بّسم الله الرّحمن الرّحيم
تاريخ مكة المكرمة
المساجد والمواضع والدور المباركة بمكة المشرفة
المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة
ذكر الأزرقي في المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة منها:
● مسجد بأعلى مكة عند سوق الغنم عند " قرن مقلة " قال: ويزعمون أن عنده بايع النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بمكة يوم الفتح. انتهى. وقال الأزرقي في تعريف قرن مقلة: هو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة قال: " ومقلة " رجل كان يسكنه في الجاهلية. وعن ابن جريج قال: لما كان يوم فتح مكة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرن " مقلة " فجاءه الناس يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم.
● ومن ذلك مسجد فوقه بأعلى مكة عند الردم عند بئر جبير بن مطعم يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وهو يعرف اليوم بمسجد الراية كما ذكره المحب الطبري. قال الأزرقي: وقد بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعمره المعتصم بالله العباسي في شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة، وعمره في زماننا الأمير قطلبك الحامي المنجلي عمارته التي هو عليها الآن في أوائل سنة إحدى وثمانمائة.
● ومن ذلك مسجد بسوق الليل بقرب مولد النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: المختبى، يزوره الناس كثيراً في صبيحة اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل سنة، ولم أر أحداً تعرض لذكره، ولا يعرف شيئاً من أخباره،
● ومن ذلك مسجد بأسفل مكة ينسب لأبي بكر الصديق، ويقال: إنه من داره التي هاجر منها إلى المدينة.
● ومن ذلك مساجد خارج مكة من أعلاها من ذلك مسجد بأعلى مكة يقال له: مسجد الجن. قال الأزرقي: وهو الذي يسميه أهل مكة مسجد الحرس وعرفه الأزرقي بأنه مقابل للحجون بأعلى مكة وأنت مصعد على يمينك وإنما سمي مسجد الحرس؛ لأن صاحب الحرس كان يطوف بمكة حتى إذا انتهى إليه وقف عنده ولم يجز حتى يتوافى عنده عرفاؤه وحرسه يأتونه من شعب عامر، وإذا توافوا عنده رجع منحدراً إلى مكة قال: وهو فيما يقال له: موضع الخط الذي خط رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود ليلة استمع عليه الجن، قال: وهو يسمى مسجد البيعة. يقال: إن الجن بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع.
● ومن ذلك مسجد يقال له: مسجد الشجرة بأعلى مكة مقابل مسجد الجن. يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا شجرة كانت في موضعه وهو في مسجد الجن يسألها عن شيء فأقبلت تخط بأصولها وعروقها الأرض حتى وقفت بين يديه، فسألها عما يريد ثم أمرها فرجعت حتى انتهت إلى موضعها.
● ومن ذلك المسجد الذي يقال له: مسجد الإجابة على يسار الذاهب إلى منى في شعب بقرب ثنية إذاخر، وهو مسجد مشهور عند أهل مكة. يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه وهذا المسجد الآن منخرب جداً وجدرانه ساقطة إلا القبلى، وفيه حجر مكتوب فيه إنه مسجد الإجابة، وإنه عمر في سنة عشرين وسبعمائة.
● ومن ذلك المسجد الذي يقال له: مسجد البيعة. وهي البيعة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الأنصار بحضرة عمه العباس بن عبد المطلب على ما ذكره أهل السير وهذا المسجد بقرب العقبة التي هي حد منى من جهة مكة، وهو وراء العقبة بيسير إلى مكة في شعب على يسار الذاهب إلى منى، وفيه حجران مكتوب في أحدهما إن المنصور العباسي أمر ببنيان هذا المسجد مسجد البيعة التي كانت أول بيعة بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الآخر ذكر أنه مسجد البيعة، وأنه بنى في سنة أربع وأربعين ومائة، وعمره بعد ذلك المستنصر العباسي في سنة تسع وعشرين وستمائة، وهو الآن منخرب جداً.
● ومن ذلك مسجد بمنى عند الدار المعروفة بدار النحر بين الجمرة الأولى والوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة، يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه الضحى ونحر هديه على ما هو موجود في حجر فيه مكتوب ذلك، وفيه أن الملك قطب الدين أبا بكر بن الملك المنصور صاحب اليمن أمر بعمارته في سنة خمس وأربعين وستمائة.
● ومن ذلك المسجد الذي يقال له، مسجد الكبش بمنى على يسار الصاعد إلى عرفة " بلحف ثبير "، وهو مشهور بمنى، والكبش الذي نسب هذا المسجد إليه هو الكبش الذي فدي به إسماعيل أو إسحاق بن إبراهيم. وذكر الفاكهي خبراً عن علي يقتضي أن هذا الكبش نحر بين الجمرتين بمنى، ويؤيد هذا ما ذكره المحب الطبري عن ابن عباس أن إبراهيم نحر الكبش في المنحر الذي ينحر فيه الخلفاء اليوم. قال المحب الطبري: وذلك في سفح الجبل المقابل له يعني: المقابل لثبير وأشار المحب بذلك إلى الموضع الذي يقال له اليوم دار النحر بمنى فإن أمامها ينحر هدى صاحب اليمن، وهو بقرب المسجد الذي تقدم ذكره قبل هذا المسجد.
● ومن ذلك مسجد الخيف وهو مسجد مشهور عظيم الفضل، تقدمت فضائله في كتاب المناسك، وتقدم تعريف موضع مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه الأحجار التي بين يدي المنارة وهذا الموضع معروف عند الناس إلى الآن. وذكر الأزرقي صفته وذرعه وعدد أبوابه. والمنارة التي فيها الآن عمرها الملك المظفر صاحب اليمن في سنة أربع وسبعين وستمائة وفيها عمر ما تشعث من مسجد الخيف، وممن عمره والد الخليفة العباسي الناصر واسمه مكتوب على بابه الكبير، وعمره من قبل ذلك الجواد وزير صاحب الموصل، وعمره في سنة عشرين وسبعمائة تاجر دمشقي يقال له ابن المرجاني بأزيد من عشرين ألف درهم وعمر فيه بعد ذلك مواضع وهو الآن كثيراً تشعث.
● ومن ذلك مسجد عن يمين الموقف يعرف بمسجد إبراهيم. قال الأزرقي: وليس هو بمسجد عرفة الذي يصلي فيه الإمام بعرفة.
● ومن ذلك مسجد التنعيم حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن يعمر عائشة منه، وتقدم بعرفة في الباب الرابع عشر.
● ومن ذلك مسجد بذي طوى نزل هنالك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعتمر وحين حج تحت سمرة في موضع المسجد قال ابن الجوزي في " المثير ": وبنته زبيدة.
● ومن ذلك مسجد بأجياد، وفيه موضع يقال له المتكئ يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم اتكئ هناك ذكره المحب الطبري والأزرقي، وقال: سمعت جدي أحمد بن محمد ويوسف بن محمد بن إبراهيم يسألان عن المتكئ وهل صح عندهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكئ فيه، فرأيتهما ينكران ذلك، ويقولان: لم نسمع به من ثبت. قال: قال جدي: سمعت جماعة من أهل العلم يقولون: إن أمر المتكئ ليس بالقوي عندهم، بل يضعفونه غير أنهم يثبتون أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأجياد الصغير لا يثبت ذلك الموضع ولا يوقف عليه. قال: ولم أسمع أحداً من أهل مكة يثبت أمر المتكئ.
● ومن ذلك مسجد على جبل أبي قبيس يقال له: مسجد إبراهيم. قال الأزرقي: سمعت يوسف بن محمد بن إبراهيم يسأل عنه هل هو مسجد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فرأيته ينكر ذلك ويقول: إنما قيل هذا حديثاً من الدهر، ولم أسمع أحداً من أهل العلم يثبته. قال الأزرقي: وسألت جدي عنه فقال لي: متى بنى هذا المسجد، إنما بنى حديثاً من الدهر. ولقد سمعت بعض أهل العلم من أهل مكة يسأل عنه أهل المسجد مسجد إبراهيم خليل الرحمن فينكر ذلك، ويقول: هل هو مسجد إبراهيم القبيسي إنسان كان في جبل أبي قبيس يسأل عنده. انتهى.
● ومن ذلك مسجد بقرب مسجد الخيف من جانبه يعرف بمسجد المرسلات، فيه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم سورة المرسلات، وفيه غار وهو مشهور اليوم بمنى خلف مسجد الخيف، أسفل الجبل مما يلي اليمن، كذلك يأثره الخلف عن السلف. وقد تقدم ذكره في الكتاب المشهور.
● ومن ذلك مسجد الجعرانة أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من هنالك. وتقدم ذكره في الباب الرابع عشر من المناسك.
● ومن ذلك مسجد يقال له: مسجد الفتح بقرب الجموم من وادي مر يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وعمّر هذا المسجد أبو نمى صاحب مكة على ما ذكر، ثم السيد حناش بن راجح، وبيضه في عصرنا ورفع أبوابه السيد الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة، وذكر الأزرقي في تاريخه مساجد أخر غير معروفة الآن فاختصرناها.
المواضع المباركة بمكة
وأما المواضع المباركة بمكة المعروفة بالمواليد: فاعلم أن هذه المواضع مساجد لكنها مشهورة عند الناس باسم المواليد فأفردت عن المساجد بالذكر لهذا المعنى،
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أهل مكة مشهور في الموضع المعروف بسوق الليل. قال الأزرقي: البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في دار محمد بن يوسف، كان عقيل بن أبي طالب أخذه حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه في غيره يقول النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع " وهل ترك لنا عقيل من ظل " فلم يزل بيده وبيد ولده حتى باعه ولده من محمد بن يوسف أخ الحجاج فأدخله في داره التي يقال لها البيضاء ثم تعرف بدار ابن يوسف، فلم يزل ذلك البيت في الدار حتى حجت الخيزران أم الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد فجعلته مسجداً تصلي فيه وأخرجته من الدار، وأشرعته في الزقاق الذي على أ صل تلك الدار يقال له: زقاق المولد. قال الأزرقي: سمعت جدي ويوسف بن محمد يثبتان أمر المولد وأنه ذلك البيت لا اختلاف فيه عند أهل مكة، وعن سليمان بن أبي مرحب مولى بني جشم قال: حدثني ناس كانوا يسكنون ذلك البيت قبل أن تنزعه الخيزران من الدار ثم انتقلوا عنه حين جعل مسجداً، قالوا: لا والله ما أصابنا فيه جائحة ولا حاجة فأخرجنا منه فاشتد الزمان علينا. رواه الأزرقي. وموضع سقطه صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد معروف حتى الآن، وهو موضع مثل التنور الصغير.
قال السهيلي: ولد بالشعب وقيل: بالدار التي عند الصفا، وكانت بعد لمحمد بن يوسف أخ الحجاج ثم بنتها زبيدة مسجداً حين حجت. انتهى. وهذا غريب وأغرب من هذا ما قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد بالردم. وقيل: بعسفان. ذكر هذين القولين مغلطاي في سيرته. والمراد بالردم: دور بني جمح بمكة على ما ذكر البكري، وليس المراد منه الردم الذي بأعلى مكة؛ لأن ذلك لم يكن إلا في خلافة عمر رضي الله عنه، والمعروف من موضع مولده صلى الله عليه وسلم ما سبق. وممن عمّر هذا البيت الذي ذكرناه أولاً الناصر العباسي سنة ست وسبعين وخمسمائة، ثم المظفر صاحب اليمن في سنة ست وستين وستمائة، ثم حفيده الملك المجاهد علي بن المؤيد سنة أربعين وسبعمائة وبعد ذلك غير مرة.
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا الموضع مشهور عند الناس بقرب مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الشعب الذي فيه المولد ولم يذكره الأزرقي، وذكره ابن جبير. وعلى بابه حجر مكتوب فيه هذا مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وفيه ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحجر مكتوب إن الناصر العباسي أمر بعمله في سنة ثمان وستمائة. وقيل: ولد علي بن أبي طالب في جوف الكعبة. وهذا ضعيف عند العلماء كما قاله النووي في " تهذيب الأسماء ". والمعروف ما قدمناه. وفي هذا البيت موضع مثل التنور يقال: إنه مسقط رأس علي بن أبي طالب. قال سعد الدين الإسفرائيني في كتاب " زبدة الأعمال ": وفي جداره في الزاوية حجر مركب يقال: كان هذا الحجر يكلم النبي صلى الله عليه وسلم،
● ومنها: الموضع الذي يقال له: موضع حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأسفل مكة بقرب باب الماجن عند عين باذان.
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجبل الذي تسميه أهل مكة النوبى بأسفل مكة.
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد جعفر بن أبي طالب في الدار المعروفة بدار أبي سعيد عند دار العجلة، وعلى بابه حجر مكتوب فيه: هذا مولد جعفر الصادق ودخله النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن بعض المجاورين عمره في صفر سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
الدور المباركة بمكة
وأما الدور المباركة بمكة: فاعلم أن بمكة دوراً مباركة معروفة عند الناس غالبها مساجد، ولكنها اشتهرت بالدور عند أهل مكة فلذلك أفردناها بالذكر عن المساجد.
● منها: دار أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بالزقاق المعروف بزقاق الحجر، ويقال له قديماً: زقاق العطارين كما ذكره الأزرقي. ويقال لهذه الدار: مولد فاطمة رضي الله عنها لأن فيها ولدت. قال الأزرقي: كان يسكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة، وفيها ابني بخديجة، وولدت فيها أولادها جميعاً، وفيها توفيت، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها ساكناً حتى خرج إلى المدينة مهاجراً، فأخذها عقيل بن أبي طالب، واشتراها منه معاوية وهو خليفة فجعلها مسجداً يصلى فيه وبناها بناءها هذا، وفتح معاوية فيها باباً من دار أبي سفيان بن حرب وهو قائم إلى اليوم وهي الدار التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ". قال الأزرقي: وفي بيت خديجة رضي الله عنها هذا صفيحة من حجر مبني عليها في الجدر جدر البيت الذي يسكنه النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ قدام الصفيحة مسجداً، وهذه الصفيحة مستقلة في الجدر من الأرض قدر ما يجلس تحتها الرجل، وذرعها ذراع في ذراع وشبر. قال الأزرقي: سألت جدي ويوسف بن محمد وغيرهما من أهل العلم من أهل مكة عن هذه الصفيحة ولم جعلت هناك، وقلت لهم: إني أسمع الناس يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس تحت تلك الصفيحة فيستدرى بها من الرمي بالحجارة إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن أبي الحمراء الثقفي، فأنكروا ذلك وقالوا: لم نسمع بهذا من ثبت، ولقد سمعنا من يذكرها من أهل العلم فأصبح ما انتهى إلينا من خبر ذلك أن أهل مكة كانوا يتخذون في بيوتهم صفائح من حجارة تكون شبه الرفاف، يوضع عليها المتاع والشيء من الصبى والداجن يكون في البيت، فقل بيت يخلو من تلك الرفاف. انتهى. وغالب هذه الدار الآن على صفة المسجد ، وفيها قبة يقال لها: قبة الوحي. قال سعد الدين الإسفرائيني وفي هذه القبة حفرة عند الباب يقول: كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيها وقت نزول الوحي جبريل عليه السلام يجلس في محراب القبة. انتهى. وإلى جنبها موضع يزوره الناس معها يسمونه المختبئ، ويتصل بهذه القبة أيضاً الموضع الذي ولدت فيه فاطمة رضي الله عنها. قال سعد الدين الإسفرائيني: وفي بيت من بيوت هذه الدار حفرة مثل التنور يقولون: إنها مسقط رأس فاطمة رضي الله عنها قال المحب الطبري: هذه الدار أفضل الأماكن بعد المسجد الحرام. وممن عمرها الناصر العباسي، وعمر منها شيء في دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر، وفي أول دولة الملك الناصر فرج صاحب مصر، ومما عمر في دولته قبة الوحي بعد سقوطها، ويذكر أن القبة التي كانت قبل هذه القبة من عمارة الملك المظفر صاحب اليمن، وفي الرواق المقدم من هذه الدار مكتوب: إن المقتدر العباسي أمر بعمله، وإلى جانب هذه الدار حوش كبير عمره الناصر العباسي، ووقفه على مصالح دار خديجة رضي الله عنها على ما هو موجود في حجر مكتوب فيه ذلك على باب الحوش، وفيه أيضاً إن هذا الموضع مربد فاطمة رضي الله عنها.
● ومنها: دار أبي بكر الصديق بزقاق الحجر ويقال له: زقاق المرفق أيضا، وهذه الدار معروفة مشهورة، وعلى بابها حجر مكتوب فيه: إنها دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإنها عمرت بأمر الأمير الكبير نور الدين عمر بن علي بن رسول الملك المسعودي في سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ويقابل هذه الدار حجر في جدار يقال: إنه الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكره ابن رشيد بضم الراء في رحلته نقلاً عن العلم أحمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني، عن عمه سليمان بن خليل، عن ابن أبي الصيف عن الميانشي عن كل من لقيه بمكة، وذكر ذلك ابن جبير والناس يتبركون بمسح هذا الحجر إلى الآن. وذكر سعد الدين الإسفرائيني في كتاب " زبدة الأعمال ": أن أهل مكة يمشون في المواليد من دار خديجة إلى مسجد يقولون: إنه كان دكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان يبيع فيه الخز، وأسلم فيه على يد عثمان بن عفان وطلحة بن الزبير وغيرهم من الصحابة قال وفي جدار هذا الدكان أثر مرفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يروى: أنه جاء دكان أبي بكر ذات يوم واتكئ على هذا الجدار ونادى بأبي بكر مرتين. قال: وفي هذا الزقاق حجر مركب على جدار يزوره الناس ويقولون: هذا الحجر سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالي بعث. انتهى. وروى الترمذي ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن ينزل على ". قال السهيلي في الروض الأنف: وفي بعض المسندات زيادة أن هذا الحجر الذي كان يسلم عليه هو الحجر الأسود. قال: وهذا التسليم الأظهر فيه أن يكون حقيقة، وأن يكون الله أنطقه إنطاقاً كما خلق الحنين في الجذع، وليس من شرط الكلام الذي هو حرف وصوت الحياة والعلم والإرادة؛ لأنه صوت كسائر الأصوات، والصوت عرض في قول الأكثرين، ولم يخالف فيه إلا النظام فإنه زعم أنه جسم وجعله الأشعري اصطكاكاً في الجواهر بعضها لبعض فهو عنده من الأكوان وقال أبو بكر بن الطيب: ليس الصوت نفس الاصطكاك ولكنه معنى زائد عليه. قال السهيلي: ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر، والصوت عبارة عنه، لم يكن بد من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام، والله أعلم أي ذلك كان، أكان كلاماً مقروناً بحياة وعلم، فيكون الحجر به مؤمناً، أم كان صوتاً مجرداً غير مقرون بحياة، وفي كلا الوجهين هو علم من أعلام النبوة. وأما حنين الجذع فقد سمي حنيناً، وحقيقة الحنين تقتضي شرط الحياة، ويحتمل تسليم الحجارة أن يكون مضافاً في الحقيقة إلى ملائكة يسكنون تلك الأماكن ويعمرونها فيكون مجازاً من باب قوله: (واسأل القرية). والأول أظهر. انتهى كلامه.
قال المحب الطبري في أحكامه في ذكر تسليم الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن ". أخرجه مسلم وأبو حاتم، وأخرجه الترمذي وقال: " كان يسلم عليّ ليالي بعثت ". وقال: حسن غريب. وقال عياض: قيل: إنه الحجر الأسود. قال المحب الطبري: والظاهر أنه غيره، فإن شأن الحجر الأسود عظيم، ولو كان إياه لذكر ولما أنكره، قال: واليوم بمكة حجر عند أبنية تعرف بدكان أبي بكر، أخبرنا شيخنا أبو الربيع سليمان بن خليل أن أكابر أشياخ أهل مكة أخبروا أنه الحجر الذي كان يسلم عليه صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام الطبري.
وقال المرجاني في " بهجة النفوس ": قيل: هو الحجر الأسود. وقيل: الحجر المستطيل بباب دار أبي سفيان بزقاق الحجر. قال: وهذا الحجر على الدار باق إلى اليوم. انتهى. وهو كذلك باق إلى الآن.
ومنها: دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي المعروفة بدار الخيزران التي عند الصفا، والمقصود من زيارتها مسجد مشهور فيها. ذكره الأزرقي وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مختفياً فيه، وأن فيه أسلم عمر بن الخطاب. وقال غيره: كان صلى الله عليه وسلم مستتراً فيه في بدء الإسلام، وكان به اجتماع من أسلم من الصحابة، وبه أسلم عمر بن الخطاب وحمزة وغيرهما، ومنه ظهر الإسلام وله أيضاً فضل كثير، قال " الأرقم " المرجاني: وأرقم بن أبي الأرقم اشترى المهدي داره بسبعة عشر ألف درهم، ووهبها للخيزران أم الخليفتين الهادي والرشيد.
قال سعد الدين الإسفرائيني: والمسجد الذي في هذه الدار بنته جارية المهدي، وممن عمر هذا المسجد الوزير الجواد ثم المستنصر العباسي، وعمر في آخر القرن الثامن بعض المجاورات.
● ومنها: دار العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمسعى المعظم، وهي الآن رباط يسكنه الفقراء.
● ومن الدور المباركة بمكة رباط الموفق بأسفل مكة. وتقدم في كتاب المناسك في ذكر الأماكن المستجاب فيها الدعاء أنه يستجاب فيه الدعاء.
● ومنها: معبد الجنيد بلحف الجبل الذي يقال له: الأحمر أحد أخشبي مكة، وهو مشهور عند الناس. وقال سعد الدين الإسفرائيني: إنه معبد الجنيد ومعبد إبراهيم بن أدهم.
مختصر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء
ذكر الأزرقي في المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة منها:
● مسجد بأعلى مكة عند سوق الغنم عند " قرن مقلة " قال: ويزعمون أن عنده بايع النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بمكة يوم الفتح. انتهى. وقال الأزرقي في تعريف قرن مقلة: هو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة قال: " ومقلة " رجل كان يسكنه في الجاهلية. وعن ابن جريج قال: لما كان يوم فتح مكة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرن " مقلة " فجاءه الناس يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم.
● ومن ذلك مسجد فوقه بأعلى مكة عند الردم عند بئر جبير بن مطعم يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وهو يعرف اليوم بمسجد الراية كما ذكره المحب الطبري. قال الأزرقي: وقد بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعمره المعتصم بالله العباسي في شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة، وعمره في زماننا الأمير قطلبك الحامي المنجلي عمارته التي هو عليها الآن في أوائل سنة إحدى وثمانمائة.
● ومن ذلك مسجد بسوق الليل بقرب مولد النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: المختبى، يزوره الناس كثيراً في صبيحة اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل سنة، ولم أر أحداً تعرض لذكره، ولا يعرف شيئاً من أخباره،
● ومن ذلك مسجد بأسفل مكة ينسب لأبي بكر الصديق، ويقال: إنه من داره التي هاجر منها إلى المدينة.
● ومن ذلك مساجد خارج مكة من أعلاها من ذلك مسجد بأعلى مكة يقال له: مسجد الجن. قال الأزرقي: وهو الذي يسميه أهل مكة مسجد الحرس وعرفه الأزرقي بأنه مقابل للحجون بأعلى مكة وأنت مصعد على يمينك وإنما سمي مسجد الحرس؛ لأن صاحب الحرس كان يطوف بمكة حتى إذا انتهى إليه وقف عنده ولم يجز حتى يتوافى عنده عرفاؤه وحرسه يأتونه من شعب عامر، وإذا توافوا عنده رجع منحدراً إلى مكة قال: وهو فيما يقال له: موضع الخط الذي خط رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود ليلة استمع عليه الجن، قال: وهو يسمى مسجد البيعة. يقال: إن الجن بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع.
● ومن ذلك مسجد يقال له: مسجد الشجرة بأعلى مكة مقابل مسجد الجن. يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا شجرة كانت في موضعه وهو في مسجد الجن يسألها عن شيء فأقبلت تخط بأصولها وعروقها الأرض حتى وقفت بين يديه، فسألها عما يريد ثم أمرها فرجعت حتى انتهت إلى موضعها.
● ومن ذلك المسجد الذي يقال له: مسجد الإجابة على يسار الذاهب إلى منى في شعب بقرب ثنية إذاخر، وهو مسجد مشهور عند أهل مكة. يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه وهذا المسجد الآن منخرب جداً وجدرانه ساقطة إلا القبلى، وفيه حجر مكتوب فيه إنه مسجد الإجابة، وإنه عمر في سنة عشرين وسبعمائة.
● ومن ذلك المسجد الذي يقال له: مسجد البيعة. وهي البيعة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الأنصار بحضرة عمه العباس بن عبد المطلب على ما ذكره أهل السير وهذا المسجد بقرب العقبة التي هي حد منى من جهة مكة، وهو وراء العقبة بيسير إلى مكة في شعب على يسار الذاهب إلى منى، وفيه حجران مكتوب في أحدهما إن المنصور العباسي أمر ببنيان هذا المسجد مسجد البيعة التي كانت أول بيعة بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الآخر ذكر أنه مسجد البيعة، وأنه بنى في سنة أربع وأربعين ومائة، وعمره بعد ذلك المستنصر العباسي في سنة تسع وعشرين وستمائة، وهو الآن منخرب جداً.
● ومن ذلك مسجد بمنى عند الدار المعروفة بدار النحر بين الجمرة الأولى والوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة، يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه الضحى ونحر هديه على ما هو موجود في حجر فيه مكتوب ذلك، وفيه أن الملك قطب الدين أبا بكر بن الملك المنصور صاحب اليمن أمر بعمارته في سنة خمس وأربعين وستمائة.
● ومن ذلك المسجد الذي يقال له، مسجد الكبش بمنى على يسار الصاعد إلى عرفة " بلحف ثبير "، وهو مشهور بمنى، والكبش الذي نسب هذا المسجد إليه هو الكبش الذي فدي به إسماعيل أو إسحاق بن إبراهيم. وذكر الفاكهي خبراً عن علي يقتضي أن هذا الكبش نحر بين الجمرتين بمنى، ويؤيد هذا ما ذكره المحب الطبري عن ابن عباس أن إبراهيم نحر الكبش في المنحر الذي ينحر فيه الخلفاء اليوم. قال المحب الطبري: وذلك في سفح الجبل المقابل له يعني: المقابل لثبير وأشار المحب بذلك إلى الموضع الذي يقال له اليوم دار النحر بمنى فإن أمامها ينحر هدى صاحب اليمن، وهو بقرب المسجد الذي تقدم ذكره قبل هذا المسجد.
● ومن ذلك مسجد الخيف وهو مسجد مشهور عظيم الفضل، تقدمت فضائله في كتاب المناسك، وتقدم تعريف موضع مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه الأحجار التي بين يدي المنارة وهذا الموضع معروف عند الناس إلى الآن. وذكر الأزرقي صفته وذرعه وعدد أبوابه. والمنارة التي فيها الآن عمرها الملك المظفر صاحب اليمن في سنة أربع وسبعين وستمائة وفيها عمر ما تشعث من مسجد الخيف، وممن عمره والد الخليفة العباسي الناصر واسمه مكتوب على بابه الكبير، وعمره من قبل ذلك الجواد وزير صاحب الموصل، وعمره في سنة عشرين وسبعمائة تاجر دمشقي يقال له ابن المرجاني بأزيد من عشرين ألف درهم وعمر فيه بعد ذلك مواضع وهو الآن كثيراً تشعث.
● ومن ذلك مسجد عن يمين الموقف يعرف بمسجد إبراهيم. قال الأزرقي: وليس هو بمسجد عرفة الذي يصلي فيه الإمام بعرفة.
● ومن ذلك مسجد التنعيم حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن يعمر عائشة منه، وتقدم بعرفة في الباب الرابع عشر.
● ومن ذلك مسجد بذي طوى نزل هنالك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعتمر وحين حج تحت سمرة في موضع المسجد قال ابن الجوزي في " المثير ": وبنته زبيدة.
● ومن ذلك مسجد بأجياد، وفيه موضع يقال له المتكئ يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم اتكئ هناك ذكره المحب الطبري والأزرقي، وقال: سمعت جدي أحمد بن محمد ويوسف بن محمد بن إبراهيم يسألان عن المتكئ وهل صح عندهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكئ فيه، فرأيتهما ينكران ذلك، ويقولان: لم نسمع به من ثبت. قال: قال جدي: سمعت جماعة من أهل العلم يقولون: إن أمر المتكئ ليس بالقوي عندهم، بل يضعفونه غير أنهم يثبتون أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأجياد الصغير لا يثبت ذلك الموضع ولا يوقف عليه. قال: ولم أسمع أحداً من أهل مكة يثبت أمر المتكئ.
● ومن ذلك مسجد على جبل أبي قبيس يقال له: مسجد إبراهيم. قال الأزرقي: سمعت يوسف بن محمد بن إبراهيم يسأل عنه هل هو مسجد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فرأيته ينكر ذلك ويقول: إنما قيل هذا حديثاً من الدهر، ولم أسمع أحداً من أهل العلم يثبته. قال الأزرقي: وسألت جدي عنه فقال لي: متى بنى هذا المسجد، إنما بنى حديثاً من الدهر. ولقد سمعت بعض أهل العلم من أهل مكة يسأل عنه أهل المسجد مسجد إبراهيم خليل الرحمن فينكر ذلك، ويقول: هل هو مسجد إبراهيم القبيسي إنسان كان في جبل أبي قبيس يسأل عنده. انتهى.
● ومن ذلك مسجد بقرب مسجد الخيف من جانبه يعرف بمسجد المرسلات، فيه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم سورة المرسلات، وفيه غار وهو مشهور اليوم بمنى خلف مسجد الخيف، أسفل الجبل مما يلي اليمن، كذلك يأثره الخلف عن السلف. وقد تقدم ذكره في الكتاب المشهور.
● ومن ذلك مسجد الجعرانة أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من هنالك. وتقدم ذكره في الباب الرابع عشر من المناسك.
● ومن ذلك مسجد يقال له: مسجد الفتح بقرب الجموم من وادي مر يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وعمّر هذا المسجد أبو نمى صاحب مكة على ما ذكر، ثم السيد حناش بن راجح، وبيضه في عصرنا ورفع أبوابه السيد الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة، وذكر الأزرقي في تاريخه مساجد أخر غير معروفة الآن فاختصرناها.
المواضع المباركة بمكة
وأما المواضع المباركة بمكة المعروفة بالمواليد: فاعلم أن هذه المواضع مساجد لكنها مشهورة عند الناس باسم المواليد فأفردت عن المساجد بالذكر لهذا المعنى،
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أهل مكة مشهور في الموضع المعروف بسوق الليل. قال الأزرقي: البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في دار محمد بن يوسف، كان عقيل بن أبي طالب أخذه حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه في غيره يقول النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع " وهل ترك لنا عقيل من ظل " فلم يزل بيده وبيد ولده حتى باعه ولده من محمد بن يوسف أخ الحجاج فأدخله في داره التي يقال لها البيضاء ثم تعرف بدار ابن يوسف، فلم يزل ذلك البيت في الدار حتى حجت الخيزران أم الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد فجعلته مسجداً تصلي فيه وأخرجته من الدار، وأشرعته في الزقاق الذي على أ صل تلك الدار يقال له: زقاق المولد. قال الأزرقي: سمعت جدي ويوسف بن محمد يثبتان أمر المولد وأنه ذلك البيت لا اختلاف فيه عند أهل مكة، وعن سليمان بن أبي مرحب مولى بني جشم قال: حدثني ناس كانوا يسكنون ذلك البيت قبل أن تنزعه الخيزران من الدار ثم انتقلوا عنه حين جعل مسجداً، قالوا: لا والله ما أصابنا فيه جائحة ولا حاجة فأخرجنا منه فاشتد الزمان علينا. رواه الأزرقي. وموضع سقطه صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد معروف حتى الآن، وهو موضع مثل التنور الصغير.
قال السهيلي: ولد بالشعب وقيل: بالدار التي عند الصفا، وكانت بعد لمحمد بن يوسف أخ الحجاج ثم بنتها زبيدة مسجداً حين حجت. انتهى. وهذا غريب وأغرب من هذا ما قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد بالردم. وقيل: بعسفان. ذكر هذين القولين مغلطاي في سيرته. والمراد بالردم: دور بني جمح بمكة على ما ذكر البكري، وليس المراد منه الردم الذي بأعلى مكة؛ لأن ذلك لم يكن إلا في خلافة عمر رضي الله عنه، والمعروف من موضع مولده صلى الله عليه وسلم ما سبق. وممن عمّر هذا البيت الذي ذكرناه أولاً الناصر العباسي سنة ست وسبعين وخمسمائة، ثم المظفر صاحب اليمن في سنة ست وستين وستمائة، ثم حفيده الملك المجاهد علي بن المؤيد سنة أربعين وسبعمائة وبعد ذلك غير مرة.
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا الموضع مشهور عند الناس بقرب مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الشعب الذي فيه المولد ولم يذكره الأزرقي، وذكره ابن جبير. وعلى بابه حجر مكتوب فيه هذا مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وفيه ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحجر مكتوب إن الناصر العباسي أمر بعمله في سنة ثمان وستمائة. وقيل: ولد علي بن أبي طالب في جوف الكعبة. وهذا ضعيف عند العلماء كما قاله النووي في " تهذيب الأسماء ". والمعروف ما قدمناه. وفي هذا البيت موضع مثل التنور يقال: إنه مسقط رأس علي بن أبي طالب. قال سعد الدين الإسفرائيني في كتاب " زبدة الأعمال ": وفي جداره في الزاوية حجر مركب يقال: كان هذا الحجر يكلم النبي صلى الله عليه وسلم،
● ومنها: الموضع الذي يقال له: موضع حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأسفل مكة بقرب باب الماجن عند عين باذان.
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجبل الذي تسميه أهل مكة النوبى بأسفل مكة.
● ومنها: الموضع الذي يقال له: مولد جعفر بن أبي طالب في الدار المعروفة بدار أبي سعيد عند دار العجلة، وعلى بابه حجر مكتوب فيه: هذا مولد جعفر الصادق ودخله النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن بعض المجاورين عمره في صفر سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
الدور المباركة بمكة
وأما الدور المباركة بمكة: فاعلم أن بمكة دوراً مباركة معروفة عند الناس غالبها مساجد، ولكنها اشتهرت بالدور عند أهل مكة فلذلك أفردناها بالذكر عن المساجد.
● منها: دار أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بالزقاق المعروف بزقاق الحجر، ويقال له قديماً: زقاق العطارين كما ذكره الأزرقي. ويقال لهذه الدار: مولد فاطمة رضي الله عنها لأن فيها ولدت. قال الأزرقي: كان يسكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة، وفيها ابني بخديجة، وولدت فيها أولادها جميعاً، وفيها توفيت، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها ساكناً حتى خرج إلى المدينة مهاجراً، فأخذها عقيل بن أبي طالب، واشتراها منه معاوية وهو خليفة فجعلها مسجداً يصلى فيه وبناها بناءها هذا، وفتح معاوية فيها باباً من دار أبي سفيان بن حرب وهو قائم إلى اليوم وهي الدار التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ". قال الأزرقي: وفي بيت خديجة رضي الله عنها هذا صفيحة من حجر مبني عليها في الجدر جدر البيت الذي يسكنه النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ قدام الصفيحة مسجداً، وهذه الصفيحة مستقلة في الجدر من الأرض قدر ما يجلس تحتها الرجل، وذرعها ذراع في ذراع وشبر. قال الأزرقي: سألت جدي ويوسف بن محمد وغيرهما من أهل العلم من أهل مكة عن هذه الصفيحة ولم جعلت هناك، وقلت لهم: إني أسمع الناس يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس تحت تلك الصفيحة فيستدرى بها من الرمي بالحجارة إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن أبي الحمراء الثقفي، فأنكروا ذلك وقالوا: لم نسمع بهذا من ثبت، ولقد سمعنا من يذكرها من أهل العلم فأصبح ما انتهى إلينا من خبر ذلك أن أهل مكة كانوا يتخذون في بيوتهم صفائح من حجارة تكون شبه الرفاف، يوضع عليها المتاع والشيء من الصبى والداجن يكون في البيت، فقل بيت يخلو من تلك الرفاف. انتهى. وغالب هذه الدار الآن على صفة المسجد ، وفيها قبة يقال لها: قبة الوحي. قال سعد الدين الإسفرائيني وفي هذه القبة حفرة عند الباب يقول: كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيها وقت نزول الوحي جبريل عليه السلام يجلس في محراب القبة. انتهى. وإلى جنبها موضع يزوره الناس معها يسمونه المختبئ، ويتصل بهذه القبة أيضاً الموضع الذي ولدت فيه فاطمة رضي الله عنها. قال سعد الدين الإسفرائيني: وفي بيت من بيوت هذه الدار حفرة مثل التنور يقولون: إنها مسقط رأس فاطمة رضي الله عنها قال المحب الطبري: هذه الدار أفضل الأماكن بعد المسجد الحرام. وممن عمرها الناصر العباسي، وعمر منها شيء في دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر، وفي أول دولة الملك الناصر فرج صاحب مصر، ومما عمر في دولته قبة الوحي بعد سقوطها، ويذكر أن القبة التي كانت قبل هذه القبة من عمارة الملك المظفر صاحب اليمن، وفي الرواق المقدم من هذه الدار مكتوب: إن المقتدر العباسي أمر بعمله، وإلى جانب هذه الدار حوش كبير عمره الناصر العباسي، ووقفه على مصالح دار خديجة رضي الله عنها على ما هو موجود في حجر مكتوب فيه ذلك على باب الحوش، وفيه أيضاً إن هذا الموضع مربد فاطمة رضي الله عنها.
● ومنها: دار أبي بكر الصديق بزقاق الحجر ويقال له: زقاق المرفق أيضا، وهذه الدار معروفة مشهورة، وعلى بابها حجر مكتوب فيه: إنها دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإنها عمرت بأمر الأمير الكبير نور الدين عمر بن علي بن رسول الملك المسعودي في سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ويقابل هذه الدار حجر في جدار يقال: إنه الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكره ابن رشيد بضم الراء في رحلته نقلاً عن العلم أحمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني، عن عمه سليمان بن خليل، عن ابن أبي الصيف عن الميانشي عن كل من لقيه بمكة، وذكر ذلك ابن جبير والناس يتبركون بمسح هذا الحجر إلى الآن. وذكر سعد الدين الإسفرائيني في كتاب " زبدة الأعمال ": أن أهل مكة يمشون في المواليد من دار خديجة إلى مسجد يقولون: إنه كان دكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان يبيع فيه الخز، وأسلم فيه على يد عثمان بن عفان وطلحة بن الزبير وغيرهم من الصحابة قال وفي جدار هذا الدكان أثر مرفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يروى: أنه جاء دكان أبي بكر ذات يوم واتكئ على هذا الجدار ونادى بأبي بكر مرتين. قال: وفي هذا الزقاق حجر مركب على جدار يزوره الناس ويقولون: هذا الحجر سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالي بعث. انتهى. وروى الترمذي ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن ينزل على ". قال السهيلي في الروض الأنف: وفي بعض المسندات زيادة أن هذا الحجر الذي كان يسلم عليه هو الحجر الأسود. قال: وهذا التسليم الأظهر فيه أن يكون حقيقة، وأن يكون الله أنطقه إنطاقاً كما خلق الحنين في الجذع، وليس من شرط الكلام الذي هو حرف وصوت الحياة والعلم والإرادة؛ لأنه صوت كسائر الأصوات، والصوت عرض في قول الأكثرين، ولم يخالف فيه إلا النظام فإنه زعم أنه جسم وجعله الأشعري اصطكاكاً في الجواهر بعضها لبعض فهو عنده من الأكوان وقال أبو بكر بن الطيب: ليس الصوت نفس الاصطكاك ولكنه معنى زائد عليه. قال السهيلي: ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر، والصوت عبارة عنه، لم يكن بد من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام، والله أعلم أي ذلك كان، أكان كلاماً مقروناً بحياة وعلم، فيكون الحجر به مؤمناً، أم كان صوتاً مجرداً غير مقرون بحياة، وفي كلا الوجهين هو علم من أعلام النبوة. وأما حنين الجذع فقد سمي حنيناً، وحقيقة الحنين تقتضي شرط الحياة، ويحتمل تسليم الحجارة أن يكون مضافاً في الحقيقة إلى ملائكة يسكنون تلك الأماكن ويعمرونها فيكون مجازاً من باب قوله: (واسأل القرية). والأول أظهر. انتهى كلامه.
قال المحب الطبري في أحكامه في ذكر تسليم الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن ". أخرجه مسلم وأبو حاتم، وأخرجه الترمذي وقال: " كان يسلم عليّ ليالي بعثت ". وقال: حسن غريب. وقال عياض: قيل: إنه الحجر الأسود. قال المحب الطبري: والظاهر أنه غيره، فإن شأن الحجر الأسود عظيم، ولو كان إياه لذكر ولما أنكره، قال: واليوم بمكة حجر عند أبنية تعرف بدكان أبي بكر، أخبرنا شيخنا أبو الربيع سليمان بن خليل أن أكابر أشياخ أهل مكة أخبروا أنه الحجر الذي كان يسلم عليه صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام الطبري.
وقال المرجاني في " بهجة النفوس ": قيل: هو الحجر الأسود. وقيل: الحجر المستطيل بباب دار أبي سفيان بزقاق الحجر. قال: وهذا الحجر على الدار باق إلى اليوم. انتهى. وهو كذلك باق إلى الآن.
ومنها: دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي المعروفة بدار الخيزران التي عند الصفا، والمقصود من زيارتها مسجد مشهور فيها. ذكره الأزرقي وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مختفياً فيه، وأن فيه أسلم عمر بن الخطاب. وقال غيره: كان صلى الله عليه وسلم مستتراً فيه في بدء الإسلام، وكان به اجتماع من أسلم من الصحابة، وبه أسلم عمر بن الخطاب وحمزة وغيرهما، ومنه ظهر الإسلام وله أيضاً فضل كثير، قال " الأرقم " المرجاني: وأرقم بن أبي الأرقم اشترى المهدي داره بسبعة عشر ألف درهم، ووهبها للخيزران أم الخليفتين الهادي والرشيد.
قال سعد الدين الإسفرائيني: والمسجد الذي في هذه الدار بنته جارية المهدي، وممن عمر هذا المسجد الوزير الجواد ثم المستنصر العباسي، وعمر في آخر القرن الثامن بعض المجاورات.
● ومنها: دار العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمسعى المعظم، وهي الآن رباط يسكنه الفقراء.
● ومن الدور المباركة بمكة رباط الموفق بأسفل مكة. وتقدم في كتاب المناسك في ذكر الأماكن المستجاب فيها الدعاء أنه يستجاب فيه الدعاء.
● ومنها: معبد الجنيد بلحف الجبل الذي يقال له: الأحمر أحد أخشبي مكة، وهو مشهور عند الناس. وقال سعد الدين الإسفرائيني: إنه معبد الجنيد ومعبد إبراهيم بن أدهم.
مختصر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء