منتدى قوت القلوب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ضفحة رقم [ 4 ] من كتاب الأصول في النحو

    avatar
    الكتاكيت


    المساهمات : 174
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    ضفحة رقم [ 4 ] من كتاب الأصول في النحو Empty ضفحة رقم [ 4 ] من كتاب الأصول في النحو

    مُساهمة من طرف الكتاكيت السبت 20 يونيو 2015 - 15:09

    ضفحة رقم [ 4 ] من كتاب الأصول في النحو Nahw10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الأدبية
    الأصول في النحو
    ضفحة رقم [ 4 ] من كتاب الأصول في النحو 1410
    ● [ ذكر الفعل الذي لا يتصرف ] ●

    اعلم : أن كل فعل لزم بناء واحداً فهو غير متصرف وقد ذكرت أن التصرف أن يقال فيه فعل يفعل ويدخله تصاريف الفعل وغير المتصرف ما لم يكن كذلك فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناءً واحداً فعل التعجب نحو : ما أحسن زيداً وأكرم بعمرو والفعلان المبنيان للحمد والذم وهما نعم وبئس
    فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة ولا يبني منها اسم فاعل
    ● [ شرح التعجب ] ●

    فعل التعجب على ضربين وهو منقول من بنات الثلاثة إما إلى أفعل ويبنى على الفتح لأنه ماض وإما إلى أفعل به ويبنى على الوقف لأنه على لفظ الأمر
    [ فأما الضرب الأول ]

    وهو أفعل يا هذا فلا بد من أن تلزمه ( ما ) تقول : ما أحسن زيداً وما أجمل خالداً وإنما لزم فعل التعجب لفظاً واحداً ولم يصرف ليدل على التعجب ولولا ذلك لكان كسائر الأخبار لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق أو كذب فإذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه ضمير الفاعل وزيد مفعول به و ( ما ) هنا اسم تام غير موصول فكأنك قلت : شيء حسن زيداً ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون مبهمة غير مخصوصة كما قالوا : شيء جاءك أي : ما جاءك إلا شيء وكذلك : شر أهر ذا ناب أي : ما أهره إلا شر ونظير ذلك إني مما أن أفعل يريد : أني من الأمر أن أفعل فلما كان الأمر مجهولاً جعلت ( ما ) بغير صلة ولو وصلت لصار الإسم معلوماً وإنما لزمه الفعل الماضي وحده لأن التعجب إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون وإنما جاء هذا الفعل على ( أفعل ) نحو : أحسن وأجمل لأن فعل التعجب إنما يكون معفولاً من بنات الثلاثة فقط نحو : ضرب وعلم ومكث : لا يجوز غير ذلك نحو : ضرب زيد ثم تقول : ما أضربه وعلم ثم تقول : ما أعلمه ومكث ثم تقول : ما أمكثه فتنقله من فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ إلى ( أفعل يا هذا ) كما كنت تفعل هذا في غير التعجب ألا ترى أنك تقول : حسن زيد فإذا أخبرت أن فاعلاً فعل ذلك به قلت : حسن الله زيداً فصار الفاعل مفعولاً وقد بينت لك كيف ينقل ( فعَل ) إلى ( فعِل ) فيما مضى وإذا قلت : ما أحسن زيداً كان الأصل حسن زيد ثم نقلناه إلى ( فُعل ) فقلنا : شيء أحسن زيداً وجعلنا ( ما ) موضع شيء ولزم لفظاً واحداً ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال
    فإن قال قائل فقد قالوا : ما أعطاه وهو من ( أعطى يعطي ) وما أولاه بالخير قيل : هذا على حذف الزوائد لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش : إذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) : في موضع الذي وأحسن : زيداً صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك : حسبك لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر وقد طعن على هذا القول : بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها وهذا الباب عندي يضارع باب ( كان وأخواتها ) من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئاً غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه بجانب باب ( كان وأخواتها ) إذ كان ( باب كان ) الفاعل فيه هو المفعول
    فإن قال قائل : فما بال هذه الأفعال تصغر نحو : ما أُميلحه وأُحيسنه والفعل لا يصغر فالجواب في ذلك : أن هذه الأفعال لما لزمت موضعاً واحداً ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى ( يفعل ) وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر ونظير ذلك : دخول ألفات الوصل في الأسماء نحو : ابن واسم وامريءٍ وما أشبهه لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في الأفعال والأفعال مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف إن شاء الله
    وقولك : ما أحسنني يعلمك أنه فعل ولو كان اسماً لكان ما أحسنني مثل ضاربي ألا ترى أنك لا تقول : ضاربني
    [ والضرب الثاني ]

    من التعجب : يا زيد أكرم بعمروٍ ويا هند أكرم بعمروٍ ويا رجلان أكرم بعمرو ويا هندان أكرم بعمرو وكذلك جماعة الرجال والنساء قال الله تعالى ( أسمع بهم وأبصر )
    وإنما المعنى : ما أسمعهم وأبصرهم
    وما أكرمه ولست تأمرهم أن يصنعوا به شيئاً فتثنيّ وتجمع وتؤنث وأفعل هو ( فَعَلَ ) لفظه لفظ الأمر في قطع ألفه وإسكان آخره ومعناه إذا قلت : أكرم بزيد وأحسن بزيد كرم زيد جداً وحسن زيد جداً
    فقوله : بعمرو في موضع رفع كما قالوا : كفى بالله والمعنى : كفى الله لأنه لا فعل إلا بفاعل وزيد فاعله إذا قلت : أكرم بزيد لأن زيداً هو الذي كرم وإنما لزمت الباء هنا الفاعل لمعنى التعجب وليخالف لفظه لفظ سائر الأخبار فإن قال قائل : كيف صار هنا فاعلاً وهو في قولك : ما أكرم زيداً مفعول قلنا : قد بينا أن الفاعل في هذا الباب ليس هو شيئاً غير المفعول ألا ترى أنك لو قلت : ما أحسن زيداً فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره
    قلت على ما قلناه : شيء حَسن زيداً وذلك الشيء الذي حسن زيداً ليس هو شيئاً غير زيد لأن الحسن لو حل في غيره لم يحسن هو به فكأن ذلك الشيء مثلاً وجهه أو عينه وإنما مثلت لك بوجهه وعينه تمثيلاً ولا يجوز التخصيص في هذا الباب لأنك لو خصصت شيئاً لزال التعجب لأنه إنما يراد به أن شيئاً قد فعل فيه هذا وخالطه لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه
    والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم وفي النفوس أعظم
    واعلم : أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين
    الضرب الأول : الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب
    الضرب الآخر : ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف وسواء كانت الزيادة على الثلاثة أصلاً أو غير أصل
    فأما الألوان والعيوب فنحو : الأحمر والأصفر والأعور والأحول وما أشبه ذلك لا تقول فيه : ما أحمره ولا ما أعوره قال الخليل رحمه الله : وذلك أنه ما كان من هذا لوناً أو عيباً فقد ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل والرأس ونحو ذلك فلا تقل فيه : ما أفعله كما لم تقل ما أيداه وما أرجله إنما تقول : ما أشد يده وما أشد رجله وقد اعتل النحويون بعلة أخرى فقالوا : إن الفعل منه على أفعل وإفعال نحو : أحمر وإحمار وأعور وإعوار وأحول وإحوال فإن قال قائل : فأنت تقول : قد عورت عينه وحولت : فقل على هذا : ما أعوره وما أحوله فإن ذلك غير جائز لأن هذا منقول من ( أفعل ) والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت : عورت عينه وحولت ولو كان غير منقول لكان : حالت وعارت وهذا يبين في بابه إن شاء الله
    وأما الضرب الثاني : وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو : دحرج وضارب واستخرج وانطلق واغدودن اغدودن الشعر : إذا تم وطال وافتقر وكل ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة فهذا حكمه وإنما جاز : ما أعطاه وأولاه على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة
    فإن قلت في افتقر : ما أفقره فحذفت الزوائد ورددته إلى ( فقر ) جاز وكذلك كل ما كان مثله مما جاء اسم الفاعل منه على ( فعيل ) ألا ترى أنك تقول : رجل فقير وإنما جئت به على ( فقر ) كما تقول : كرم فهو كريم وظرف فهو ظريف ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال الزائدة على ثلاثة أحرف كلها ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح افتقاره ونحو ذلك
    واعلم : أن كل ما قلت فيه : ما أفعله قلت فيه : أفعل به وهذا أفعل من هذا وما لم تقل فيه : ما أفعله لم تقل فيه : هذا أفعل من هذا ولا : أفعل به تقول : زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد كما تقول : ما أفضله
    وتقول : ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا : أشدد ببياض زيد وزيد أشد بياضاً من فلان وهذا كله مجراه واحد لأن معناه المبالغة والتفضيل وقد أنشد بعض الناس :
    ( يَا لَيْتَني مِثْلُك في البَيَاضِ ... أبيضَ مِن أخت بني إبَاضِ )
    قال أبو العباس : هذا معمول على فساد وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو ولا فقه وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو ومن لا حجة معه وتأويل هذا وما أشبهه في الإِعراب كتأويل ضعفه أصحاب الحديث وأتباع القصاص في الفقه
    فإن قال قائل فقد جاء في القرآن : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا )
    قيل : له في هذا جوابان : أحدهما : أن يكون من عمى القلب وإليه ينسب أكثر الضلال
    فعلى هذا تقول : ما أعماه كما تقول : ما أحمقه
    الوجه الآخر : أن يكون من عمى العين
    فيكون قوله : ( فهو في الآخرة أعمى ) لا يراد به : أنه أعمى من كذا وكذا ولكنه فيها أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا
    وكل فعل مزيد لا يتعب منه نحو قولك : ما أموته لمن مات إلا أن تريد : ما أموت قلبه فذلك جائزٌ
    [ مسائل من هذا الباب ]

    تقول : ما أحسن وأجمل زيداً إن نصبت ( زيداً ) ب ( أجمل ) فإن نصبته ب ( أحسن ) قلت : ما أحسن وأجمله زيداً تريد : ما أحسن زيدا وأجمله
    وعلى هذا مذهب إعمال الفعل الأول وكذلك : ما أحسن وأجملهما أخويك وما أحسن وأجملهم أخوتك فهذا يبين لك أن أحسن وأجمل وما أشبه ذلك أفعال
    وتقول : ما أحسن ما كان زيد فالرفع الوجه و ( ما ) الثانية في موضع نصب بالتعجب وتقدير ذلك ما أحسن كون زيد
    تكون ( ما ) مع الفعل مصدراً إذاوصلت به كما تقول : ما أحسن ما صنع زيد أي : ما أحسن صنيع زيد و ( صنع زيد ) من صلة ( ما ) وتقول : ما كان أحسن زيداص وما كان أظرف أباك فتدخل ( كان ) ليعلم : أن ذلك وقع فيما مضى كما تقول : من كان ضرب زيداً تريد : من ضرب زيداً ( ومن كان يكلمك ) تريد : من يكلمك
    ( فكان ) تدخل في هذه المواضع وإن أُلغيت في الإِعراب لمعناها في المستقبل والماضي من عبارة الأفعال
    وقد أجاز قوم من النحويين : ما أصبح أبردها وما أمسى أدفاها واحتجوا بأن : ( أصبح وأمسى ) من باب ( كان ) فهذا عندي : غير جائز ويفسد تشبيههم ما ظنوه : أن أمسى وأصبح أزمنة مؤقتة و ( كان ) ليست مؤقتة ولو جاز هذا في أصبح وأمسى لأنهما من باب ( كان ) لجاز ذلك في ( أضحى ) و ( صار ) و ( ما زال ) ولو قلت : ما أحسن عندك زيداً وما أجمل اليوم عبد الله لقبح لأن هذا الفعل لما لم يتصرف ولزم طريقة واحدة صار حكمه حكم الأسماء فيصغر تصغير الأسماء ويصحح المعتل منه تصحيح الأسماء تقول : ما أقوم زيداً وما أبيعه شبهوه بالأسماء ألا ترى أنك تقول في الفعل : أقام عبد الله زيداً فإن كان اسماً قلت : هذا أقوم من هذا
    وتقول : ما أحسن ما كان زيدٌ وأجمله وما أحسن ما كانت هند وأجمله لأن المعنى ما أحسن كون هندٍ وأجمله فالهاء للكون ولو قلت : وأجملها لجاز على أن تجعل ذلك لها
    وإذا قلت : ما أحسن زيداً فرددت الفعل إلى ( نفسك ) قلت : ما أحسنني لأن ( أحسن ) فعل
    وظهر المفعول بعده بالنون والياء ولا يجوز : ما أحسن رجلاً لأنه لا فائدة فيه ولو قلت : ما أحسن زيداً ورجلاً معه جاز ولولا قولك : ( معه ) لم يكن في الكلام فائدة وتقول : ما أقبح بالرجل أن يفعل كذا وكذا
    فالرجل شائع وليس التعجب منه
    إنما التعجب من قولك : أن يفعل كذا وكذا
    ولو قلت : ما أحسن رجلاً إذا طلب ما عنده أعطاه كان هذا الكلام جائزاً ولكن التعجب وقع على رجل وإنما تريد التعجب من فعله
    وإنما جاز ذلك لأن فعله به كان وهو المحمود عليه في الحقيقة والمذموم وإذا قلت : ما أكثر هبتك الدنانير وإطعامك للمساكين لكان حق هذا التعجب أن يكون قد وقع من الفعل والمفعول به لأن فعل التعجب للكثرة والتعظيم فإن أردت : أنّ هبته وإطعامه كثيران إلا أن الدنانير التي يهبها قليلة والمساكين الذين يطعمهم قليل جاز ووجه الكلام الأول . ولا يجوز أن تقول : ما أحسن في الدار زيداً وما أقبح عندك زيداً لأن فعل للتعجب لا يتصرف وقد مضى هذا ولا يجوز : ما أحسن ما ليس زيداً
    ولا ما أحسن ما زال زيد كما جاز لك ذلك في ( كان ) ولكن يجوز : ما أحسن ما ليس يذكرك زيدٌ وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد وهذا مذهب البغداديين
    ولا يجوز أن يتعدى فعل التعجب إلا إلى الذي هو فاعله في الحقيقة تقول : ما أضرب زيدا فزيدٌ في الحقيقة هو الضارب ولا يجوز أن تقول : ما أضرب زيداً عمراً ولكن لك أن تُدخل اللام فتقول : ما أضرب زيداً لعمرو
    وفعل التعجب نظير قولك : هو أفعل من كذا
    فما جاز فيه جاز فيه . وقد ذكرت هذا قبل وإنما أعدته : لأنه به يسير هذا الباب ويعتبر
    ولا يجوز عندي أن يشتق فعل التعجب من ( كان ) التي هي عبارة عن الزمان فإذا اشتققت من ( كان ) التي هي بمعنى ( خلق ووقع ) جاز
    وقوم يجيزون : ما أكون زيداً قائماً لأنه يقع في موضعه المستقبل والصفات ويعنون بالصفات ( في الدار ) وما أشبه ذلك من الظروف ويجيزون ما أظنني لزيد قائماً ويقوم ولا يجيزون ( قام ) لأنه قد مضى فهذا يدلك على أنهم إنما أرادوا ( بقائم ) ويقوم الحال
    وتقول : أشدد به ولا يجوز الإِدغام وكذلك : أجود به وأطيب به لأنه مضارع للأسماء
    وقد أجاز بعضهم : ما أعلمني بأنك قائم وأنك قائم أجاز إدخال الباء وإخراجها مع ( أن ) وقال قوم : لا يتعجب مما فيه الألف واللام إلا أن يكون بتأويل جنسٍ
    لا تقول : ما أحسن الرجل فإن قلت : ما أهيب الأسد جاز والذي أقول أنا في هذا : إنه إذا عرف الذي يشار إليه فالتعجب جائز
    ولا يعمل فعل التعجب في مصدره وكذلك : أفعل منك لا تقول : عبد الله أفضل منك فضلاً وتقول : ما أحسنك وجهاً وأنظفك ثوباً لأنك تقول : هو أحسن منك وجهاً وأنظف منك ثوباً
    وقد حكيت ألفاظ من أبواب مختلفة مستعملة في حال التعجب فمن ذلك : ما أنت من رجل تعجب وسبحان الله ولا إله إلا الله وكاليوم رجلاً وسبحان الله رجلاً ومن رجل والعظمة لله من رب وكفاك بزيد رجلاً
    وحسبك بزيد رجلاً ومن رجل تعجب والباء دخلت دليل التعجب ولك أن تسقطها وترفع وقال قوم : إن أكثر الكلام : أعجب لزيد رجلا ( ولإيلاف قريش )
    وإذا قلت : لله درك من رجل ورجلا كان إدخالها وإخراجها واحداً
    قالوا : إذا قلت : إنك من رجل لعالم لم تسقط ( من ) لأنها دليل التعجب
    وإذا قلت : ويل أمه رجلا ومن رجل فهو تعجب
    وربما تعبجوا بالنداء تقول : يا طيبك من ليلة ويا حسنه رجلا ومن رجل
    ومن ذلك قولهم : يا لك فارساً ويا لكما ويا للمرء
    ولهذا موضع يذكر فيه
    ومن ذلك قولهم : كرماً وصلفاً : قال سيبويه كأنه يقول ألزمك الله كرماً وأدام الله لك كرماً وألزمت صلفاً
    ولكنهم حذفوا الفعل ها هنا لأنه صار بدلاً من قولك : أكرم به وأصلف به
    ● [ باب نعم وبئس ] ●

    نِعْمَ وبِئسَ فعلان ماضيان كان أصلهما نِعَمَ وبِئسَ فكسرت الفاءان منهما من أجل حرفي الحلق وهما : العين في ( نِعَم ) والهمزة في ( بِئسَ ) فصار : نِعمَ وبِئسَ كما تقول : شهد فتكسر الشين من أجل إنكسار الهاء ثم أسكنوا لها العين من ( نَعْمَ ) والهمزة من ( بئس ) كما يسكنون الهاء من شهد فيقولون شهِد فقالوا : نِعْمَ وبِئسَ ولذكر حروف الحلق إذا كن عينات مكسورات وكسر الفاء لها والتسكين لعين الفعل موضع آخر ففي نعم أربع لغات : نَعِمَ ونِعِمَ ونِعْمَ ونَعْمَ فنعم وبئسَ وما كان في معناهما إنما يقع للجنس ويجيئان لحمد وذم وهما يشبهان التعجب في المعنى وترك التصرف وهما يجيئان على ضربين :
    فضرب : يرفع الأسماء الظاهرة المعرفة بالألف واللام على معنى الجنس ثم يذكر بعد ذلك الإسم المحمود أو المذموم
    الضرب الثاني : أن تضمر فيها المرفوع وهو اسم الفاعل وتفسره بنكرة منصوبة
    أما الظاهر فنحو قولك : نعم الرجل زيداً وبئس الرجل عبد الله ونعم الدار دارك فارتفع الرجل والدار بنعم وبئس لأنهما فعلان يرتفع بهما فاعلاهما
    أما زيد : فإن رفعه على ضربين :
    أحدهما : أنك لما قلت : نِعم الرجل فكأن معناه محمود في الرجال وقلت : زيد ليعلم من الذي أثنى عليه فكأنه قيل لك : من هذا المحمود قلت : هو زيد
    والوجه الآخر : أن تكون أردت التقديم فأخرته فيكون حينئذ مرفوعاً بالإبتداء ويكون ( نعم ) وما عملت فيه خبره وليس الرجل في هذا الباب واحداً بعينه إنما هو كما تقول : أنا أفرق الأسد والذئب لست تريد واحداً منهما بعينه إنما تريد : هذين الجنسين
    قال الله تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر )
    فهذا واقع على الجنسين يبين ذلك قوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )
    وما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام وذلك قولك : نعم أخو العشيرة أنت وبئس صاحب الدار عبد الله
    ويجوز : نعم القائم أنت ونعم الضارب زيداً أنت ولا يجوز : نعم الذي قام أنت ولا نعم الذي ضرب زيداً أنت من أجل أن الذي بصلتهِ مقصود إليه بعينه
    قال أبو العباس رحمه الله : فإن جاءت بمعنى الجنس كقوله تعالى : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) ن فإن نعم وبئس تدخلان على ( الذي ) في هذا المعنى والمذهب
    فهذا الذي قاله قياس إلا أني وجدت جميع ما تدخل عليه نعم وبئس فترفعه وفيه الألف واللام فله نكرة تنصبه نعم وبئس إذا فقد المرفوع و ( الذي ) ليست لها نكرة البتة تنصبها
    ولا يجوز أن تقول : زيد نعم الرجل والرجل غير زيد لأنه خبر عنه وليس هذا بمنزلة قولك : زيد قام الرجل لأن معنى ( نعم الرجل ) : محمود في الرجال كما أنك إذا قلت : زيد فاره العبد لم تعن من العبيد إلا ما كان له ولولا ذلك لم يكن فاره خبراً له
    فإن زعم زاعم : أن قولك : نعم الرجل زيد إنما زيد بدل من الرجل يرتفع بما ارتفع به كقولك : مررت بأخيك زيد وجاءني الرجل عبد الله قيل له : إن قولك : جاءني الرجل عبد الله إنما تقديره : إذا طرحت ( الرجل ) جاءني عبد الله فقل : نعم زيد لأنك تزعم أنه مرتفع بنعم وهذا محال لأن الرجل لست تقصد به إلى واحد بعينه
    فإن كان الإسم الذي دخلت عليه ( نعم ) مؤنثاً أدخلت التاء في نعم وبئس فقلت : نعمت المرأة هند ونعمت المرأتان الهندان وبئست المرأة هند وبئست المرأتان الهندان وإن شئت ألقيت التاء فقلت : نعم المرأة وبئس المرأة وتقول : هذه الدار نعمت البلد لأنك عنيت بالبلد : داراً وكذلك : هذا البلد نعم الدار لأن قصدت إلى البلد
    وقال قوم : كل ما لم تقع عليه ( أي ) لم توله نعم لا تقول : نعم أفضل الرجلين أخوك ولا نعم أفضل رجل أخوك لأنك لا تقول : أي أفضل الرجلين أخوك لأنه مدح والمدح لا يقع على مدح
    فأما الضرب الثاني : فأن تضمر فيها مرفوعاً يفسره ما بعده وذلك قولهم : نعم رجلاً أنت ونعم دابة دابتك وبئس في الدار رجلاً أنت ففي ( نعم وبئس ) مضمر يفسره ما بعده والمضمر ( الرجل ) استغنى عنه بالنكرة المنصوبة التي فسرته لأن كل مبهم من الأعداد وغيرها إنما تفسره النكرة المنصوبة
    واعلم : أنهم لا يضمرون شيئاً قبل ذكره إلا على شريطة التفسير وإنما خصوا به أبواباً بعينها
    وحق المضمر أن يكون بعد المذكور
    ويوضح لك أن نعم وبئس فعلان أنك تقول : نعم الرجل كما تقول : قام الرجل ونعمت المرأة كما تقول : قامت المرأة والنحويون يدخلون ( حبذا زيد ) في هذا الباب من أجل أن تأويلها حب الشيء زيد لأن ذا اسم مبهم يقع على كل شيء ثم جعلت ( حب وذا اسماً فصار مبتدأً أو لزم طريقة واحدة تقول : حبذا عبد الله وحبذا أمة الله )
    ولا يجوز حبذه لأنهما جعلا بمنزلة اسم واحد في معنى المدح فانتقلا عما كانا عليه كما يكون ذلك في الأمثال نحو : ( أطري فإنك ناعلة )
    فأنت تقول ذلك للرجل والمرأة لأنك تريد إذا خاطبت رجلاً : أنت عندي بمنزلة التي قيل لها ذلك
    وكذلك جميع الأمثال إنما تحكي ألفاظها كما جرت وقت جرت
    وما كان مثل : كرم رجلاً زيد ! وشرف رجلاً زيد ! إذا تعجبت فهو مثل : نعم رجلاً زيد لأنك إنما تمدح وتذم وأنت متعجب
    ومن ذلك قول الله سبحانه : ( ساء مثلاً القوم الذين كذبوا ) وقوله : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم )
    وقال قوم : لك أن تذهب بسائر الأفعال إلى مذهب ( نعم وبئس ) فتحولها إلى ( فعل ) فتقول : علم الرجل زيد وضربت اليد يده وجاد الثوب ثوبه وطاب الطعام طعامه وقضى الرجل زيد ودعا الرجل زيد وقد حكي عن الكسائي : أنه كان يقول في هذا : قضو الرجل ودعو الرجل
    وهو عندي قياس وذكروا أنه شذ مع هذا الباب ثلاثة أحرف سمعت وهي : سمع وعلم وجهل
    وقالوا : المضاعف تتركه مفتوحاً وتنوي به فَعَلَ يَفْعَلُ نحو : خف يخف
    وتقول : صم الرجل زيد وقالوا : كل ما كان بمعنى : نعم وبئس يجوز نقل وسطه إلى أوله
    وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول ظُرْفَ الرجل زيد وظَرُفَ الرجل نقلت ضم العين إلى الفاء
    وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول : ظَرْفَ الرجل زيد كما قال :
    ( وحُبَّ بها مَقْتُولَةً حين تُقْتَلُ ... )
    وحُبَّ أيضاً فإذا لم يكن بمعنى نعم وبئس لم ينقل وسطه إلى أوله
    [ مسائل من هذا الباب ]

    أعلم : أنه لا يجوز أن تقول : قومك نعموا أصحاباً ولا قومك بئسوا أصحاباً ولا أخواك نعما رجلين ولا بئسا رجلين
    وإذا قلت : نعم الرجل رجلاً زيد فقولك : ( رجلاً ) توكيد لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولاً وهو بمنزلة قولك : عندي من الدراهم عشرون درهماً وتقول : نعم الرجلان أخواك ونعم رجلين أخواك وبئس الرجلان أخواك وبئس رجلين أخواك وتقول : ما عبد الله نعم الرجل ولا قريباً من ذلك عطفت ( قريباً ) على ( نعم ) لأن موضعها نصب لأنها خبر ( ما )
    وتقول : ما نعم الرجل عبد الله ولا قريب من ذلك فترفع بالرجل ب ( نعم ) وعبد الله بالإبتداء ونعم الرجل : خبر الإبتداء وهو خبر مقدم فلم تعمل ( ما ) لأنك إذا فرقت بين ( ما ) وبين الإسم لم تعمل في شيء ورفعت ( قريباً ) لأنك عطفته على ( نعم ) ونعم في موضع رفع لأنه خبر مقدم ولا يجيز أحد من النحويين : نعم زيد الرجل وقوم يجيزون : نعم زيد رجلاً ويحتجون بقوله : ( وحسن أولئك رفيقا )
    وحسن ليس كنعم وللمتأول أن يتأول غير ما قالوا : لأنه فعل يتصرف
    وتقول : نعم القوم الزيدون ونعم رجالاً الزيدون والزيدون نعم القوم والزيدون نعم قوماً وقوم يجيزون : الزيدون نعموا قوماً
    وهو غير جائز عندنا لما أخبرتك به من حكم نعم وصفة ما تعمل فيه
    ويدخلون ال ( ظن ) و ( كان ) فيقولون : نعم الرجل كان زيد ترفع زيداً ب ( كان ) ونعم الرجل خبر ( كان ) وهذا كلام صحيح وكذلك : نعم الرجل ظننت زيداً تريد : كان زيد نعم الرجل وظننت زيدا نعم الرجل
    وكان الكسائي يجيز : نعم الرجل يقوم وقام عندك فيضمر يريد : نعم الرجل رجل عندك ونعم الرجل رجل قام ويقوم ولا يجيزه مع المنصوب لا يقول : نعم رجلاً قام ويقوم
    قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز من قبل أن الفعل لا يجوز أن يقوم مقام الإسم وإنما تقيم من الصفات مقام الأسماء الصفات التي هي أسماء صفات يدخل عليها ما يدخل على الأسماء والفعل إذا وصفنا به فإنما هو شيء وضع في غير موضعه يقوم مقام الصفة للنكرة وإقامتهم الصفة مقام الإسم اتساع في اللغة
    وقد يستقبح ذلك في مواضع فكيف تقيم الفعل مقام الإسم وإنما يقوم مقام الصفة وإن جاء من هذه شيء شذ عن القياس فلا ينبغي أن يقاس عليه
    بل نقوله فيما قالوه فقط
    وتقول : نعم بك كفيلاً زيد كما قال تعالى : ( بئس للظالمين بدلا ) ويجيز الكسائي : نعم فيك الراغب زيد ولا أعرفه مسموعاً من كلام العرب
    فمن قدر أن ( فيك ) من صلة الراغب فهذا لا يجوز البتة ولا تأويل له لأنه ليس له أن يقدم الصلة على الموصول
    فإن قال : أجعل ( فيك ) تبيناً وأقدمه كما قال : ( بئس للظالمين بدلا ) قيل له : هذا أقرب إلى الصواب إلا أن الفرق بين المسألتين أنك إذا قلت : نعم فيك الراغب زيد فقد فصلت بين الفعل والفاعل ونعم وبئس ليستا كسائر الأفعال لأنهما لا تتصرفان
    وإذا قلت : بئس في الدار رجلاً زيد
    الفاعل مضمر في ( بئس ) وإنما جئت برجل مفسراً فبين المسألتين فرق
    وهذا الأشياء التي جعلت كالأمثال لا ينبغي أن تستجيز فيها إلا ما أجازوه ولا يجوز عندي : نعم طعامك آكلاً زيد من أجل أن الصفة إذا قامت مقام الموصوف لم يجز أن تكون بمنزلة الفعل الذي تتقدم عليه ما عمل فيه وكما لا يجوز أن تقول : نعم طعامك رجلاً آكلاً زيد
    فتعمل الصفة فيما قبل الموصوف فكذلك إذا أقمت ( آكلاً ) مقام رجل كان حكمه حكمَهُ
    وتقول : نعم غلام الرجل زيد ونعم غلام رجل زيد فما أضفته إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام وما أضفته إلى النكرة بمنزلة النكرة
    وتقول : نعم العمر عمر بن الخطاب وبئس الحجاج حجاج بن يوسف تجعل العمر جنساً لكل من له هذا الإسم وكذلك الحجاج
    ولا تقول : نعم الرجل وصاحباً أخوك ولا نعم صاحباً والرجل أخوك من أجل أن نعم إذا نصبت تضمنت مرفوعاً مضمراً فيها وفي المسألة مرفوع ظاهر فيستحيل هذا ولا يجوز توكيد المرفوع ب ( نعم )
    قالوا : وقد جاء في الشعر منعوتاً لزهير :
    ( نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ أَنْتَ إِذَا هُمُ ... حَضَرُوا لَدَى الحُجُرَاتِ نَارَ المَوقِدِ )
    وهذا يجوز أن يكون بدلاً غير نعت فكأنه قال : نعم المري أنت وقد حكى قوم على جهة الشذوذ : نعم هم قوماً هم
    وليس هذا مما يعرج عليه وقال الأخفش : حبذا ترفع الأسماء وتنصب الخبر إذا كان نكرة خاصة تقول : حبذا عبد الله رجلاً وحبذا أخوك قائماً
    قال : وإنما تنصب الخبر إذا كان نكرة لأنه حال قال : وتقول : حبذا عبد الله أخونا فأخونا رفع لأنك وصفت معرفة بمعرفة وإذا وصلت ب ( ما ) قلت : نعماً زيد ونعماً أخوك ونعماً أخوتك وصار بمنزلة حبذاء أخوتك
    وتقول : نعم ما صنعت ونعم ما أعجبك
    قال ناس إذا قلت : مررت برجل كفاك رجلاً
    وجدت ( كفاك ) في كل وجه وكانت بمنزلة ( نعم ) تقول : مررت بقوم كفاك قوماً وكفاك من قوم وكفوك قوماً وكفوك من قوم فإن جئت بالباء والهاء وجدت به لا غير تقول مررت بقوم كفاك بهم قوما
    وكذلك : مررت بقوم نعم بهم قوماً وإن أسقطت الباء والهاء قلت : نعموا قوما ونعم قوماً ولا ينبغي أن ترد ( كفاك ) إلى الإستقبال ولا إلى اسم الفاعل
    قال أبو بكر : قد ذكرت الفعل المتصرف والفعل غير المتصرف وبقي الأسماء التي تعمل عمل الفعل ونحن نتبعها بها إن شاء الله.
    ● ● [ باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل ] ● ●

    وهي تنقسم أربعة أقسام :
    فالأول : منها اسم الفاعل والمفعول به
    والثاني : الصفة المشبهة باسم الفاعل
    والثالث : المصدر الذي صدرت عنه الأفعال واشتقت منه
    والرابع : أسماء سمّوا الأفعال بها
    ● [ شرح الأول : وهو اسم الفاعل والمفعول به ] ●

    اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل هو الذي يجري على فعله ويطرد القياس فيه ويجوز أن تنعت به إسماً قبله نكرة كما تنعت بالفعل الذي اشتق منه ذلك الإسم
    ويذكر ويؤنث وتدخله الألف واللام ويجمع بالواو والنون كالفعل إذا قلت : يفعلون نحو : ضارب وآكل وقاتل يجري على : يضرب فهو ضارب
    ويقتل فهو قاتل ويأكل فهو آكل وكل اسم فاعل فهو يجري مجرى مضارعه ثلاثياً كان أو رباعياً مزيداً كان فيه أو غير مزيد فمكرم جار على أكرم ومدحرج على دحرج ومستخرج على استخرج
    وقد بيّنا أن الفعل المضارع أعرب لمضارعته الإسم إذ كان أصل الإِعراب للأسماء وأن اسم الفاعل أعمل بمضارعته الفعل إذ كان أصل الأعمال للأفعال وأصل الإِعراب للأسماء
    وتقول : مررت برجل ضارب أبوه زيداً كما تقول : مررت برجل يضرب أبوه زيداً ومررت برجل مدحرج أبوه كما تقول : يدحرج أبوه وتقول : زيد مكرم الناس أخوه كما تقول : زيد يكرم الناس أخوه وزيد مستخرج أبوه عمراً كما تقول : يستخرج والمفعول يجري مجرى الفاعل كما كان ( يفعل ) يجري مجرى ( يفعل ) فتقول : زيد مضروب أبوه سوطاً وملبس ثوباً
    وقد بينت لك هذا فيما مضى
    ومما يجري مجرى ( فاعل ) مفعل نحو : قطع فهو مقطع وكسر فهو مكسر
    يراد به المبالغة والتكثير
    فمعناه معنى : ( فاعل ) إلا أنه مرة بعد مرة
    وفعال يجري مجراه وإن لم يكن موازياً له لأن حق الرباعي وما زاد على الثلاثي أن يكون أول ( اسم ) الفاعل ميماً فالأصل في هذا ( مقطع ) والحق به قطّاع لأنه في معناه
    ألا ترى أنك إذا قلت : زيدٌ قتال أو : جراح لم تقل هذا لمن فعل فعلة واحدة كما أنك لا تقل : قَتلت إلا وأنت تريد جماعة فمن ذلك قوله تعالى ( وغلقت الأبواب ) ولو كان باباً واحداً لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرةٍ
    ومن كلام العرب : أما العسل فأنت شرّاب ومثل ذلك ( فعول ) لأنك تريد به ما تريد ( بفَعَّال ) من المبالغة قال الشاعر :
    ( ضَروبٌ بنصلِ السيفِ سُوقَ سمانها ... إذا عَدِموا زاداً فإنك عاقر )
    ( وفِعالٌ ) نحو ( مِطْعان ومِطْعام ) لأنه في التكثير بمنزلة ما ذكرنا
    ومن كلام العرب : أنه لمنحاز بوائكها
    وقد أجرى سيبويه : ( فعيلاً ) ( كرحيم ) و ( عليم ) هذا المجرى وقال : معنى ذلك المبالغة وأباه النحويون من أجل أن ( فعيلاً ) بابِه أن يكون صفة لازمة للذات وأن يجري على ( فَعُلَ ) نحو : ظَرُفَ فهو ظريف وَكرُمَ فهو كريم وشَرُفَ فهو شريف والقول عندي كما قالوا
    وأجاز أيضاً مثل ذلك في ( فَعِلَ )
    وأباح النحويون إلا أبا عمر الجرمي فإنه يجيزه على بعد فيقول : أنا فَرِقٌ زيداً وحَذِرٌ عمراً والمعنى : أنا فرق من زيد وحذر من عمرو
    قال أبو العباس رحمه الله : لأن ( فَعِلَ ) الذي فاعله على لفظ ماضيه إنما معناه ما صار كالخلقة في الفاعل نحو : بَطِرَ زيد فهو بَطِرٌ وخَرِقَ فهو خَرقٌ
    مسائل من هذا الباب
    تقول : هذا ضاربٌ زيداً إذا أردت ( بضاربٍ ) ما أنت فيه أو المستقبل كمعنى الفعل المضارع له
    فإذا قلت هذا ضارب زيدٍ تريد به معنى المضي فهن بمعنى : غلام زيد وتقول : هذا ضارب زيدٍ أمس وهما ضاربا زيدٍ وهن ضاربو زيد وهو ضاربات أخيك
    كل ذلك إذا أردت به معنى المضي لم يجز فيه إلا هذا يعني الإِضافة ( و ) الخفض لأنه بمنزلة قولك : غلام عبد الله وأخو زيد
    ألا ترى أنك لو قلت : ( غلامٌ زيداً ) كان محالاً فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضياً لأنه اسم وليست فيه مضارعة للفعل لتحقيق الإِضافة وإن الأول يتعرَّف بالثاني
    ولا يجوز أن تدخل عليه الألف واللام وتضيفه كما لم يجز ذلك في ( الغلام ) وإنما يعمل اسم الفاعل الذي يضارع ( يَفعَل ) كما أنه يعرب من الأفعال ما ضارع اسم الفاعل الذي يكون للحاضرِ والمستقبل
    فأما اسم الفاعل الذي يكون لِمَا مضى فلا يعمل كما أن الفعل الماضي لا يعرف وتقول : هؤلاءِ حواجُ بيت الله أمسِ ومررت برجل ضارباه الزيدانِ ومررت بقوم ملازموهم أخوتهم
    فيثنى ويجمع لأنه اسم كما لو تقول : مررت برجل أخواه الزيدانِ وأصحابه وأخوته فإذا أردت اسم الفاعل الذي في معنى المضارع جرى مجرى الفعل في عمله وتقديره فقلت : مررت برجل ضاربه الزيدان كما تقول : مررت برجل يضربه الزيدان ومررت بقوم : ملازمهم أخوتهم كما تقول : مررت بقوم يلازمهم أخوتهم وتقول : أخوآك آكلان طعامك وقومك ضاربون زيداً وجواريك ضاربات عمراً
    إذا أردت معنى المضارع
    وتقول مررت برجل ضاربٌ زيداً الآن أو غداً إذا أردت الحال أو الإستقبال فتصفه به لأنه نكرة مثله أضفت أو لم تضف كما تقول : مررت برجل يضرب زيداً ولا تقول مررت برجل ضارب زيد أمس لأنه معرفة بالإِضافة دالاً على البدل
    وتقول : مررت بزيد ضارباً عمراً إذا أردت الذي يجري مجرى الفعل
    فإن أردت الأخرى أضفت فقلت : مررت بزيدٍ ضاربِ عمروٍ
    على النعت والبدل لأنه معرفة كما تقول : مررت بزيدْ غلامِ عمروٍ
    واعلم : أنه يجوز لك أن تحذف التنوين والنون من أسماء الفاعلين التي تجري مجرى الفعل
    وتضيف استخفافاً ولكن لا يكون الإسم الذي تضيفه إلا نكرة وإن كان مضافاً إلى معرفة لأنك إنما حذفت النون استخفافاً فلما ذهبت النون عاقبها الإِضافة والمعنى معنى ثبات النون
    فمن ذلك قول الله سبحانه : ( هديا بالغ الكعبة ) فلو لم يرد به التنوين لم يكن صفة ( لهدي ) وهو نكرة ( ومثله عارض ممطرنا ) ( وإنا مرسلوا الناقة فتنة لهم ) وأنشدوا :
    ( هلّ أنتَ باعِثُ دِينَارٍ لِحاجَتِنَا ... أو عبدَ رَبٍ أخا عونِ بنِ مِخراقِ )
    أراد : بباعثٍ التنوين
    ونصب الثاني لأنه أعمل فيه الأول مقدراً تنوينه كأنه قال : أو باعثٌ عبدَ ربٍ ولو جره على ما قبله كان عربياً جيداً إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير
    تقول : هذا معطي زيد الدراهم وعمراً الدنانير ولو قلت : هذا معطي زيد اليوم الدراهم وغدا عمراً الدنانير لم يصلح فيه إلا النصب لأنك لم تعطف الإسم على ما قبله وإنما أوقعت الواو على ( غد ) ففصل الظرف بين الواو وعمرو
    فلم يقو الجر فإذا أعملته عمل الفعل جاز لأن الناصب ينصب ما تباعد منه والجار ليس كذلك وتقول : هذا ضاربك وزيداً غداً لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر المجرور حملته على الفعل كقوله تعالى : ( إنا منجوك وأهلك ) كأنه قال : منجون أهلك ولم تعطف على الكاف والمجرورة
    واعلم : أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى فقلت : هذا ضاربُ زيدْ وعمروْ ومعطى زيدٍ الدراهمَ أمسِ وعمروٍ
    جاز لك أن تنصب ( عمراً ) على المعنى لبعده من الجار فكأنك قلت : وأعطى عمراً فمن ذلك قوله سبحانه : ( وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ) وتقول : مررت برجل قائم أبوه فترفع الأب وتجري ( قائماً ) على رجل لأنه نكرة وصفته بنكرة فصار كقولك مررت برجل يقوم أبوه
    فإذا كانت الصفة لشيء من سببه فهي بمزلتها إذا خلصتْ لرجل
    وتقول : زيداً عمروٌ ضاربٌ كما تقول : زيداً عمرو يضرب
    فإذا قلت : عبد الله جاريتك أبوها ضارب فبين النحويين فيه خلاف فبعض يكره النصب لتباعد ما بين الكلام وبعض يجيزه
    وأبو العباس يجيز ذلك ويقول : إنَّ ( ضارباً ) يجري مجرى الفعل في جميعِ أحواله في العلم في التقديم والتأخير
    وإنما يكره الفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه نحو قولك : كانت زيداً الحمى تأخذ
    وتقول : هذا زيد ضارب أخيك إذا أردت المضي لأنك وصفت معرفة بمعرفة وتقول هذا زيد ضارباً أخاك غداً فتنصب ( ضارباً ) لأنه نكرة وصفت بها معرفة
    وإذا كان الإسم الذي توقع عليه ( ضارباً ) وما أشبهه مضمراً أسقطت النون والتنوين منه فعل أو لم يفعل لأن المضمر وما قبله كالشيء الواحد فكرهوا زيادة التنوين مع هذا الزيادة نحو قولك : هذا ضاربي وضاربك وهذان ضارباك غداً ولو كان اسماً ظاهراً لقلت : ضاربان زيداً غداً ولكنك لما جئت بالمضمر أسقطت النون وأضفته وتقول : هذا الضارب زيداً أمس
    وهذا الشاتم عمراً أمس لا يكون فيه غير ذلك لأن الألف واللام بمنزلة التنوين في معنى الإِضافة وأنت إذا نونت شيئاً من هذا نصبت ما بعده
    وتقول : هؤلاء الضاربون زيداً وهذان الضاربان زيداً وإن شئت : ألقيت هذه النون وأضفت لأن النون لا تعاقب الألف واللام كما تعاقب الإِضافة ألا ترى أنك تقول : هذان الضاربان وهؤلاء الضاربون فلا تسقط النون والتنوين ليس كذلك لا تقول : هذا الضاربٌ بالتنوين فاعلم ولذلك جازت الإِضافة فيما تدخله النون مع الألف واللام نحو قولك : هما الضاربا زيد لأن النون تعاقب الإِضافة فكما تثبت النون مع الألف واللام كذلك تثبت الإِضافة مع الألف واللام ولا يجوز : هذا الضاربُ زيدٍ أمسِ فإن أضفته إلى ما فيه ألف ولام جاز كقولك : هو الضارب الرجل أمس تشبيهاً بالحسن الوجه فكل اسم فاعل كان في الحال أو لم يكن فَعَلَ بعدُ فهو نكرة نونت أو لم تنون
    وإن كان قد فعل فأضفته إلى معرفة وإن أضفته إلى نكرة فهو نكرة
    ● [ شرح الثاني : وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل ] ●

    الصفات المشبهات بأسماء الفاعلين : هي أسماء ينعب بها كما ينعت بأسماء الفاعلين وتذكر وتؤنث ويدخلها الالف واللام وتجمع بالواو والنون كاسم الفاعل وأفعل التفضيل كما يجمع الضمير في الفعل فإذا اجتمع في النعت هذه الأشياء التي ذكرت أو بعضها شبهوها بأسماء الفاعلين وذلك نحو : حَسنٍ وشديد وما أشبه تقول : مررت برجل حسنٍ أبوه وشديد أبوه لأنك تقول : حسن وجهه وشديدٌ وشديدة فتذكر وتؤنث وتقول : الحسن والشديد فتدخل الألف واللام وتقول حسنون كما تقول : ضارب مضاربة وضاربون والضارب والضاربة فحسن يشبه بضارب وضارب يشبه بيضرب وضاربان مثل : يضربان وضاربون مثل يضربون ولا يجوز : مررت برجل خير منه أبوه على النعت ولكن ترفعه على الإبتداء والخبر وذلك لبعده من شبه الفعل والفاعل من أجل أن ( خير منه ) لا يؤنث ولا يذكر ولا تدخله الألف واللام ولا يثنى ولا يجمع فبعد من شبه الفاعل فكل ( أفعل منك ) بمنزلة : ( خير منك ) ( وشر منك ) وما لم يشبه اسم الفاعل فلا يجوز أن ترفع به إسماً ظاهراً البتة وأما الصفات كلها فهي ترفع المضمر وما كان بمنزلة المضمر ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل أفضل منك ففي ( أفضل ) ضمير الرجل ولولا ذلك لم يكن صفة له
    ولكن لا يجوز أن تقول : مررت برجل أفضل منك أبوه لبعده من شبه اسم الفاعل والفعل ولكن لو قلت : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه وبرجل قاعد عمرو إليه لكان جائزاً وكذلك : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه
    واعلم : أن سائر الصفات مما ليس بإسم فاعل ولا يشبهه فهي ترفع الفاعل إذا كان مضمراً فيها وكان ضمير الأول الموصوف وترفع الظاهر أيضاً إذا كان في المعنى هو الأول
    أما المضمر فقد بينته لك وهو نحو : مررت برجل خير منك وشر منك ففي ( خير منك ) ضمير رجل وهو رفع بأنه فاعل
    وأما الظاهر الذي هو في المعنى الأول فنحو قولك : ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد لأن المعنى في الحسن لزيد فصار بمنزلة الضمير إذ كان الوصف في الحقيقة له ومثل ذلك : ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة
    واعلم : أن قولك : زيد حسن وكريم منْ حَسُنَ يحسنَ وكَرُمَ يكرم كما أنك إذا قلت : زيد ضارب وقاتل وقائم فهو من : ضرب وقتل وقام إلا أن هذه أسماء متعدية تنصب حقيقة
    أما إذا قلت : زيد حسن الوجه وكريم الحسب فأنت ليس تخبر أن زيداً فعل بالوجه ولا بالحسب شيئاً والحسب والوجه فاعلان كما ينصب الفعل وحسن وشديد وكريم وشريف أسماء غير متعدية على الحقيقة وإنما تعديها على التشبيه ألا ترى أنك إذا قلت : زيد ضارب عمراً فالمعنى : أن الضرب قد وصل منه إلى عمرو وإذا قلت : زيد حسن الوجه أو كريم الأب فأنت تعلم أن زيداً لم يفعل بالوجه شيئاً ولا بالأب والأب والوجه فاعلان في الحقيقة وأصل الكلام زيدٌ حَسَنٌ وجههُ وكريم أبوه حسبه لأن الوجه هو الذي حسن والأب هو الذي كرم
    [ مسائل من هذا الباب ]

    تقول : زيد كريم الحسب لأنك أضمرت اسم الفاعل في ( كريم ) فنصبت ما بعده على التشبيه بالمفعول والدليل على أن الضمير واقع في الأول قولك : هند كريمة الحسب ولو كان على الآخر لقلت : كريم حسبها كما تقول : قائم أبوها وإنما جاز هذا التشبيه وإن كان الحسب غير مفعول على الحقيقة بل هو في المعنى فاعل لأن المعنى مفهوم غير ملبس ومن قال : زيدٌ ضاربٌ الرجلَ وهو يريد التنوين إلا أنه حذفه قال : زيدٌ حسنُ الوجهِ إلا أن الإِضافة في الحسن الوجه والكريم الحسب وجميع بابهما هو الذي يختار لأن الأسماء على حدها من الإِضافة إلا أن يحدث معنى المضارعة وإذا قلت : زيد حسن وجهه وكريم أبوه وفاره عبده فهذا هو الأصل وبعده في الحسن : زيد حسن الوجه وكريم الحسب ويجوز : زيد كريم الحسب وحسن الوجه ويجوز : زيد حسن وجهاً وكريم حسباً ويجوز : زيد كريم حسب وحسن وجه والأصل ما بدأنا به
    واعلم : أنك إذا قلت : حسن الوجه فأضفت ( حسناً ) إلى الألف واللام فهو غير معرفة وإن كان مضافاً إلى ما فيه الألف واللام من أجل أن المعنى حَسَن وجهه فهو نكرة فكما أن الذي هو في معناه نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه فقلت : الحسن الوجه ولا يجوز الغلام الرجل وجاز الحسن الوجه وقولك : مررت برجل حسن الوجه يدلك على أن حسن الوجه نكرة لأنك وصفت به نكرة واعلم : أن ( حسناً ) وما ( أشبهه ) إذا أعلمته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى ولا لما يأتي فلا تريد به إلا الحال لأنه صفة وحق الصفة صحبة الموصوف ومن قال : هذا حسنُ وجهٍ وكريمُ حسبٍ حجته أن الأول لا يكون معرفةً بالثاني أبداً فلما كان يعلم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه ولم تكن الألف واللام بمعرفتين للأول كان طرحهما أخف
    ومن كلام العرب : هو حديث عهد بالوجه قال الراجز :
    ( لا حقُ بطنٍ بقراً سَمينِ ... )
    ومن قال هذا القول قال : الحسنُ وجهاً لأن الألف واللام يمنعان الإِضافة فلا يجوز أن تقول : هذا الحسن وجهٍ من أجل أن هذه إِضافة حقيقة على بابها لم تخرج فيه معرفة إلى نكرة ولا نكرة إلى معرفة فالألف واللام لا يجوز أن يدخلا على مضاف إلى نكرة ولو قلت ذلك لكنت قد ناقضت ما وضع عليه الكلام لأن الذي أضيف إلى نكرة يكون به نكرة وما دخلت عليه الألف واللام يصير بهما معرفة فيصير معرفة نكرة في حال وذلك محال
    وإنما جاز : الحسن الوجه ( وما أشبهه ) وإدخال الألف واللام على حسن الوجه لأن ( حسناً ) في المعنى منفصل فإضافته غير حقيقية والتأويل فيه التنوين فكأنك قلت : حسن وجهه فلذلك جاز فإذا قلت : حسن وجهٍ ثم أدخلت الألف واللام قلت : الحسن وجهاً فتنصب الوجه الى التمييز أو الشبه بالمفعول به لمّا امتنعت الإِضافة كما تقول : ضاربُ رجلٍ ثم تقول : الضارب رجلاً وتقول هو الكريم حسباً والفاره عبداً ويجوز : الحسن الوجه لأنه مشبه بالضارب الرجل لأن الضارب بمعنى الذي ضَربَ والفعل واصلٌ منه إلى الرجل على الحقيقة وقد قالوا : الضارب الرجل فشبهوه بالحسن الوجه كما شبهوا الحَسنِ الوجه به في النصب وعلى هذا أنشد :
    ( الوَاهِبُ المائة الهجانِ وَعْبدِهَا ... عُوذاً تُزجّي خلفَها أطفالُها )
    والوجه : النصب في هذا وتقول هو الحسن وجهِ العبد كما تقول هو الحسن العبد لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام وتقول : على التشبيه بهذا ( الضارب أخي الرجل ) كما تقول : الضارب الرجل وتقول : مررت بالحسنِ الوجه الجميلة ومررت بالحسن العبد النبيلةِ فأما قولهم : الواهب المائة الهجان وعبدِها فإنما أردوا : عبدِ المائة كما تقول : كُل شاة وسخلها بدرهم ورب رجل وأخيه لما كان المضمر هو الظاهر جرى مجراه
    وقال أبو العباس رحمه الله في إنشادهم :
    ( أَنَا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْر ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ عُكُوفَا )
    أنه لا يجوز عنده في ( بشر ) إلا النصب لأنهم إنما يخفضونه على البدل وإنما البدل أن توقع الثاني موقع الأول وأنت إذا وضعت ( بشراً ) في موضع الأول لم يكن إلا نصباً فأما نظير هذا قولك : يا زيد أخانا على البدل
    وقال النحويون : ( بشر )
    واعلم : أن كل ما يجمع بغير الواو والنون نحو : حسن وحسان فإن الأجود فيه أن تقول : مررت برجل حسان قومه من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجمع ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد لا كإعراب التثنية والجمع السالم الذي على حد التثنية فأما ما كان يجمع مسلماً بالواو والنون نحو : ( منطلقين ) فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم فتقول : مررت برجل منطلق قومه وأسماء الفاعلين وما يشبهها إذا ثنيتها أو جمعتها الجمع الذي على حد التثنية
    بالواو والياء والنون لم تثن وتجمع إلا وفيها ضمير الفاعلين مستتراً تقول : الزيدان قائمان فالألف والنون إنما جيء بهما للتثنية وتقول : الزيدون قائمون فالواو والنون إنما جيء بهما للجمع وليست بأسماء الفاعلين التي هي كناية كما هي في ( يفعلان ويفعلون ) لأن الألف في ( يفعلان ) والواو في ( يفعلون ) ضمير الفاعلين
    فإن قلت : الزيدان قائم أبواهما لم يجز أن تثني ( قائماً ) لأنه في موضع ( يقوم أبواهما ) إلا في قول من قال : أكلوني البراغيث فإنه يجوز على قياسه مررت برجل قائمين أبوه . فاعلم

    ضفحة رقم [ 4 ] من كتاب الأصول في النحو Fasel10

    كتاب : الأصول في النحو
    المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
    منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة
    ضفحة رقم [ 4 ] من كتاب الأصول في النحو E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 18:27