقصد من ذلك تمييز الارنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بابواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والارنؤدية لاجل تميزهم من بعضهم وخروج غيرهم
وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا على باشا الى القلعة
وفي سادسه خرج البرديسي الى جهة شلقان ولم يخرج ابراهيم بك ولم يتنقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الالفى وباقي الامراء كذلك الى الجبل والارنؤدية جهة البحر وقد كان الباشا ارسل الى محمد علي وكبار الارنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الاسكندرية يستميلهم اليه ويعدهم ويمنيهم ان قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم ان استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغليين
فنقل الارنؤدية ذلك الى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الارنؤدية بالموافقة على القيام معه اذا حضر الى مصر وخرج الامراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره أمامهم والارنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان وسهلوا له أمر الامراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون الفا ولو بلغوا ذلك فمن المنضمين اليهم من خلاف قبيلتهم وهم ايضا معنا في الباطن
ودبروا له تدبيرا ومناصحات تروج على الاباليس منها ان يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وان يعدوا بالعساكر البرية الى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له
ولما وصل الى الرحمانية ارسل له الارنؤد مكاتبة سرا بان يعدى الى البر الشرقي وبينوا له الصواب ذلك وهو يعتقد نصحهم فعدى الى البر الشرقي
فلما حضر الى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع واوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي
فخرج الالفي كما ذكر بمن معه من الامراء المصرلية والعساكر الارنؤدية وارسل الى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدا من ذلك فتأخر الى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقة ومتاريسه 2
وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الافرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعملوا على مركب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم الى جهة مصر وأخذوهم اسرى وذهبوا بهم الى الجيزة وبعدها قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا اخذوه اسيرا ايضا
وكان بالمركب اناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع واسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا ايضا في الشرك وارتبكوا فيمن ارتبك ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر باراضي زفيتة احاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وارسل اليه الالفي على كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الالفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة المنابذين لا المسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون الا باتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لك ذلك وانتم بسكندرية
فقال نعم وانما هذه العساكر متوجهة الى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم
فقال انهم اعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فان القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كما لا يخفاكم ذلك واما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون الى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفا منهم وانما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقم حالهم مع الارنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم
وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف اربع اصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة الا شيئا يسيرا
وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي الى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من اتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع الى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على الرجوع من غير قضاء حاجة وامره بالعود ثانيا فعاد اليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة اخرى من العسكر فازعجوا اهل البيت وارسلت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك الى المعينين تأمرهم ان لا يعملوا قلة أدب وأرسلت الى ابيها لان منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك الى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعنيين
وفي ليلة الخميس عشرينه وصلت اخبار ومكاتبات من الامراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل
ومضمون ما ذكروه في المراسلة ان الباشا أراد ان يكبسهم بمن معه ليلا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر اليهم واخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضا جرحا بليغا واصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورا وفي الكتاب مسطورا وانكم ترسلوا لنا أمانا بالحضور الى مصر والا ذهبنا الى الصعيد
هذا ما قالوه والواقع انهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسا لاغير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت الى الصالحية او ذهبت حيث شاء الله وكان امامه عسكر المغاربة وخلفه الامراء المصرلية
فلما وصلوا الى اراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها الى ان تضاربوا بالسلاح فقامت الاجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من اتباعه اربعة عشر نفسا الى الوادى وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاوة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن اخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر فلما سقط الباشا وبه رمق رأى احد الاميرين فقال له في عرضك يا فلان ان معي كفنا بداخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميا
فلما انقضى ذلك اعطى ذلك الامير لبعض العرب دنانير واعطاه الكفن الذى اوصاه عليه وقال له اذهب الى مقتلهم وخذ الباشا وادفنه في تربة ففعل كما امروا وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها وانقضى امرهم
هذا اخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا انه قال لعسكره ان بلغت مرادى من الامراء المصريين وظفرت بهم وبالارنؤد ابحت لكم المدينة والرعية ثلاثة ايام تفعلون بها ما شئتم
والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة اقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في اموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لاهل العلم واهانته لهم حتى انه كان يسمى الشيخ محمد المسيرى الذى هو أجل مذكور في الثغر بالمزور واذا دخل عليه مع امثاله وكان جالسا اتكأ ومد رجليه قصدا لاهانتهم
● ● خبر علي باشا المترجم المذكور
كان اصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره ارسله بمراسلة الى حسين قبطان باشا وكان اخوه المعروف بالسيد علي مملوك للدولة ومذكورا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس واعطاه فرمانات ويرق فذهب اليها وجيش له جيوشا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم انه متوليها من طرف الدولة
وهرب أخو حمودة باشا عند اخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس اباحها لعسكره ففعلوا بها اشنع وأقبح من التمرلنكية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبي حريم متوليها واخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال
وأخذ اموال التجار وفرد على اهل البلد وأخذ اموالهم ثم ان المنفصل حشد وجمع جموعا ورجع الى طرابلس وحاصره اشد المحاصرة وقام معه المغرضون من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا
فلما رأى الغلبة على نفسه نزل الى المراكب بما جمعه من الاموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الاعيان شبه الرهائن وهرب الى اسكندرية وحضر الى مصر والتجأ الى مراد بك فأكرمه وانزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار خصيصا به
وسبب مجيئه الى مصر ولم يرجع الى القبطان علمه انه صار ممقوتا في الدولة لان من قواعد دولة العثمانيين انهم اذا أمروا أميرا في ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصا اذا كان ذا مال
ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان وذهبوا الى امير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وانه يفعل بهما الفاحشة فارسل معهم جماعة من اتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدا ومعه أحد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحا بالغا وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة امير الحاج
ثم رجع الى مصر من البحر ايضا واقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات الى ان حضر الفرنسيس الى الديار المصرية فقاتل مع الامراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وسار الى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات الى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا واخرجوه ووصل الخبر الى اسلامبول فطلب ولاية مصر على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية واوامرها بمصر وليس بها الا طاهر باشا والارنؤد وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال ووصل الى اسكندرية وبلغه انعكاس الامر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الارنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فاراد أن يدير أمرا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه والجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم انها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة ... اذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده وكان صفته ابيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام يا لربي يحب اللهو والخدعة
ولما انقضى امره وارسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات الى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانا من ابراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم امانا بعد إمتناع منهما واظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله
وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانا واحضروا صالح أغا قابجي باشا الذى حضر اولا ونزل ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وقرأوا الفرمان الذى معه وهو يتضمن ولاية علي باشا
الاوامر المعتادة لاغير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره
وتكلم الشيخ الامير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الامراء والمتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الاقاليم وجورهم على البلاد وانه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على ارسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد
واما مصطفى باشا فانهم أنزلوه في مركب مع اتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم الى حيث شاء الله
وفيه وصل الالفي من سرحته الى مصر القديمة فأقام في قصره الذى عمره هناك وهو قصر البارودى يومين ثم عدى الى الجيزة ودخل اتباعه بالمنهوبات من الجمال والابقار والاغنام ومعهم الجمال محملة بالقمح الاخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فانهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال لو شاء ربك ما فعلوه
وفي ثاني عشرينه وقعت معركة بين الارنؤودية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل بينهم انفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة ايام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات
وفي خامس عشرينه عملوا ديوانا وقرأوا فرمانا وصل من الدولة مع الططر خطابا لعلي باشا والامراء بتشهيل اربعة آلاف عسكرى وسفرهم الى الحجاز لمحاربة الوهابيين وارسال ثلاثين الف اردب غلال الى الحرمين
وانهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر وكذلك احمد باشا الجزار ارسلوا له فرمانا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من اعظم ما تتوجه اليه الهمم الاسلامية وامثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروأة بتنجيز المطلوب من الغلال وان لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميرى بالسعر الواقع
وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح افندى ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب
وفيه حضر الامراء الذين توجهوا بصحبة الباشا الى الشرقية
وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذى كان بالمنوفية وترك خيامه واثقاله واعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من اتباعه
وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع الى جهة اخرى واخرجوا سكانا كثيرة من دورهم جهة الناصرة وأزعجوهم من مواطنهم واسكنوا بها عساكر وطبجية
وفيه انزلوا السيد علي القبطان من القلعة الى بيت علي بك ايوب كما كان وهذا السيد علي هو اخو علي باشا المقتول كما ذكر واصله مملوك وليس شريف كما يتبادر الى الفهم من لفظة سيد انها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فانهم يعبرون عن الامير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة
وفي سادس عشرينه انزلوا محمل الحاج من القلعة مطويا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه الى بيت ابراهيم بك صحبه احد الكشاف وطائفة من المماليك واتفق الرأى على سفره من طريق بحر القلزم صحبه محمد جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الاثمان لعدم العلف بعد ما كلفوها بطول السنة وما قاسوه أيضا في الايام التي اقاموها بمصر في الانتظار والتوهم
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة