بّسم الله الرّحمن الرّحيم
تاريخ مكة المكرمة
ذكر حال المسجد الحرام حتى زيادة المهدي
ذكر حد المسجد الحرام وما يتعلق بالنوم والوضوء فيه
وأول من أدار الصفوف حول الكعبة
عن أبي هريرة قال: إنا لنجد في كتاب الله تعالى أن حد المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد. قال: والمهدي وضع المسجد على المسعى.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: المسجد الحرام الحرم كله. وأول من أدار الصفوف حول الكعبة خالد بن عبد الله القسري، وكان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام تركز حربة خلف المقام بربوة فيصلي الإمام خلف الحربة والناس وراءه، فمن أراد صلى مع الإمام ومن أراد طاف وركع خلف المقام، فلما ولى خالد بن عبد الله القسري مكة لعبد الملك بن مروان وحضر شهر رمضان أمر خالد القراء أن يتقدموا فيصلوا خلف المقام وأدار الصفوف حول الكعبة، وذلك أن الناس ضاق عليهم أعلى المسجد فأدارهم حول الكعبة فقيل له: يقطع الطواف لغير المكتوبة. قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين بسبع. فقيل له: إنه يكون في مؤخر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائف من مصل وغيره فيتهيأ للصلاة. فأمر عبيد الكعبة أن يكبروا حول لكعبة يقولون: الحمد لله والله أكبر فإذا بلغوا الركن الأسود في الطواف السادس سكتوا بين الركنين سكتة حتى يتهيأ الناس ممن في الحجر ومن جوانب المسجد من مصل أو غيره فيعرفون ذلك بانقطاع التكبير، ويصلي ويخفف المصلي صلاته ثم يعودون إلى التكبير حتى يفرغوا من السبع، ويقوم مسمع فينادي الصلاة رحمكم الله. وكان عطاء وعمرو بن دينار ونظراؤهم من العلماء يرون ذلك ولا ينكرونه.
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إذا قل الناس في المسجد الحرام أحب إليك أن يصلوا خلف المقام أو يكونوا صفاً واحداً حول الكعبة، قال: أن يكونوا صفاً واحداً حول الكعبة. وتلا: (وترى الملائكة حافين من حول العرش). وعنه قال: قلت لعطاء: أتكره النوم في المسجد الحرام، قال: بل أحبه. وعن عطاء أنه كان يتوضأ في المسجد الحرام. روى ذلك كله الأزرقي.
ذكر ما كان عليه المسجد الحرام وسعته وعمارته
إلى أن صار على ما هو عليه الآن
لما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس، وسع المسجد واشترى دوراً واتخذ للمسجد جداراً قصيراً دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه، ثم اشترى عثمان في خلافته دوراً وهدمها ووسعه بها وبنى المسجد والأروقة، ثم زاد فيه ابن الزبير زيادة كبيرة ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكن رفع جداره وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة، ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك وحمل إليه أعمدة الرخام، ثم زاد فيه أبو جعفر المنصور، ثم زاد فيه المهدي بعده مرتين الزيادة الأولى سنة ستين ومائة والثانية سنة سبع وستين إلى سنة تسع وستين ومائة وفيها مات المهدي، وكانت الكعبة في جانب فأحب أن تكون متوسطة فاشترى من الناس الدور ووسطها واستقر الحال على ذلك إلى وقتنا هذا.
ذكر عمل عمر بن الخطاب وعثمان رضي الله عنهما
عن ابن جريج قال: كان المسجد الحرام ليس عليه جدران محيطة، إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب غير أن بين الدور أبواباً يدخل منها الناس من كل نواحيه، فضاق على الناس فاشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دوراً فهدمها وهدم على قرب من المسجد، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنع من البيع، فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جداراً قصيراً، ثم كثر الناس في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه فوسع المسجد فاشترى من قوم وأبى آخرون أن يبيعوا فهدم عليهم فصيحوا به، فدعاهم فقال: إنما جرأكم عليّ حلمي عنكم فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد، فأحدثت على مثاله فصحتم بي. ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد.
ذكر بنيان ابن الزبير وعبد الملك بن مروان
قال الأزرقي: كان المسجد الحرام محاطاً بجدار قصير غير مسقف، إنما يجلس الناس حول المسجد بالغداة والعشي يتبعون الأفياء فإذا قلص الظل قامت المجالس، فزاد ابن الزبير في المسجد الحرام واشترى من الناس دوراً وأدخلها في المسجد، وكان قد انتهى بالمسجد إلى أن أشرعه على الوادي مما يلي الصفا والوادي يومئذ في موضع المسجد اليوم، ووسع المسجد من جميع نواحيه، وكانت دار الندوة يومئذ داخلة في المسجد الحرام وبابها في وسط الصحن، ولم يزل باب دار الندوة في موضعه حتى زاد أبو جعفر في المسجد فأخره إلى ما هو عليه اليوم.
قال الأزرقي: وسمعت من يذكر أن ابن الزبير كان سقفه فلا أدري كله أم بعضه، ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه ولكنه رفع جدرانه وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة، كما ذكرنا، وجعل في رؤوس الأساطين خمسين مثقالاً من ذهب في رأس كل اسطوانة. قال الأزرقي: وذلك زمان ابن الزبير.
ذكر عمل الوليد بن عبد الملك
عمر الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد الحرام وكان إذا عمل المساجد زخرفها فنقض عمل عبد الملك وعمل عملاً محكماً، وهو أول من نقل إليه الأساطين الرخام وسقفه بالساج المزخرف، وعلى رؤوس الأساطين الذهب على صفائح الشبه من الصفر، وأزر المسجد بالرخام من داخله وجعل في وجه الطيقان في أعلاه الفسيفساء، وهو أول من عمله في المسجد الحرام وجعل للمسجد شرافات، وكانت هذه عمارة الوليد بن عبد الملك.
عمل أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور
لم يعمر المسجد الحرام بعد الوليد بن عبد الملك أحد من الخلفاء ولم يزد فيه شيئاً حتى كان أبو جعفر أمير المؤمنين، فزاد في شقه الشامي الذي فيه دار النخلة ودار الندوة في أسفله، ولم يزد عليه في أعلاه ولا في شقه الذي على الوادي، فاشترى من الناس دورهم الملاصقة بالمسجد من أسفله حتى وضعه على منتهاه اليوم.
ذكر زيادة المهدي الأولى
حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة فجرد الكعبة مما كان عليها من الثياب، وأمر بعمارة المسجد الحرام وأمر أن يزاد في أعلاه، واشترى ما كان في ذلك الموضع من الدور وأمر بأساطين الرخام فنقلت في السفن من الشام حتى أنزلت بجدة ثم جرت على العجل من جدة إلى مكة وجعلت أساطين، ولما وضعها حفر لها أرباضاً على كل صف من الأساطين جداراً مستقيماً.
ذكر زيادة المهدي الثانية
ولما بنى المهدي المسجد الحرام وزاد الزيادة الأولى اتسع أعلاه وأسفله وشقه الذي يلي دار الندوة، وضاق شقه اليماني الذي يلي الصفا فكانت الكعبة في شق المسجد، وذلك أن الوادي كان داخلاً لاصقاً بالمسجد في بطن المسجد اليوم، وكانت الدور وبيوت من ورائه في موضع الوادي اليوم، وإنما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي ثم يسلك في زقاق ضيق حتى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت فيها بين الوادي والصفا، وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم، فلما حج المهدي سنة أربع وستين ومائة ورأى الكعبة في شق المسجد كره ذلك وأحب أن تكون متوسطة في المسجد، فدعى المهندسين فشاورهم في ذلك فقدروا في ذلك فإذا هو لا يستوي لهم من أجل الوادي والسيل وقالوا: إن وادي مكة له سيول جارفة وهو وادي حدور، ونحن نخاف إن حولنا الوادي عن مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد؛ لأن وراءه من الدور والمساكن ما تكثر فيه المئونة ولعله أن لا يتم. فقال المهدي: لا بد لي أن أوسعه حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال، ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال وعظمت في ذلك نيته واشتدت رغبته فقدروا ذلك وهو حاضر، ونصب الرماح على الدور من أول موضع الوادي إلى آخره، ثم ذرعه من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل في المسجد من ذلك وما يكون للوادي فيه فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي على ما يدخل في المسجد من ذلك وزنوه مرة بعد مرة وقرروا ذلك، ثم خرج المهدي إلى العراق وخلفوا الأموال فاشتروا من الناس دورهم وأرسل إلى الشام وإلى مصر فنقلت أساطين الرخام في السفن حتى أنزلت بجدة ثم نقلت على العجل من جدة إلى مكة، ووضعوا أيديهم فهدموا الدور، وبنوا المسجد منحدراً حتى دخل دار أم هانئ بنت أبي طالب وكان عندها بئر جاهلية كان قصي حفرها فدخلت تلك البئر في المسجد، فحفر المهدي عوضاً عنها البئر التي على باب البقالين التي في حدّ ركن المسجد الحرام اليوم وتعرف هذه البئر اليوم ببئر حزورة ثم مضوا في بنائه بأساطين الرخام وسقفه بالساج المذهب المنقوش حتى توفي المهدي سنة تسع وستين ومائة، وقد انتهى إلى آخر منتهى أساطين الرخام من أسفل المسجد، فاستخلف موسى أمير المؤمنين فبادروا اليوم بإتمام المسجد وأسرعوا في ذلك، وبنوا أساطينه بحجارة ثم طليت بالجص وعمل سقفه عملاً دون عمل المهدي في الإحكام والحسن.
مختصر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء
وأول من أدار الصفوف حول الكعبة
عن أبي هريرة قال: إنا لنجد في كتاب الله تعالى أن حد المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد. قال: والمهدي وضع المسجد على المسعى.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: المسجد الحرام الحرم كله. وأول من أدار الصفوف حول الكعبة خالد بن عبد الله القسري، وكان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام تركز حربة خلف المقام بربوة فيصلي الإمام خلف الحربة والناس وراءه، فمن أراد صلى مع الإمام ومن أراد طاف وركع خلف المقام، فلما ولى خالد بن عبد الله القسري مكة لعبد الملك بن مروان وحضر شهر رمضان أمر خالد القراء أن يتقدموا فيصلوا خلف المقام وأدار الصفوف حول الكعبة، وذلك أن الناس ضاق عليهم أعلى المسجد فأدارهم حول الكعبة فقيل له: يقطع الطواف لغير المكتوبة. قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين بسبع. فقيل له: إنه يكون في مؤخر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائف من مصل وغيره فيتهيأ للصلاة. فأمر عبيد الكعبة أن يكبروا حول لكعبة يقولون: الحمد لله والله أكبر فإذا بلغوا الركن الأسود في الطواف السادس سكتوا بين الركنين سكتة حتى يتهيأ الناس ممن في الحجر ومن جوانب المسجد من مصل أو غيره فيعرفون ذلك بانقطاع التكبير، ويصلي ويخفف المصلي صلاته ثم يعودون إلى التكبير حتى يفرغوا من السبع، ويقوم مسمع فينادي الصلاة رحمكم الله. وكان عطاء وعمرو بن دينار ونظراؤهم من العلماء يرون ذلك ولا ينكرونه.
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إذا قل الناس في المسجد الحرام أحب إليك أن يصلوا خلف المقام أو يكونوا صفاً واحداً حول الكعبة، قال: أن يكونوا صفاً واحداً حول الكعبة. وتلا: (وترى الملائكة حافين من حول العرش). وعنه قال: قلت لعطاء: أتكره النوم في المسجد الحرام، قال: بل أحبه. وعن عطاء أنه كان يتوضأ في المسجد الحرام. روى ذلك كله الأزرقي.
ذكر ما كان عليه المسجد الحرام وسعته وعمارته
إلى أن صار على ما هو عليه الآن
لما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس، وسع المسجد واشترى دوراً واتخذ للمسجد جداراً قصيراً دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه، ثم اشترى عثمان في خلافته دوراً وهدمها ووسعه بها وبنى المسجد والأروقة، ثم زاد فيه ابن الزبير زيادة كبيرة ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكن رفع جداره وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة، ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك وحمل إليه أعمدة الرخام، ثم زاد فيه أبو جعفر المنصور، ثم زاد فيه المهدي بعده مرتين الزيادة الأولى سنة ستين ومائة والثانية سنة سبع وستين إلى سنة تسع وستين ومائة وفيها مات المهدي، وكانت الكعبة في جانب فأحب أن تكون متوسطة فاشترى من الناس الدور ووسطها واستقر الحال على ذلك إلى وقتنا هذا.
ذكر عمل عمر بن الخطاب وعثمان رضي الله عنهما
عن ابن جريج قال: كان المسجد الحرام ليس عليه جدران محيطة، إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب غير أن بين الدور أبواباً يدخل منها الناس من كل نواحيه، فضاق على الناس فاشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دوراً فهدمها وهدم على قرب من المسجد، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنع من البيع، فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جداراً قصيراً، ثم كثر الناس في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه فوسع المسجد فاشترى من قوم وأبى آخرون أن يبيعوا فهدم عليهم فصيحوا به، فدعاهم فقال: إنما جرأكم عليّ حلمي عنكم فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد، فأحدثت على مثاله فصحتم بي. ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد.
ذكر بنيان ابن الزبير وعبد الملك بن مروان
قال الأزرقي: كان المسجد الحرام محاطاً بجدار قصير غير مسقف، إنما يجلس الناس حول المسجد بالغداة والعشي يتبعون الأفياء فإذا قلص الظل قامت المجالس، فزاد ابن الزبير في المسجد الحرام واشترى من الناس دوراً وأدخلها في المسجد، وكان قد انتهى بالمسجد إلى أن أشرعه على الوادي مما يلي الصفا والوادي يومئذ في موضع المسجد اليوم، ووسع المسجد من جميع نواحيه، وكانت دار الندوة يومئذ داخلة في المسجد الحرام وبابها في وسط الصحن، ولم يزل باب دار الندوة في موضعه حتى زاد أبو جعفر في المسجد فأخره إلى ما هو عليه اليوم.
قال الأزرقي: وسمعت من يذكر أن ابن الزبير كان سقفه فلا أدري كله أم بعضه، ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه ولكنه رفع جدرانه وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة، كما ذكرنا، وجعل في رؤوس الأساطين خمسين مثقالاً من ذهب في رأس كل اسطوانة. قال الأزرقي: وذلك زمان ابن الزبير.
ذكر عمل الوليد بن عبد الملك
عمر الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد الحرام وكان إذا عمل المساجد زخرفها فنقض عمل عبد الملك وعمل عملاً محكماً، وهو أول من نقل إليه الأساطين الرخام وسقفه بالساج المزخرف، وعلى رؤوس الأساطين الذهب على صفائح الشبه من الصفر، وأزر المسجد بالرخام من داخله وجعل في وجه الطيقان في أعلاه الفسيفساء، وهو أول من عمله في المسجد الحرام وجعل للمسجد شرافات، وكانت هذه عمارة الوليد بن عبد الملك.
عمل أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور
لم يعمر المسجد الحرام بعد الوليد بن عبد الملك أحد من الخلفاء ولم يزد فيه شيئاً حتى كان أبو جعفر أمير المؤمنين، فزاد في شقه الشامي الذي فيه دار النخلة ودار الندوة في أسفله، ولم يزد عليه في أعلاه ولا في شقه الذي على الوادي، فاشترى من الناس دورهم الملاصقة بالمسجد من أسفله حتى وضعه على منتهاه اليوم.
ذكر زيادة المهدي الأولى
حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة فجرد الكعبة مما كان عليها من الثياب، وأمر بعمارة المسجد الحرام وأمر أن يزاد في أعلاه، واشترى ما كان في ذلك الموضع من الدور وأمر بأساطين الرخام فنقلت في السفن من الشام حتى أنزلت بجدة ثم جرت على العجل من جدة إلى مكة وجعلت أساطين، ولما وضعها حفر لها أرباضاً على كل صف من الأساطين جداراً مستقيماً.
ذكر زيادة المهدي الثانية
ولما بنى المهدي المسجد الحرام وزاد الزيادة الأولى اتسع أعلاه وأسفله وشقه الذي يلي دار الندوة، وضاق شقه اليماني الذي يلي الصفا فكانت الكعبة في شق المسجد، وذلك أن الوادي كان داخلاً لاصقاً بالمسجد في بطن المسجد اليوم، وكانت الدور وبيوت من ورائه في موضع الوادي اليوم، وإنما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي ثم يسلك في زقاق ضيق حتى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت فيها بين الوادي والصفا، وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم، فلما حج المهدي سنة أربع وستين ومائة ورأى الكعبة في شق المسجد كره ذلك وأحب أن تكون متوسطة في المسجد، فدعى المهندسين فشاورهم في ذلك فقدروا في ذلك فإذا هو لا يستوي لهم من أجل الوادي والسيل وقالوا: إن وادي مكة له سيول جارفة وهو وادي حدور، ونحن نخاف إن حولنا الوادي عن مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد؛ لأن وراءه من الدور والمساكن ما تكثر فيه المئونة ولعله أن لا يتم. فقال المهدي: لا بد لي أن أوسعه حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال، ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال وعظمت في ذلك نيته واشتدت رغبته فقدروا ذلك وهو حاضر، ونصب الرماح على الدور من أول موضع الوادي إلى آخره، ثم ذرعه من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل في المسجد من ذلك وما يكون للوادي فيه فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي على ما يدخل في المسجد من ذلك وزنوه مرة بعد مرة وقرروا ذلك، ثم خرج المهدي إلى العراق وخلفوا الأموال فاشتروا من الناس دورهم وأرسل إلى الشام وإلى مصر فنقلت أساطين الرخام في السفن حتى أنزلت بجدة ثم نقلت على العجل من جدة إلى مكة، ووضعوا أيديهم فهدموا الدور، وبنوا المسجد منحدراً حتى دخل دار أم هانئ بنت أبي طالب وكان عندها بئر جاهلية كان قصي حفرها فدخلت تلك البئر في المسجد، فحفر المهدي عوضاً عنها البئر التي على باب البقالين التي في حدّ ركن المسجد الحرام اليوم وتعرف هذه البئر اليوم ببئر حزورة ثم مضوا في بنائه بأساطين الرخام وسقفه بالساج المذهب المنقوش حتى توفي المهدي سنة تسع وستين ومائة، وقد انتهى إلى آخر منتهى أساطين الرخام من أسفل المسجد، فاستخلف موسى أمير المؤمنين فبادروا اليوم بإتمام المسجد وأسرعوا في ذلك، وبنوا أساطينه بحجارة ثم طليت بالجص وعمل سقفه عملاً دون عمل المهدي في الإحكام والحسن.
مختصر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء