منتدى قوت القلوب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    حفر زمزم ووصفها وفضائلها

    avatar
    الكتاكيت


    المساهمات : 174
    تاريخ التسجيل : 23/01/2014

    حفر زمزم ووصفها وفضائلها Empty حفر زمزم ووصفها وفضائلها

    مُساهمة من طرف الكتاكيت الأحد 22 مارس 2015 - 7:00

    حفر زمزم ووصفها وفضائلها Mka10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    تاريخ مكة المكرمة
    حفر زمزم ووصفها وفضائلها
    حفر زمزم ووصفها وفضائلها 1410
    ما جاء في إخراج جبريل زمزم لأم إسماعيل
    لما كان بين هاجر أم إسماعيل وبين سارة امرأة إبراهيم ما كان، أقبل إبراهيم عليه السلام بهاجر وابنها إسماعيل وهو صغير يرضعها حتى قدم بهما مكة، ومع أم إسماعيل شنة فيها ماء تشرب منه وتدر على ابنها وليس معها زاد وفي رواية: ومعها جراب فيه تمر وسقاء فيه ماء وليس بمكة أحد وليس لها ماء، فعمد بهما إبراهيم إلى دوحة فوق زمزم فوضعهما عندها، ثم توجه إبراهيم خارجاً على دابته فتبعته أم إسماعيل حتى وافى إبراهيم بكدا، فقالت له أم إسماعيل: إلى من تتركنى وولدى، قال: إلى الله عز وجل، قالت: رضيت بالله، وفي رواية: قالت له: أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء، فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها، فقالت: آلله أمرك بهذا، قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت تحمل ابنها، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حين لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه وقال: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي ذرع) حتى بلغ (يشكرون).
    وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل حتى فنى ماء شنها فانقطع درها، فجاع ابنها فاشتد جوعه حتى نظرت إليه أمه يتشحط فخشيت أم إسماعيل أن يموت، فقالت: لو تغيبت عنه حتى يموت ولا أدري بموته. فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه، فاستقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا وقالت: لو مشيت بين هذين الجبلين تعللت حتى يموت الصبي ولا أراه. فمشت بينهما أم إسماعيل حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات، فلذلك شرع السعي بينهما سبعاً، فلما أشرقت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فخرج لها جبريل فاتبعته حتى وصل عند زمزم فبحث بعقبه أو بجناحه حتى ظهر الماء، وتقول بيدها هكذا وتغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف فشربت وأرضعت ولدها، وقال لها جبريل عليه السلام: لا تخافي الضيعة فإن ها هنا بيت الله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله تعالى لا يضيع أهله.
    وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت عيناً معيناً ".
    قال القرطبي في تفسيره: لا يجوز لأحد أن يتعلق بهذا في طرح ولده وعياله بأرض مضيعة، اتكالاً على العزيز الرحيم، واقتداء بفعل إبراهيم الخليل، كما فعله غلاة الصوفية في حقيقة التوكل،
    قال: إبراهيم فعل ذلك بأمر الله تعالى؛ لقوله في الحديث: آلله أمرك بهذا، قال: نعم. وقد روي أن سارة لما غارت من هاجر بعد أن ولدت إسماعيل خرج بها إبراهيم عليه السلام إلى مكة فروي أنه ركب البراق هو وهاجر والطفل فجاء في يوم واحد من الشام إلى مكة، وأنزل ابنه وأمه هناك وركب منصرفاً من يومه، وكان ذلك كله بوحي من الله عز وجل فلما ولّى دعا. انتهى كلامه.
    فبينما هاجر وابنها كذلك إذ مر ركب من جرهم قافلين من الشام في الطريق السفلي، فرأى الركب الطير على الماء فقال بعضهم: ما كان بهذا الوادي من ماء ولا أنيس فأرسلوا جريين لهم حتى أتيا أم إسماعيل فكلماها، ثم رجعا إلى ركبهما فأخبراهم بمكانها، فرجع الركب كلهم حتى حيوها فردت عليهم، وقالوا: لمن هذا لماء، قالت أم إسماعيل: هو لي. قالوا: أتأذنين لنا أن نسكن معك، قالت: نعم.
    قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألفى ذلك أم إسماعيل، وقد أحبت الأنس "، فنزلوا وبعثوا إلى أهليهم، فقدموا وسكنوا تحت الدوح واعترشوا عليها العرش، فكانت معهم هي وابنها.
    قال بعض أهل العلم: كانت جرهم تشرب من ماء زمزم فمكثت بذلك ما شاء الله أن تمكث، فلما استخفت جرهم بالحرم وتهاونت بحرمة البيت، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها سراً وعلانية وارتكبوا مع ذلك أموراً عظاماً، نضب ماء زمزم وانقطع فلم يزل موضعه يدرس ويتقادم وتمر عليه السيول عصراً بعد عصر حتى عفى مكانه، وسلط الله خزاعة على جرهم فأخرجتهم من الحرم ووليت عليهم الكعبة والحكم بمكة، وموضع زمزم في ذلك داثر لا يعرف؛ لتقادم الزمان حتى بوأه الله لعبد المطلب بن هاشم لما أراد الله تعالى من ذلك فخصه به من بين قريش. وقيل: إن جرهماً دفنت زمزم حين ظعنوا من مكة واستولى عليها غيرهم.
    قال السهيلي: ولما أحدثت جرهم في الحرم واستخفوا بالمناسك والحرم، وبغى بعضهم على بعض واجترم، تغوّر ماء زمزم واكتتم، فلما أخرج الله جرهم من مكة بالأسباب التي ذكرناها، عمد الحارث بن مضاض الأصغر إلى ما كان عنده من مال الكعبة وفيه غزالان من ذهب وأسياف قلعية كان أهداها ساسان ملك الفرس، وقيل: سابور، وذكروا أن الأوائل من ملوك الفرس كانت تحج الكعبة إلى عهد ساسان أو سابور، فلما علم ابن مضاض أنه مخرج منها جاء في الليل حتى دفن ذلك في زمزم وغطى عليها، ولم تزل دارسة عافياً اثرها حتى آن مولد المبارك الذي كان يستسقى بوجهه غيث السماء، وتتفجر من بنانه ينابيع الماء صاحب الكوثر والحوض الرّواء، فلما آن ظهوره أذن الله لسقيا أبيه أن تظهر ولما اندفن من مائها أن يجهر، فكان صلى الله عليه وسلم قد سقت الناس بركته قبل أن يولد وسقوا بدعوته وهو طفل حين أجدب بهم البلد، وذلك حين خرج به جده مستسقياً لقريش، وسقيت الخليقة غيوث السماء في حياته الفينة بعد الفينة والمرة بعد المرة، تارة بدعائه وتارة ببنانه وتارة بإلقاء سهمه، ثم بعد موته صلى الله عليه وسلم استشفع عمر بعمه إلى الله تعالى إلى عام الرمادة وأقسم عليه به وبنبيه، فلم يبرح حتى قلصوا المأزر واعتلقوا الحذاء وخلصوا الغدران، وسمعت الرفاق المقبلة إلى المدينة في ذلك اليوم صائحاً يصيح في السحاب: أتاك الغوث أبا حفص أتاك الغوث أبا حفص، كل ذلك ببركة المبتعث بالرحمتين الداعي إلى الحياتين الموعود بهما على يديه في الدارين. انتهى كلام السهيلي. وقال في تفجير زمزم جبريل بالعقب دون أن يفجرها باليد أو غيرها: إشارة إلى أنها لعقبه وراثة وهو محمد وأمته كما قال تعالى: (وجعلها كلمة باقية في عقبه). أي: في أمة محمد. انتهى.
    ما جاء في حفر عبد المطلب بن هاشم زمزم
    عن الزهري قال: أول ما ذكر من أمر عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً خرجت فارة من أصحاب الفيل وهو غلام شاب، فقال: والله لا أخرج من حرم الله أبتغي العز في غيره فجلس عند البيت، وأجلت عنه قريش فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه، ورجعت قريش وقد عظم فيها بصبره وتعظيمه محارم الله تعالى، فبينما هو في ذلك وقد ولد له أكبر بنيه وهو الحارث بن عبد المطلب فأدرك، فأتى عبد المطلب في المنام فقال له: احفر زمزم خبئة الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال: اللهم بين لي. فأتي في المنام مرة أخرى فقيل له: لحفرتكم بين الفرث والدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب الحمر. فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات، فنحرت بقرة بالحزورة، فجزرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها، فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عند قرية النمل، فقام عبد المطلب فحفر هنالك فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب: ما هذا الصنع، إنا لم نكن نريك بالجهل لم تحفر في مسجدنا، فقال عبد المطلب: إني لحافر هذه البئر ومجاهد من صدني عنها. فطفق هو وابنه الحارث يحفران وليس له ولد يومئذ غيره، فسفه عليهما ناس من قريش فنازعوهما وقاتلوهما، وتناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من علو نسبه وصدقه واجتهاده في دينهم، فلما اشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولد أن ينحر أحدهم، ثم حفر حتى أدرك سيوفاً دفنت في زمزم حين دفنت، فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالوا: يا عبد المطلب أجزنا مما وجدت. فقال عبد المطلب: هذه السيوف لبيت الله الحرام. فحفر ثلاثة أيام حتى انبط الماء في القرار ثم بحرها حتى لا ينزف ثم بنى عليها حوضاً، فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب منه الحاج، فيكسره ناس من حسدة قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح، فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه فأري في المنام فقيل له: قل اللهم لا أحلها لمغتسل، ولكن هي للشارب حل وبل ثم كفيتهم، فقام عبد المطلب، فنادى بالذي أري ثم انصرف، فلم يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه، ثم تزوج عبد المطلب النساء فولدت له عشرة رهط، فقال: اللهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم، وإني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب وكان أحب ولده إليه، فقال: اللهم عبد الله أحب إليك أم مائة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين المائة الإبل فكانت القرعة على المائة من الإبل فنحرها عبد المطلب.
    وعن علي بن أبي طالب قال: قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر أتاني آتٍ فقال: احفر طيبة. قال: قلت: وما طيبة، قال: ثم ذهب عني فرجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر برة. قال: قلت: وما برة، ثم ذهب عني فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر زمزم. قال: قلت: وما زمزم، قال: لا تنزف ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل. قال: فلما أبان له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صدق، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ غيره، فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر إسماعيل وإن لنا فيها حقاً، فأشركنا معك فيها. فقال عبد المطلب: ما أنا بفاعل إن هذا إلا خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم. قالوا: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نحاكمك. قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه. قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم. قال: نعم، وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر، قال: والأرض إذ ذاك مفاوز فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة، واستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون، قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت. قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه لما بكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته، ثم واروه حتى يكون آخره رجلاً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً. قالوا: نعم ما أمرت به. فقام كل رجل منهم يحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: إن إلقاءنا بأيدينا هلك للموت لعجز ألا نضرب في الأرض، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد فارتحلوا، فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون، تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت انفجرت تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبّر أصحابه، ثم نزل فشرب وشربوا وأسقوا حتى ملأوا أسقيتهم ثم دعى القبائل التي معه من قريش، فقال: هلم إلى الماء فقد سقانا الله تعالى فاشربوا وأسقوا. فشربوا وسقوا فقالت القبائل التي نازعته: قد والله قضى الله تعالى لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبداً، الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشداً. فرجع ورجعوا معه ولم يمضوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم.
    قال ابن إسحاق: فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين إساف ونائلة اللذين كانت قريش تذبح عندهما، فجاء بالمعول فحفر فلما تمادى به الحفر، فوجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم فيها حين خرجت من مكة، ووجد فيها اسيافاً قلعية وأدراعاً، فقالت له قريش: يا عبد المطلب في هذا شرك وحق. قال: لا، ولكن هلموا إلى أمر ينصف بيني وبينكم. فضرب عليها بالقداح قالوا: وكيف نصنع، قال: أجعل للكعبة قدحين ولي قدحين، ولكم قدحين فمن خرج قدحاه على شيء كان له، ومن تخلف قدحاه فلا شيء له. قالوا: أنصفت. فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوا القداح الذي يضرب بها عند هبل، وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل وضرب صاحب القداح فخرج الأصفران على الغزالين، وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب، وتخلف قدحا قريش، فضرب عبد المطلب الأسياف باباً للكعبة، وضرب في الباب الغزالين فكانت أول حلية حليته الكعبة.
    قال السهيلي: دل على زمزم بعلامات ثلاث: بنقرة الغراب الأعصم، وأنها بين الفرث والدم، عند قرية النمل، ويروى أنه لما قام ليحفرها رأى ما رسم له من قرية النمل ونقرة الغراب ولم ير الفرث والدم، فبينما هو كذلك ندّت بقرة لجازرها فلم يدركها حتى دخلت المسجد الحرام ونحرها في الموضع الذي رسم لعبد المطلب فسال هناك الفرث والدم، فحفر عبد المطلب حيث رسم له، ولم تخص هذه العلامات الثلاث بأن تكون دليلاً عليها إلا لحكمة إلهية، وفائدة مشاكلة في علم التعبير والتوسم الصادق يعني زمزم وماءها .
    أما الفرث والدم: فإن ماءها طعام طعم وشفاء سقم وهي لما شربت له، وقد تقوّت من مائها أبو ذر ثلاثين يوماً وليلة فسمن حتى تكثرت عكنه، فهي إذاً كما قال صلى الله عليه وسلم في اللبن: " إذا شرب أحدكم اللبن فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يسد مسد الطعام والشراب إلا اللبن ". وقال تعالى في اللبن: (من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين). فظهرت هذه السقيا المباركة بين الفرث والدم وكانت تلك من دلائلها المشاكلة لمعناها.
    وأما قوله: الغراب الأعصم: قال القتبي: الأعصم من الغربان الذي في جناحيه بياض. واعترض على أبي عبيد لقوله في شرح الحديث: الأعصم الذي في يديه بياض. وقال: كيف يكون للغراب يدان، وأجاب عنه السهيلي وقال: إنما أراد أبو عبيد أن هذا الوصف لذوات الأربع ولذلك قال: إن هذا الوصف في الغربان عزيز، وكأنه ذهب إلى الذي أراد ابن قتيبة من بياض الجناحين ولولا ذلك لقال: إنه في الغربان محال لا يتصور. قال السهيلي: وفي مسند ابن أبي شيبة من طريق أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني عن قولهما وفيه الشفاء، وذلك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأة الصالحة في النساء كالغراب الأعصم ". قيل: يا رسول الله وما الغراب الأعصم، قال: " الذي إحدى رجليه بيضاء ". قال السهيلي: فالغراب في التأويل فاسق وهو أسود، فدلت نقرته عند الكعبة على نقرة الأسود الحبشي بمعوله في أساس الكعبة يهدمها في آخر الزمان فكان نقر الغراب في ذلك المكان يؤذن بما يفعله الفاسق الأسود في آخر الزمان بقبلة الرحمن وسقيا أهل الإيمان، وذلك عندما يرفع القرآن وتحيا عبادة الأوثان،
    وفي الصحيح: في صفة الذي يخرب الكعبة أنه أفحج. وهذا ينظر إلى كون الغراب أعصم إذا تفحج تباعد في الرجلين، كما أن العصم اختلاف فيهما والاختلاف تباعد، وقد عرف بذي السويقتين كما نعت الغراب بصفة في ساقيه فتأمله، فهذا من خفي علم التعبير؛ لأنها كانت رؤيا وإن شئت كانت من باب الزجر والتوسم الصادق والاعتبار والفكر في معالم حكمة الله، فهذا سعيد بن المسيب حين حدث بحديث البئر في البستان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على قفها، ودلى رجليه فيها، ثم جاء أبو بكر ففعل مثل ذلك، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك ثم جاء عثمان فانتبذ منهم ناحية وقعد حجرة، قال سعيد بن المسيب: فأولت ذلك قبورهم اجتمعت قبور الثلاثة وانفرد قبر عثمان، والله تعالى يقول: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين). فهذا من التوسم والفراسة الصادقة.
    وأما قرية النمل: ففيها من المشاكلة والمناسبة أيضاً أن زمزم هي عين مكة التي يردها الحجيج والعمار من كل جانب فيحملون إليها البر والشعير وغير ذلك، وهي لا تحرث ولا تزرع؛ لقول إبراهيم: (إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع). إلى قوله: (وارزقهم من الثمرات). وقرية النمل كذلك لأن النمل لا يحرث ولا يبذر وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب، وفي مكة قال تعالى: (قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان). مع أن لفظ قرية مأخوذ من قَرَيْتُ الماء في الحوض إذا جمعته. والرؤيا تعبر على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى، فقد اجتمع اللفظ والمعنى في هذا التأويل،
    وقيل: لعبد المطلب في صفة زمزم: لا تنزف أبداً ولا تذم. وهذا برهان عظيم لأنها لم تنزف من ذلك الوقت إلى يومنا قط، وقد وقع فيها حبشي فنزحت من أجله فوجدوا ماءها يثور من ثلاث أعين أقواها وأكثرها ماء عين من ناحية الحجر الأسود، روى هذا الحديث الدار قطني. وقوله: ولا تذم أي لا تعاب ولا تلفى مذمومة من قولك: أذممته إذا وجدته مذموماً. وقيل: لا يوجد ماؤها قليلاً من قولهم: بئر ذمة إذا كانت قليلة الماء. ومنه حديث البراء فأتينا على بئر ذمة فنزلنا فيها أي قليلة الماء كذا قاله ابن الأثير. وضعف السهيلي الوجه الأول وقال: قوله: ولا تذم فيه نظر وليس هو على ما يبدو من ظاهر اللفظ من أنها لا يذمها أحد، فلو كان من الذم لكان ماؤها أعذب المياه ولتضلع منها كل من يشربه، وقد تقدم في الحديث أنه لا يتضلع منها المنافق فماؤها إذاً مذموم عندهم، وقد كان خالد بن عبد الله القسري أمير العراق يذمها ويسميها أم جعلان، واحتفر بئراً خارج مكة باسم الوليد بن عبد الملك، وجعل يفضلها على زمزم ويحمل الناس على التبرك بها دون زمزم، جراءة منه على الله تعالى وقلة حياء منه، وهو الذي يفصح ويعلن بلعن علي رضي الله عنه على المنبر. قال السهيلي: وإنما ذكرنا هذا ليعلم أنها قد ذمت قال: فقوله إذاً: لا تذم من قولهم بئر ذمة أي قليلة الماء، فهو من أذممت البئر إذا وجدتها ذمة كقولك: أكذبت الرجل إذا وجدته كاذباً، قال تعالى: (فإنهم لا يكذبونك). قال: فهذا أولى ما حمل عليه معنى قوله: لا تذم. انتهى كلام السهيلي وهذا لفظه.
    وقوله: ادعوا بالماء الروي غير الكدر، يقال: ماء روى بالقصر، ورواء بالفتح والمد. وقوله: يسقى حجيج الله في كل مبر: هو مفعل من البر يريد في مناسك الحج ومواضع الطاعة. وقوله: مثل نعام جافل لم يقسم: الجافل من جفلت الغنم إذا انقلعت بحملها، ولم تقسم أي لم تتوزع ولم تتفرق. وقوله: ليس يخاف منه شيء ما عمر: أي ما عمر هذا الماء فإنه لا يؤذي ولا يخاف منه ما يخاف من المياه إذا أفرط في شربها بل هو بركة على كل حال. قال السهيلي: فعلى هذا يجوز أن يحمل قوله: لا تنزف ولا تذم أي لا تذم عاقبة شربها وهذا تأويل سائغ أيضاً إلى ما قدمنا من التأويل وكلاهما صحيح في صفتها. انتهى.
    وكان حفر عبد المطلب لها قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكره ابن إسحاق في السيرة عن علي، وفي تاريخ الأزرقي أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد قصة أصحاب الفيل، فعلى هذا يكون حفر عبد المطلب لها بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
    ويروى أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم عالج زمزم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل في علاجه الحجارة وهو غلام رواه البزار في مسنده بإسناد ضعيف.
    ذكر علاج زمزم في الإسلام
    قال الأزرقي: كان قد قل ماؤها جداً حتى كانت تجم في سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ومائتين، فضرب فيها تسع أذرع سحاً في الأرض في تقوير جانبها، ثم جاء الله بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فكثر ماؤها، وكان سالم بن الجراح قد ضرب فيها في خلافة هارون الرشيد اذرعاً وضرب فيها في خلافة المهدي، وكان عمر بن ماهان قد ضرب فيها، وكان ماؤها قد قل حتى كان رجل يقال له: محمد بن مشير من أهل الطائف يعمل فيها فقال: أنا صليت في قعرها. انتهى كلامه. وأما العيون التي في قعرها فثلاث كما تقدم؛ عيح حذاء الركن الأسود، وعين حذاء الصفا وأبي قبيس، وعين حذاء المروة.
    ذكر فضل زمزم وخواصها
    قد تقدم في باب الفضائل الأحاديث الواردة في فضائلها منها: أن ماءها لما شرب له كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وقد شربه جماعة من العلماء والصالحين لمقاصد جليلة وحوائج جزيلة فنالوها، من ذلك أن الإمام الشافعي رضي الله عنه شربه للعلم فكان فيه غاية وللرمي فكان يصيب العشرة من العشرة والتسعة من العشرة، ومن ذلك ما حكاه القرطبي عن أبي عبد الله محمد بن علي الترمذي عن أبيه قال: دخلت الطواف في ليلة مظلمة فأخذني التبول فاشغلني فجعلت اعتصر حتى آذاني، وخفت إن خرجت من المسجد أن أطأ بعض تلك الأقذار وذلك أيام الحج، فذكرت الحديث وهو أن لما شرب له فذخلت زمزم فتضلعت منه فذهب عني إلى الصباح، ومن ذلك أن رجلاً شرب سويقاً فيه إبرة وهو لا يشعر بها، فاعترضت في حلقه وصار لا يقدر يطبق فمه وكاد يموت، فأمره بعض الناس بشرب ماء زمزم وأن يسأل الله تعالى فيه الشفاء، فشرب منه شيئاً بجهد وجلس عند اسطوانة من المسجد الحرام فغلبته عيناه فنام وانتبه وهو لا يحس من الإبرة شيئاً وليس به بأس. هذا ملخص ما ذكره الفاكهي في فضائل مكة.
    ومن ذلك أن أحمد بن عبد الله الشريفي الفراش بالحرم الشريف المكي شربه للشفاء من العمى فشفى. ولا التفات إلى ما ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وأن حديث: " ماء زمزم لما شرب له ". موضوع بل قد صح من طرق لما قد ذكرناه في باب الفضائل، وأما حديث " الباذنجان لما أكل له ". فهو حديث موضوع كما ذكره ابن قيم الجوزية. ومن فضائله: أنه لا يتضلع منه المنافقون. " وأن آية ما بيننا وبينهم هو التضلع ". ومنها: أن من شرب منه حرم الله جسده على النار. ومنها: أن الله تعالى يرفع المياه العذبة قبل يوم القيامة غير زمزم وتغور المياه غير زمزم قاله الضحاك بن مزاحم. ومنها: أن النظر إليها عبادة. ومنها: أنها طعام طعم وشفاء سقم، يؤيده قضية إسلام أبي ذر الثابتة في الصحيح وأنه أقام شهراً بمكة لا قوت له إلا ماء زمزم فسمن حتى تكسرت عكن بطنه، وكان أهل الجاهلية يغدون بعيالهم فيشربون منها فيكون صبوحاً لهم وكانوا يعدونها عوناً على العيال وكانت تسمى شباعة. وعن عكرمة بن خالد قال: بينما أنا ذات ليلة في جوف الليل عند زمزم إذا بنفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر بياض ثيابهم لشيء قط، فلما فرغوا صلوا قريباً مني فالتفت بعضهم فقال لأصحابه: اذهبوا بنا نشرب من شرب الأبرار. قال: فقاموا فدخلوا زمزم فقلت: والله لو دخلت على القوم فسألتهم، فقمت فدخلت فإذا ليس فيها أحد من البشر. وعن رباح مولى لآل الأخنس أنه قال: أعتقني أهلي فدخلت من البادية إلى مكة فأصابني فيها جوع شديد حتى كنت أكوم الحصباء ثم أضع كبدي عليه قال: فقمت ذات ليلة إلى زمزم فنزعت فشربت لبناً كأنه لبن غنم مستوحمة أنفاساً وفي رواية: مكثت ثلاثة أيام لا أجد شيئاً آكله فأتيت زمزم فبركت على ركبتي مخافة أن أسقى وأنا قائم فيرفعني الدلو من الجهد فجعلت أنزع قليلاً قليلاً حتى أخرجت الدلو فشربت، فإذا أنا بصريف اللبن بين ثناياي، فقلت: لعلي ناعس فضربت بالماء على وجهي وانطلقت وأنا أجد قوة اللبن وشبعه. والصريف: اللبن ساعة يصرف عن الضرع. وعن عبد العزيز بن أبي رواد أن راعياً كان يرعى وكان من العباد فكان إذا ظمئ وجد فيها لبناً وإذا أراد أن يتوضأ وجد فيها ماء. ومنها: "أن الاطلاع فيها يحط الأوزار والخطايا". رواه الفاكهي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً من رواية مكحول وفي رواية أخرى: الطهور منها يحبط الخطايا. ومنها: أنه خير ماء على وجه الأرض كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في الفضائل، كيف وقد اختص بأن غسل منه بطن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ثبت في الصحيحين في حديث المعراج بعد البعثة، وفي ذلك دليل على فضيلة ماء زمزم على غيره من المياه إذ غسل منه هذا المحل الجليل في هذا الموطن الرفيع.
    قال ابن أبي جمرة لقائل أن يقول: لم لم يغسل بماء الجنة الذي هو أطيب وأبرك، والجواب: أنه لو غسل بماء الجنة دون استقراره بالأرض لم يبق لأمته أثر بركته، فلما غسل بماء زمزم وهو مما استقر من ماء السماء بالأرض على ما قاله ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون). فقال: كل ما في الأرض إنما هو مما ينزل من السماء. وقد جاء في الأثر: أن ما من مطر ينزل إلا وفيه مزاج من الجنة أو بعضه مع زوائد.
    فوائد جمة؛ منها: ما ذكرناه من إبقاء البركة للأمة. ومنها: أنه خص مقره بهذه الأرض المباركة. ومنها: أنه خص به الأصل المبارك وهو إسماعيل عليه السلام ومنها: أنه خص بما لم يخص به غيره من المياه بأن جعل فيه لهاجر أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام غذاءً، فكان يغنيها عن الطعام والشراب. ومنها: أن ظهوره كان بواسطة الأمين جبريل عليه السلام فكان أصلاً مباركاً في مقر مبارك بواسطة فعل أمين مبارك، فاختص به هذا السيد المبارك فكان ذلك زيادة له في التشريف والتعظيم، والله تعالى يفضل من يشاء من مخلوقاته حيواناً كان أو جماداً، فجاء بالحكمة العجيبة في الملة الجليلة ملة إبراهيم بالمقال، وفي الماء ملك إسماعيل بلسان الحال. انتهى كلامه.
    وهل المراد بالبطن الذي غسل بزمزم البطن نفسه أو ما في البطن وهو القلب? قال ابن أبي حمزة: الظاهر أن المراد القلب؛ لأنه جاء في رواية أخرى ذكر القلب ولم يذكر البطن. وقال: ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: أخبر صلى الله عليه وسلم مرة بغسل البطن ولم يتعرض لذكر القلب، وأخبر مرة بغسل القلب ولم يتعرض لذكر البطن، فيكون الغسل قد حصل فيهما جميعاً معاً مبالغة في تنظيف المحل. انتهى.
    ومن خواص ماء زمزم أنها لم تنزف من ذلك الوقت إلى يومنا هذا ولم يذم. ومنها: أنه يبرد الحمى كما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب الفضائل ومنها: أنه يذهب بالصداع كما ذكره الضحاك بن مزاحم. ومنها: أنه يفضل مياه الأرض كلها طباً وشرعاً كما ذكره بدر الدين الصاحب المصري.
    قال الضحاك بن مزاحم: بلغني أنه سيأتي عليها زمان تكون أعذب من النيل والفرات. قال أبو محمد الخزاعي وقد رأينا ذلك في سنة إحدى وثمانين ومائتين وذلك أنه أصاب مكة أمطار كثيرة فسال واديها بأسيال عظام في سنة تسع وسبعين، وسنة ثمانين ومائتين فكثر ماء زمزم وارتفع حتى قارب رأسها، فلم يكن بينه وبين شفتها العليا إلا سبع أذرع أو نحوها، وما رأيتها قط كذلك ولا سمعت من يذكر أنه رآها كذلك، وعذبت جداً حتى كان ماؤها أعذب من مياه مكة التي يشربها أهلها، وكنت أنا وكثير من أهل مكة نختار الشرب منها لعزوبته وإنا رأينا أعزب من مياه العيون. ومنها: أنه يكثر في ليلة النصف من شعبان في كل سنة بحيث إن البئر يغص بالماء على ما قيل، لكن لا يشاهد هذا إلا الأولياء، وممن شاهد ذلك الشيخ الصالح أبو الحسن على المعروف بكرباج على ما نقله بعضهم عن الشيخ فخر الدين النوري عنه.
    ومنها: أن من حثى على رأسه ثلاث حثيات منها لم تصبه ذلة أبداً على ما وجد في كتاب الروم كما ذكره الفاكهي بسنده عن بعض ملوك الروم. ومنها: أن ماءها يعظم في الموسم ويكثر كثرة خارقة لعادة الآبار كما ذكره ابن عطية في التفسير. وقد تقدم في باب الفضائل وفي الباب العاشر تمام ما يتعلق بزمزم من فضائلها وآداب شربها، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع جاء زمزم فقال: " ناولوني دلواً ". فناولوه فشرب منها ثم مضمض فمج في الدلو ثم أمر بما في الدلو فأفرغ في البئر . قال مسعر: مجّ في الدلو مسكاً أو أطيب من المسك.
    ذكر ذرع بئر زمزم
    قال الأزرقي: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعاً، ثم قل ماؤها حتى كانت تجم، فضرب فيها تسع أذرع سحاً في الأرض في تقوير جوانبها، قال: فغورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعاً ذلك كله بنيان، وما بقي فهو جبل منقور وهو تسعة وعشرون ذراعاً، قال: وذرع حنك زمزم في السماء ذراعان وشبر، وذرع تدوير فم زمزم أحد عشر ذراعاً، وسعة فم زمزم ثلاثة أذرع وثلثا ذراع، وأول من عمل الرخام على زمزم وعلى الشباك وفرش أرضها بالرخام أمير المؤمنين أبو جعفر في خلافته ثم عملها المهدي في خلافته ثم غيرت في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله سنة عشرين ومائتين، وكانت مكشوفة قبل ذلك إلا قبة صغيرة على موضع البئر. وذكر الأزرقي في تاريخه صفة ما كانت عليه زمزم وحجرتها وحوضها قبل أن تغير في خلافة المعتصم بالله مما كان عمله المهدي في خلافته، ثم ذكر ما غير من عمل زمزم في خلافة المعتصم بالله، وذرعها إلى أن غيرت في خلافة الواثق بالله في سنة تسع وعشرين ومائتين فمن أراد ذلك كله فلينظره ثمة. ومن الحجر الأسود إلى جدار الحجرة التي فيها بئر زمزم أحد وثلاثون ذراعاً بذراع القماش المتقدم ذكره، وأما صفة الحجرة التي فيها بئر زمزم في زماننا هذا فهو بيت مربع، سقف في جدرانه تسعة أحواض للماء تملأ من بئر زمزم يتوضأ الناس منها، والخلوة التي إلى جانب هذه الحجرة مما يلي اليمن عملت على ما هي عليه اليوم في سنة سبع وثمانمائة، وكانت قبل ذلك على غير هذه الصفة، وإنما بنيت على هذا الوضع الآن؛ ليتوضأ الناس من الزبازيب التي عملت في أسفلها.
    ذكر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه
    هذه السقاية إلى الآن حجرة مربعة عليها قبة كبيرة ساترة لجميعها، والقبة من آجر معقود بالنورة، وفي أسفل جدرانها خلاء الجنوب شبابيك من حديد تشرف على المسجد الحرام، في كل جهة شباكان، وفي جانبها الشمالي من خارجها حوضان من رخام مفردين، وباب السقاية بينهما، وفي هذه الحجرة بركة كبيرة تملأ من بئر زمزم يسكب الماء من البئر في خشبة طويلة على صفة الميزاب متصلة بالجدار الشرقي في حجرة زمزم، ويجري الماء منها إلى الجدار المذكور ثم إلى قناة تحت الأرض حتى تخرج في البركة من فوارة في وسطها، وآخر وقت عمرت فيه هذه السقاية سنة سبع وثمانمائة، وسبب عمارتها في هذه السنة سقوط القبة التي كانت على هذه السقاية وكانت من عمل الجواد، وكلام الأزرقي في أصل هذه السقاية مخالف ما هي عليه الآن، وقد ذكر الأزرقي ذرع ما بينها وبين الحجر الأسود وغير ذلك من جوانب المسجد.
    حفر زمزم ووصفها وفضائلها Fasel10
    مختصر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء
    حفر زمزم ووصفها وفضائلها Fasel10


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 23:51