من طرف فريق العمل الخميس 22 فبراير 2018 - 3:35
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها
ووفياتهم ابتداء من ظهور امر الفقارية
● ● الامير عثمان بك ذو الفقار
هو وان لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد اليها الى ان مات بالروم وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات
وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لانه عاش بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة
ولجلالة شأنه جعل اهل مصر سنة خروجه منها تاريخا لاخبارهم ووقائعهم ومواليدهم الى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب اعني سنة 1220 فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك او بعده بكذا سنة او شهر
هو تابع الامير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الامارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور استاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد الامارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا الى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فاخبرهم العرب انه ذهب من خلف الجبل الاخضر الى درنة
فعاد بالعسكر الى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الاقاليم في حياة استاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين واربعين خرج اليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده بيد خليل آغا وسليمان ابي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم ارسلوا اليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت استاذه وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل براسه علي قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على امير منهم احضروه الى محمد باشا فيرسله الى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى افنوا الطائفة القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم الى اكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر الى بلاد الشام والروم ولم يعد الى مصر حتى مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان واربعين فقلد عوضه مملوكه حسن الصنجقية
ولما حصلت كائنة قتل الامراء الاحد عشر ببيت الدفتردار وكان المترجم حاضرا في ذلك المجلس واصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من باب البركة وسار الى باب الينكجرية واجتمع اليه الاعيان من الاختيارية والجاويشية واحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا
وظهر امر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت اليه رياسة مصر وقلد امراء من اشراقاته وحضر اليه مرسوم من الدولة بالامارة على الحج فطلع بالحج سنة احدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في امن وامان وسخاء ورخاء
ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم ايضا لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضا عن استاذه واحاط باحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ ابراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج وسافر به سنة ثلاث وخمسين
ورجع سنة اربع وخمسين في امن وامان وطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة اربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين
ثم ورد امر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا
وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته وحضر اليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل الى بيت احد من الامراء وانما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر العيني او المقياس
وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في امن وامان وانتهت اليه الرياسة وشمخ على امراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا عنهم وعمل في بيته دواوين لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري احكامه الا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر امور الحسبة بنفسه
وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقارء ومنع المحتسب من اخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم
وكان يرسل الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الامراء ولم يعهد عليه انه صادر احدا في ماله واخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الاغنياء وارباب الاموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من اموالهم
ولما ورد الامر بابطال المرتبات وجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به رضوان بك وقال هذا من دموع الفقراء وان حصلت الاجابة كانت مظلمة وان لم تحصل كانت مظلمتين
وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب اقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية والبحرية في ايامه وله حسن تدبير في الامور طاهر الذيل شديد االغيرة
ولم يأت بعد اسمعيل بك ابن ايواظ في امراء مصر من يشابهه او يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة اذ قال كلاما او عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس الا ارباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد احمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ لطافا كل مقامة على حدتها والف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الامراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى استوحشوا منه وحضر اليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد ان يضربه وغير ذلك
● السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر
مبدأ ذلك تغير خاطره من ابراهيم جاويش وتغير خاطر ابراهيم جاويش منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والامارة في الممالك
والثاني ان علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر اليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد وياخذ من اولاده مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن ابيه ففعل ذلك ووعده الى ان يذهب منهم شخص الى مصر ويأتي بالدراهم من الامين وضمنهم الذي كان السبب في قتل ابيهم فحضر شخص منهم الى مصر وطلب من الامين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فاخذه واتى به الى ابراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم شيخ البلد وانه ضمنهم ايضا في المائة جنزرلي وقد اتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص ثاره من سالم
فركب ابراهيم جاويش واتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته الولد فقص عليه القصة وفمهما ثم انهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي فسلموا وجلسوا فقال ابراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق خير
فذكر القصة ثم قال له ارسل اعزل علي كاشف وارسل خلافه
فقال الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح اني اعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود
وتراددوا في الكلام الى ان احتد الصنجق وقال ابراهيم جاويش انت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وانا استأجرت الحصة
فقال له الصنجق انزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل
فقام ابراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا الى بيت عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش واحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال احمد كتخدا عزبان الجمل والجمال حاضران اكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية فاحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار
وبلغ الخبر عثمان بك فارسل كتخداه الى الباشا يقول لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لابراهيم جاويش فلما خرجت الحجة ارسلها للباشا صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس ابراهيم جاويش من عثمان بك وعزم على غدره وقتله
ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده انفارا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وارسل ابراهيم جاويش ابن حماد وقال له لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي ارسل لكم ورقة امان ارجعوا وعمروا
فنزل الولد وفعل ما قاله له الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم احدا وارسل ابراهيم جاويش كاشفا من طرفه بطائفة ومدافع ونقارية وورقة امان لاولاد حماد
واستمر علي كتخدا يسعى حتى اصلح بين الصنجق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل ... ان القلوب اذا تنافر ودها ... مثل الزجاج كسرها لا يجبر ...
ولما اخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر الى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية اوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل الامراء
واما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو ان شيخ العرب همام رهن عند ابراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لاجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فارسل همام الى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لابراهيم جاويش فاخبر عثمان بك الباشا وقال له هوارة قبلي راهنون عند ابراهيم جاويش بلدا وارسلوا يقولون ان اوقع فيها فراغه وارسل لها كاشفا قتلناه وقطعنا الجالب فانتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فانهم يوقفون المال والغلال
فلم يتمكن ابراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الايام وعثمان بك مستمر على عناده وابراهيم جاويش يتواقع على الامراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك الى ان ضاق خناق ابراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وانجمعوا على رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب فقالوا له اما ان تكون معنا واما ان ترفع يدك من عثمان بك
فلم يطاوع وقال هذا لا يكون وكيف اني افوت انسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان
وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع امر بمصر الا بيدهم ومعونتهم
فلما ايسوا منه قالوا له اذا كان كذلك فانت سياق عليه في قضية اخينا ابراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب الى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك
فقال هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له اترك هذا الكلام واشار الى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فاخذ في نفسه رضوان كتخدا واغتم وقال له حيث انك لم تقبل شفاعتي دونك واياهم ولا ادخل بينك وبينهم
وركب الى بيته وارسل الى ابراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت واخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا الى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد بك صنجق ستة فاجمعوا امرهم واتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع الى الديوان فاكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحبته اسمعيل بك ابو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب الا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة الى بيت مناو وراس الخيمية وخاف من رجوعه على بيت ابراهيم جاويش ومر على قصبة رضوان على حمام الوالي وهرب ابو قلنج الى بيت نقيب الاشراف
وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته الى البيت واذا بابراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة واحاطوا بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته واوقعوا فيها النهب واحرقوها بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت
فلما رأى ذلك الحال امر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه الا بعض نقود مع اعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب الى بولاق
ونزل في جامع الشيخ ابي العلا ولم يذهب احد خلفه بل غم امره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر الى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا واكابر ولم يزالوا في النهب حتى قلعوا الرخام والاخشاب واوقدوا النار
وحضر اغات الينكجرية اواخر النهار واخرج العالم وقفل الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها يومين وكان امرا شنيعا
واما عثمان بك فانه لما نزل بمسجد ابي العلا وصحبته عبد الله كتخدا اقاما الى بعد الغروب فارسل عبد الله كتخدا الى داره فاحضر خياما وفراشا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا الى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم يزالا الى ان وصلا الى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق اولاد يحيى وغيرهم
واما ما كان من ابراهيم جاويش القازدغلي فانه جعل مملوكه عثمان اغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه اسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش امير العسكر ووعدوه بولاية جرجا اذا قبض على عثمان بك
فجهزوا انفسهم وجمعوا الاسباهية وسافروا الى ان قربوا من ناحية اسيوط فارسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا واخبروا انهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب
ثم انهم ارسلوا الى ابراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فانهم في عزوة كبيرة فشرع في تجهيز نفسه واخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل اتباعهم وانفارهم وسافروا الى ان وصلوا عند خليل بك
ووصل الخبر الى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله كتخدا القازدغلي انتم لم تفوتوا بعضكم
واشار عليه بان يطلع الى عند السردار وطلع عند السردار وعدى عثمان بك ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين اليه ورجعوا الى اماكنهم
وسار هو من جهة الشرق الى السويس ثم ذهب الى الطور فاقام عند عرب الطور مدة اياما
ووصل ابراهيم جاويش ومن معه الى اسيوط فوجدوه قد ارتحل وحضر اليهم السردار فاخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فارسل اليه علي جاويش الطويل فاحضره الى ابراهيم جاويش وعاتبه وارتحل في ثاني يوم خوفا من دخول عثمان بك الى مصر
ولما وصل ابراهيم جاويش الى مصر اتفقوا على نفي عبد الله كتخدا الى دمياط فسافر اليها بكامل اتباعه ثم هرب الى الشام وتوفي هناك ورجعت اتباعه الى مصر بعد وفاته
ولما وصل عثمان بك الى السويس ارسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وانهم اخذوا من البندر سمنا وعسلا وجبنا ودقيقا وذهبوا الى الطور فعملوا جمعية في بيت ابراهيم بك قطامش واتفقوا على ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات بلوك واسباهية وكتخدا ابراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا الى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا انفسهم واخذوا مدفعين وجبخانة وساروا
ووصل الخبر الى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه واتى قرب اجرود فتلاقى معهم هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل كتخدا ابراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فارسل اليهم وامرهم بالرجوع وارتحل الى الطور
واما التجريدة فانهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك ارسل مكاتبة سرا الى محمد افندي كاتبه التركي يطلبه ان يأتيه الى الطور فحضر محمد افندي المذكور الى ابراهيم جاويش الذي احضر رجلا بدويا طوريا وسلمه له فاركبه هجينا وسار به الى الطور فلما وصل اليه واجتمع به زين له الذهاب الى اسلامبول وحسن له ذلك وانه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الامور امور
فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم جماعة عرب اوصلوهم الى الشام ومنها ذهب الى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير اغا الى مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فارسله ابراهيم جاويش قائمقام على امانة في الصعيد
ولما وصل المترجم الى اسلامبول وقابل رجال االدولة اكرموه وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء
واجتمع بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له من جملة الكلام وما صنعت مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال لكوني اقول الحق واقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا البلاد والخيار الشنبر الف كيس وحلوان بلادي الف كيس
فامر بكتابة مرسوم وطلب اربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في ايام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك اواخر سنة سبع وخمسين
فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا في الجواب اما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب والفلاحون واما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم يكرمي سكزجلبي حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما عليه وما بقي اكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب
ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته اسمعيل بك ابو قلتج بخزينة سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا العرض بحضرة عثمان بك قال ليس في جهتي هذا القدر ولكن ارسلوا يطلب الرزنامجي واحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وارسلوه صحبة جوخدار معين خطابا الى محمد باشا ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه ان يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث الحلوان بولصة
فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم
فقالوا في الجواب ان من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب واما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص ولا الزيادة لان حساب المبري محرر في المقاطعات والحال ان ابن السكري كان ممن نافق على استاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه ابراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو احمد بك السكري استاذ يحيى كاشف استاذ علي كتخدا الموجود الان الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر
ثم انهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية
ثم انهم ارسلوا عثمان بك الى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع الى اسلامبول واستمر بها الى ان مات في حدود سنة 1190
واما يوسف وجيش فالتجأ الى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولما سافر عثمان بك من اجرود الى الشام وارتاحوا من قبله قلد ابراهيم جاويش عثمان اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو اول امرائه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه اسمعيل اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي
وتقلد امارة الحج سنة 1156 ابراهيم بك بلغيه ورجع مريضا في تختروان سنة 1157
وترك المترجم بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا تزوج بها بعض الامراء واتفق انه سافر الى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته وفي اواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان
فاذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته
ومات مصطفى بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك انه سافر أميرا على العسكر الموجه الى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155
ومات ايضا اسمعيل بك ابو قلنج وكان سافر ايضا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك
ومات الامير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الامارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك مع استاذ محمد بك اجتمع الامراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم وطلعوا به الى الباشا وقلدوه الامارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما جرى على اخصامهم
وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد امارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر الى الصعيد ثم ذهب الى الحجاز ومات هناك
ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة الى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضا عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف
ومات ابو مناخير فضة وذلك انه كان ببيت استاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه و سلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج الى نصف الليل وأراد الذهاب الى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الامير حسين واذا بجماعة من اتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا انه مات فتركوه ثم رجعوا اليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم طائفة وشالوه ودفنوه في صحبها
وأرسل رضوان كتحدا فعزل الاوده باشة وولى خلافه وذلك في اواخر قبل واقعة الدمايطة
ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الاوده باشه الذي كمل قتل ابي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر واذا بانسان جائز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه ابراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله فقتله والله أعلم بالحقائق
{ في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها }
ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة والف الى اواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة والف وذلك بحسب التيسير والامكان ومالا يدرك كله لا يترك كله فنقول:
لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من القلعة الى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم سافر في اواخر سنة احدى وستين ومائة والف كما تقدم الى ثغر رشيد
● ● ولاية احمد باشا المعروف بكور وزير
ووصل حضرة الجناب الافخم احمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك انه كان بعينه بعض حول فطلع الى ثغر سكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت اليه الملاقاة وارباب العكاكيز واصحاب الخدم مثل كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة اذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك
فأرسل عمر بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة الى ان احضر احمد باشا المذكور الى اسكندرية فحضر اليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته واتباعه والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه بحاله ووفاة استاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية استاذه واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة
ووصل خبر ذلك الى مصر فارسل المتكلمون الى كتخدا الجاويشية يقولون له ان المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فاغتاظ فسكتوا ووصل الى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها احمد باشا وحضر الى مصر وطلع بالموكب المعتاد الى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الامراء والاعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها الى ابراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد ابراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو الذي عرف بالغزاوي صنجقيا وكذلك حسين أغا وهو الذي عرف بكشكش
وكذلك قلد رضوان كتخدا احمد أغا خازنداره صنجقيا فصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الابراهيمية واسمعيل واحمد ومحمد الرضوانية
ثم ان ابراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة اشهر وانفصل عنها
وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطل الخمامير وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته
واقام احمد باشا في ولاية مصر الى عاشر شوال سنة 1163 وكان من ارباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية
ولما وصل الى مصر واستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الازهر ةوالشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلوم فتعجب وسكت
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج الى المسجد ويأتي الى الباشا في خواصه فيخطب الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا ويصلي بهم ويرجع الباشا الى مجلسه وينزل الشيخ الى داره
فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة واستأذن ودخل عند الباشا يحادثه فقال له الباشا المسموع عندنا بالديار الرومية ان مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق الى المجيء اليها فلما جئتها وجدتها كما قيل تسمع بالمعيدي خير من ان تراه
فقال له الشيخ هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف فقال وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم اجد عندكم منها شيئا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد
فقال له نحن لسنا أعظم علمائها وانما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند ارباب الدولة والحكام وغالب اهل الازهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية الا بقدر الحاجة الموصلة الى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار
فقال له وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والاهلة وغير ذلك
فقال نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج الى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والامور العطاردية واهل الازهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك
فقال وأين البعض فقال موجودون في بيوتهم يسعى اليهم
ثم أخبره عن الشيخ الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال التمس منكم ارساله عندي
فقال يا مولانا انه عظيم القدر وليس هو تحت امري
فقال وكيف الطريق الى حضوره
قال تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع
ففعل ذلك وطلع اليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا
وكان يتردد اليه يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته
وكان يقول لو لم أغنم من مصر الا اجتماعي بهذا الاستاذ لكفاني
ومما اتفق له لما طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان الباشا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقا
فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه وتحير فكره الى ان حضر اليه الاستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب في عدم المطابقة فكشف له علة ذلك بديها
فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف ان يقبل يده ثم احضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم اشتغل عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما
● ● ولاية عبد الله باشا
وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل الى اسكندرية ونزل احمد باشا الى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل الى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع الى القلعة فأقام في ولاية مصر الى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل الى القصر بقبة العزب وهاداه الامراء ثم سافر الى منصبه
ووصل محمد باشا امين فطلع الى القلعة وهو منحرف المزاج فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه
● ● قصد نصارى القبط الحج الى بيت المقدس
وفي هذا التاريخ احضر بطرك الاروام مرسوما سلطانيا بمنع طائفة النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وان دخلوا فانهم يدفعون للدولة الف كيس
فارسل ابراهيم كتخدا فأخذ اربعة قسوس من دير الافرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال
واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس الافرنج ولعلها من تحيلات ابراهيم كتخدا
ومن الحوادث ايضا في نحو هذا التاريخ ان نصارى الاقباط قصدوا الحج الى بيت المقدس وكان كبيرهم اذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية والف دينار فكتب له فتوى وجوابا ملخصه ان أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم
فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم واولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا العربان ليسيروا في خفارتهم واعطوهم اموالا وخلعا وكساوي وانعامات
وشاع امر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبدالله الشبراوي الى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري متمرضا فدخل اليه بعوده فقال له اي شيء هذا الحال يا شيخ الاسلام على سبيل التبكيت كيف ترضى وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم رشوك وهادوك
فقال لم يكن ذلك
قال بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم محملا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها الى يوم القيامة
فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الازهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا ايضا الكنيسة القريبة من دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وانفقوه في الهباء
● ● ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا اوغلي الثانية
وحضر مصطفى باشا وطلع الى القلعة ثالث عشر ربيع الاول 1167 واستمر واليا على مصر الى ان ورد الخبر بعزله في اوائل شهر ربيع الاول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي ولايته الثانية
وطلع الى سكندرية ونزلت اليه الملاقاة وارباب المناصب والعكاكيز
ثم حضر الى مصر وطلع الى القلعة يوم الاثنين غرة شهر جمادى الاولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فاحيا مكارم الاخلاق وادر على رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعا
واستمر في ولاية مصر الى شهر رجب سنة 1171
ذكر من مات في هذه الاعوام من العلماء والاعيان
مات الامام العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الازهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها انه كان ينفق من الغيب لانه لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من احد شيئا وينفق انفاق من لا يخشى الفقر واذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة واذا دخل الحمام دفع الاجرة عن كل من فيه
توفي سنة 1164
ومات الشيخ الامام الفقيه المحدث المسند محمد بن احمد بن يحيى بن حجازي العشماوي الشافعي الازهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب احمد بن عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهاب احمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الاسناد واخذ عنه غالب فضلاء العصر
توفي يوم الاربعاء ثاني عشري جمادى الاولى سنة 1167 ودفن بتربة المجاورين
ومات الشيخ الامام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الازهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة احمد النفراوي الفقه واخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار الفروع الفقهية وكانت حلقة درسه اعظم الحلق وعليه مهابة وجلالة
توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168
ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي احد الصدور المشار اليهم ولد سنة 1087 بالنقيطة احدى قرى المنصورة وقدم الازهر فأخذ عن شيوخ المذهب كشاهين الارمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وابي الحسن علي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز فاتقن الاصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة
توفي سنة 1169
ومات الشيخ الامام الفاضل الصالح الشاعر الاديب عمر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالازهر
توفي في رجب سنة 1167
ومات الاجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو استاذ الامراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسون الى القازدغلية
وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قرية من قرى المنوفية يقال لها الراهب
وكان خادما لبعض اولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن ولده عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فاقاما ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به الى بلده فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف الروح والحركة
ولم يزل يتنقل في الاطوار حتى صار من ارباب الاموال واشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير ذلك حتى صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة
وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض ابراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الاموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل امرهم الى البوارهم واولادهم وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين
● [ لهذا الجزء بقية فتابعها ] ●
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة